“لايك جيلي” في عمان: أكثر من كافٍ، أقل من المطلوب

الإثنين 23 أيلول 2013

ثلاثة شبان مرتبكون أمام جمهور صغير غريب بالنسبة لهم. بضعة نكات للتغطية على التأخر ساعة كاملة، وعلى التوتر من المجهول. نفس عميق ثم تبدأ فرقة “لايك جيلي” الغنائية/المسرحية عرضها في مسرح البلد، في ختام مهرجان حكايا الأسبوع الماضي. فكاهة أعضاء الفرقة وتفاعلهم العفوي مع بعضهم سرعان ما همّشا هذا الارتباك، ليركز الجمهور انتباهه على العرض ويبدي إعجابه به، عبر مزيج من استقبال تلقائي للكوميديا وتأثر مفتعل، نابع على ما يبدو من حاجة للتأكيد على “خفة دم” كل ما هو مصري.

العرض -لا الحفلة- كان خليطًا من الغناء والإلقاء والقص والتهريج في مجموعة من السكتشات، روت قصصًا عن كهل تضجره حياة القاهرة ويحتاج إلى تذكير نفسه بما يمنعه من الهجرة، وعن دودة “شربت الدخانة وبلعت البرشامة” لتجد نفسها وسط الثورة، وأيضًا عن طيور مهاجرة “حوّااامة”. وبارتجالات واضحة -سلسة أحيانًا ونافرة أحيانًا أخرى- أبقت الفرقة جمهورها متحفزًا لاستكشاف العرض الذي كان يتكوّن أمامه لحظة بلحظة.

وحسب ما قال أعضاء الفرقة لحبر (يوسف عطوان – مغني رئيسي، محمد القويسني – غيتار، مصطفى طلعت – باص غيتار)، فإن ميل “لايك جيلي” نحو العروض الحية القادرة على التكيف دفعهم نحو رفض تسجيل أغانٍ منفردة أو إصدار ألبومات. “نشعر أن قوة عروضنا هي في التقديم الحي، لأننا نعيش القصة التي نحكيها. حاولنا فعلًا أن نسجل أغنية في استوديو، لكننا شعرنا أننا عمرو دياب. الصوت كان نظيفًا تمامًا وروح الأغنية لم تظهر”. علاقة الفرقة بالمسرح وحيويته جعلتهم يميلون إلى تعريف أنفسهم كفرقة غنائية/مسرحية في مقابل الفرقة الموسيقية التي تقدم 10 تسجيلات في ألبوم سنوي.

السبب ذاته دفع “لايك جيلي” لعدم رفع الكثير من عروضهم وأغانيهم على الإنترنت. وربما بسبب هذا الخفاء الإلكتروني، لم يخفِ أعضاء الفرقة الذين قدّموا عرضًا آخر في عمان مطلع هذا الأسبوع انبهارهم -الطفولي- بأن جمهورًا غير مصري تابعهم بالفعل وحضر عروضهم بل وغنّى معهم في أول عرض يقيمونه خارج مصر.

تقديم مهرجان حكايا في منشوره التعريفي لـ”لايك جيلي” على أنها فرقة “تتناول قضايا تشكل أحيانًا تابوهات في المجتمع المصري” بدا كمحاولة للاعتياش على فضول الناس تجاه كل ما هو محرم

مضامين عروض الفرقة وضعتها في منطقة شائكة، على أكثر من مستوى. فتقديم مهرجان حكايا في منشوره التعريفي لـ”لايك جيلي” على أنها فرقة “تتناول قضايا تشكل أحيانًا تابوهات في المجتمع المصري” بدا كمحاولة للاعتياش على فضول الناس تجاه كل ما هو محرم، دون أن تظهر أي من هذه التابوهات فعليًا في العرض. على العكس، استمرت الفرقة -كما سبق وأن فعلت عند ظهورها في برنامج باسم يوسف- في حذف الجزء الأخير من أغنية “نور الشمس” والتي تنصح فيها الفرقة مستمعيها بالاستمناء، كرد على الرقابة المسلّطة على كل ما لا يندرج تحت التعريف الحكومي لـ”الفن الهادف”.

رغم ذلك، تتحدث الفرقة عن سعيها لإثارة الأسئلة وتحريك الثوابت، دون ربط ذلك بأي هدف وبنفور واضح من فكرة “الالتزام”. “إذا حضرت عرضًا لنا وخرجت غاضبًا أو غير مرتاح أو خرجت وأنت تفكر، فهذا شيء جيد بالنسبة لنا”، تقول “لايك جيلي” عن استخدام السخرية لتهشيم الصور النمطية التي تكونت بعد الثورة عن الاتجاهات السياسية المختلفة التي اصطف المصريون على أساسها.

هذا الأثر المقلقل الذي سعت إليه “لايك جيلي” ارتد إليها على شكل اتهامات بالسخرية من الثورة ذاتها تارة، وبالبحث عن الشهرة من ورائها تارة أخرى. إلا أن الفرقة لم تجد حاجة للدفاع عن نفسها إزاء ذلك. “الواقع هو أن الثورة هي أبرز ما يحدث الآن في مصر. إنها حالة تعيشها البلد، وكلٌ يعبر عنها بطريقته. هذا ليس عيبًا في حق من يفعل ذلك. نحن نفعل ما نشعر به فحسب، ولسنا في موقع يخوّلنا أن نصنف من يركب الثورة ومن لا يفعل”.

بذات الطريقة، لم تحاول الفرقة الرد على اتهامات أخرى بالذكورية ورهاب المثلية ظهر أبرزها في مقالة نقدية لمجلة معازف، استندت إلى إشارات في أداء الفرقة من اصطناعها الأنوثة عند الحديث على لسان بعض نشطاء الثورة، إلى وصفها غير المباشر لعلاقة النظام بالشعب بأنها اغتصاب للأخير. في مقابل هذه المقالة التي غالت في التحليل إلى حد استنباط معاني رأتها الفرقة خيالية، اكتفت “لايك جيلي” بالقول بتلقائية منسحبة: “نحن لسنا مهتمين بقضية المثلية في العالم العربي. لم نغنّي لها ولا ضدها وليس بيننا من يحب الرجال، دون أن يعني ذلك أننا نرى أنها أمر سيء”.

ربما تبدو قضية المثلية معقدة أكثر من اللازم لتتناولها “لايك جيلي”، التي تفضل العمل في حيز حي ومتحرك وآمن في الوقت ذاته كالمسرح. لذا، فمشروع الفرقة المقبل سيكون مسرحية غنائية تحضّرها خلال الأشهر الخمس الآتية، لتعرضها لمدة شهر في مصر وبلدان عربية أخرى إن أمكن، بما ينجيها من قوالب التسجيلات الجامدة، سواء للتلفزيون أو للإنترنت، ويتيح لها أيضًا التواصل مع جمهور عريض ومتجدد.

LikeJelly4

 

LikeJelly1

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية