أثر فاتورة رواتب الحكومة على العجز والمديونية

الخميس 26 أيلول 2013

بقلم جواد جلال عباسي

تحليل الأرقام الرسمية يناقض الرواية الرسمية بأن مشكلة تنامي العجز والمديونية أساسها فقط مشكلة الطاقة الكهربائية وانقطاع الغاز المصري أو توقف النفط العراقي الرخيص في 2003. لو نظرنا إلى بيانات نشرة مالية الحكومة العامة الصادرة عن وزارة المالية كل شهر نجد أنه:

– في عام 2003 بلغت رواتب وتعويضات العاملين في الحكومة المركزية (أي الحكومة باستثناء الجيش والمؤسسات المستقلة) 442 مليون دينار أردني.

– وصلت هذه الرواتب والتعويضات للعاملين في الحكومة المركزية في 2012 الى 1049 مليون دينار. بارتفاع نسبته 137% عن عام 2003.

– وصل المجموع التراكمي لرواتب وتعويضات العاملين بالحكومة المركزية منذ عام 2003 ولغاية نهاية 2012 إلى 7 مليار دينار و93 مليون دينار.

– في نفس السنوات ترواحت نسب التضخم في الاردن ما بين 3.4% في 2004 الى 14% في 2008 وسالب 0.7% في 2009 ووصلت الى 4.8% في 2012.

– بحسب نسب التضخم فإن 100 دينار في 2003 باتت تساوي 156 دينار من دنانير 2012. أي أن سلة ما من السلع والخدمات كنا تشتريها ب 100 دينار في 2003 صرنا نحتاج الى 156 دينار لنشتري نفس السلع والخدمات في 2012.

منطقيا يجب أن تزداد رواتب الحكومة المركزية بنسب متقاربة مع نسب التضخم لكي لا تتآكل القوة الشرائية لموظفي الحكومة المركزية. فهل هذا ما حصل؟

الجواب (أيضا من الارقام الرسمية) أن تكلفة رواتب الحكومة المركزية زادت باكثر بكثير من نسب التضخم الرسمي. فكلفة رواتب وتعويضات العاملين بالحكومة المركزية ارتفعت بنسبة 137% في 2012 عن مستوى 2003 فيما كانت يجب ان ترتفع فقط بنسبة 56% لو ارتبطت بالتضخم (على افتراض أن زيادة كلفة الرواتب سببها زيادة الرواتب وليس زيادة عدد الموظفين في الحكومة المركزية)

لو ارتفع مجمل رواتب و تعويضات العاملين بالحكومة المركزية بنفس نسب التضخم السنوي فقط لحصل الآتي:

– كانت هذه الرواتب والتعويضات ستكون 689 مليون دينار في 2012 بدلا من 1049 مليون دينار. أي أقل ب 360 مليون دينار.

– كان المجموع التراكمي لرواتب وتعويضات العاملين بالحكومة المركزية منذ 2003 ولغاية نهاية 2012 سيكون خمسة مليارات و585 مليون دينار بدلا من 7 مليار دينار و93 مليون دينار. أي أقل ب 1.5 مليار دينار. وهذا المبلغ الهائل كان سيكون متوفرا لاستثمارات تنموية في البنية التحتية.

زيادة العجز والمديونية ليست فقط بسبب مشكلة الطاقة منذ 2003 بل لها أساس كبير في انفلات الانفاق الجاري الحكومي في معظم بنوده

الواضح أن زيادة العجز والمديونية ليست فقط بسبب مشكلة الطاقة منذ 2003 بل لها أساس كبير في انفلات الانفاق الجاري الحكومي في معظم بنوده بنسب تتجاوز كثيرا نسب التضخم السنوي ما بين 2003 و2012. وههنا مثال واحد من بنود الانفاق الجاري الحكومي وهو بند رواتب وتعويضات العاملين بالحكومة المركزية.

طبعا هذا التحليل يبقى ناقصاً. ليكتمل يا حبذا لو عرفنا الآتي من حكومتنا الرشيدة:

– حصة أعلى 10% او 20% من العاملين بالحكومة المركزية (أي أصحاب أعلى الرواتب) من اجمالي الكلفة في كل السنوات السابقة.  فهذا التحليل يبين مدى امكانية ترشيد هذه الكلفة الاجمالية.

– نسبة العاملين بعقود مقابل العاملين على نظام الخدمة المدنية. وكم حصة العاملين بعقود من اجمالي الكلفة؟

– الزيادة السنوية بعدد العاملين بالحكومة المركزية لكل السنوات السابقة. فهل كانت زيادة الكلفة بسبب زيادة الرواتب أساسا أو بسبب زيادة أعداد الموظفين؟

الاستنتاج الاولي أن زيادة كلفة الرواتب الحكومية بأضعاف نسبة التضخم ساهم بشكل كبير في تفاقم مشلكتي العجز والمديونية حتى وصلنا إلى مرحلة ترفع فيها الحكومة الأسعار والجمرك والضرائب على الجميع لتوفر الرواتب الحكومية للبعض. الواجب الآن تحليل شكل الإنفاق الحكومي الجاري (بما فيه الرواتب) لتحديد سبل ترشيده أو تقليله. ولنبدأ على الأقل بضبط نموه السنوي بحد اقصى لا يتجاوز نسب التضخم السنوية.

واختم بقول جورج برناردشو الساخر مع بعض التحوير: “الحكومة التي تسرق من عمرو لتعطي زيد .. تستطيع أن تعتمد دوماً على دعم زيد لها!”

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية