أزمة الصحف: عمالة زائدة، أجور متضخمة وواسطة (معلومات مصوّرة)

السبت 07 أيلول 2013

قبل شهور من تعليق صحيفة “العرب اليوم” حاول مالكها إلياس جريسات إنقاذ مؤسسته بـ”مطالبة وزارة العمل بالموافقة على إعادة هيكلة قانونية لاعداد العاملين الذين يشكلون عبئا ماليا ضخما لا تستطيع الصحيفة الاستمرار به، واستنزف معظم مواردها المالية“. ومنذ عامين يحاول رئيس مجلس إدارة “الدستور” أمين مشاقبة تخفيف خسائر الصحيفة بـ”إعادة الهيكلة الادارية والاستغناء عن خدمات موظفين“. وتشكو رئيسة تحرير صحيفة “الغد” جمانة غنيمات من فائض في أعداد صحفيي مؤسستها بنسبة 23%. ويعزو الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة صحيفة “الرأي” سابقا، خالد الوزني، تراجع أرباح “الرأي” إلى “المشكلة التي تعاني منها جميع الصحف اليومية وهي ارتفاع المصاريف الإدارية: أجور مبالغ فيها وموظفين لا داعي لهم”.

مشكلة مشتركة لكن بلا نقاش مفتوح يفضي إلى حل جماعي، ومعلنة لكن بلا تفاصيل عن حجمها: أعداد وكلف وأسباب العمالة الفائضة. جمعنا بعض الأرقام المبعثرة من تقارير سوق عمان المالي في حالة شركتي المساهمة العامة “الرأي” و”الدستور”، ومن اتصالات مع القائمين على الشركتين الخاصتين “الغد” و”العرب اليوم”.

 newspaper_N-01

من الجدول أعلاه يمكن تسجيل مواقع اختلال في أعداد ومصروفات العاملين في الصحف اليومية الأربع.

تتشابه صحيفتا “الرأي” و”الدستور” في الهوة الكبيرة بين أقل الرواتب وأعلاها، تضخم الرواتب العالية بسبب رواتب الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة عشر، وبالتالي ارتفاع كلفة الرواتب عموما.

وتعاني الصحف الأربع من زيادة عدد الموظفين، وبخاصة الإداريين الذين تزيد أعدادهم عن الصحفيين.

صحيفة “الرأي”، مثلاً، تنفق قرابة 400,000 دينار سنوياً على كتاب المقال من خارج الصحيفة، عدا عن 20 كاتباً يومياً مدرجين ضمن كادر الصحيفة

وتشترك الصحف الأربع بتضخم عدد وأجور كتاب المقال. وهو ما يفسر وصف الصحافة الأردنية بـ”صحافة رأي” على حساب المعلومات. فعدا عن العدد والأجور، تعاني مقالات الصحف من شح المعلومات وتعتمد في الغالب على انطباعات، أحكام جاهزة وتحليلات ذاتية غير مدعمة بالدلائل.

صحيفة “الرأي”، مثلاً، تنفق قرابة 400,000 دينار سنوياً على كتاب المقال من خارج الصحيفة، عدا عن 20 كاتباً يومياً مدرجين ضمن كادر الصحيفة ويتمتعون بأجور عالية بالإضافة إلى امتيازات الكادر الرئيسي من اشتراك الضمان الاجتماعي والتأمين صحي ووظيفة لمدى الحياة في بلاد يستحيل أن تنهي خدمات موظف في القطاع العام، وإذا اضطرت، تنقله من مؤسسة حكومية إلى أخرى. فكما اعترف أحد مدراء مؤسسة الإذاعة والتلفزيون سابقاً، في حديث خاص، أن التلفزيون ملجأ للموظفين الفائضين من المؤسسات الحكومية الأخرى .

تعيينات بالواسطة: إرث تتناقله الإدارات

الفائض من الموظفين وتضخم الأجور في مؤسسات الإعلام مشكلة ترحلها الإدارات لمن يخلفها. ومع مرور الوقت تتعقد ويصعب حلها مع اعتبارات قانون العمل وحقوق العامل. ويصبح الكادر، وبخاصة غير المؤهل منه أو غير القابل للتأهيل ممن عينوا على أسس غير مهنية، عبئا ماليا على المؤسسة يهدد بقاءها.

وتختلف النهاية وفقاً لنوع المؤسسة. فالحكومية منها، مثل “الرأي” و”الدستور”، تستمر بالسحب من الأموال العامة في صندوق مؤسسة الضمان الاجتماعي، ولا تظهر النتائج إلا في المستقبل عندما يتحتم على الصندوق اللجوء لاستثماراته لتغطية مستحقات مشتركيه.

في حين تظهر تبعات تضخم الموظفين وأجورهم بشكل أسرع وفقا لرأسمال المالك، كما الحال في “العرب اليوم” التي لم تتمكن من دفع أجور الشهور الأخيرة لموظفيها ولا حتى دفع تكاليف استمرار أرشيف الصحيفة على الانترنت، فاختفت سنوات الصحيفة السبع عشرة وتاريخها كأول يومية خاصة في الأردن، كما لو أنها لم توجد أصلاً.

لكن لماذا تسمح إدارات المؤسسات الإعلامية من الأساس بتعيين من لا حاجة لهم؟

لكن لماذا تسمح إدارات المؤسسات الإعلامية من الأساس بتعيين من لا حاجة لهم؟

خالد الوزني الذي عمل رئيسا لمجلس إدارة صحيفة “الرأي” سابقا بحكم موقعه كمدير عام لمؤسسة الضمان الاجتماعي، يصف “الرأي” بأنه “مطموع بها دائما” ويتحدث عن “تدخلات خارجية رسمية” تفرض على الإدارات تعيينات أو، كما يطلق عليها “تنفيعات وجوائز ترضية لهذا الكاتب أو ذاك بمبلغ ألف أو ألفي دينار، وتحديدا في صحف تساهم فيها مؤسسة الضمان الاجتماعي، لتعيين أشخاص في مناصب معينة”.

وتمتد سياسات الإرضاء لصغار العاملين عندما يحتجون ويعتصمون على عدم الشفافية والمحسوبية في التعيينات وهيكلية الأجور. ففي عام 2011/2012، وتزامنا مع ما يسمى بـ”ثورات الربيع العربي” انتشرت الاعتصامات والاتهامات العلنية بفساد إدارات مؤسسات الإعلام، بين العاملين في صحيفتي “الرأي” و”الدستور”. وبسرعة تم اسكات واسترضاء المعتصمين بزيادة أجورهم الشهرية بمعدل 50-100 دينار وبإضافة راتب سادس عشر لموظفي “الرأي” وخامس عشر لموظفي “الدستور”. وبذلك حلت الإدارات الأزمة على حساب الوضع المالي للمؤسسات، والذي ظهر في تراجع أرباحها أو زيادة خسائرها في نهاية نفس السنة التي اتخذ فيها القرار.

وحين وصلت خسائر “الدستور” إلى حد “التصفية الإجبارية” وفقا لأحكام قانون الشركات، كما جاء في تقريرها المالي لسنة 2012، حالت التدخلات الحكومية مرة أخرى بمنع التصفية، أو على الأقل تأجيلها، بحسب تقرير صحيفة المقر الالكترونية التي نقلت عن “مصادر حكومية” أن مؤسسة “الضمان وضعت رئيس الوزراء مؤخرا في صورة الوضع المالي لصحيفة الدستور، وأنها ستلحق العرب اليوم إذا لم تنفذ الهيكلة وتخفض عدد العاملين فيها” وأن “الرئيس طالب بتجميد الوضع على ما هو عليه، رافضا أن تقوم الصحيفة بتسريح موظفين خوفا من تداعيات الشارع والإعلام بعد أزمة العرب اليوم”.

وعن العرب اليوم وأزمتها، يقول مالكها إلياس جرسات في بيان لموقع عمون، أنه “استثمر قرابة 12 مليون في شركة كانت شبه منكوبة وشبه مفلسة عند شراء ملكيتها من المالكين السابقين، ولولا شرائها لكانت قد اغلقت وتم تصفيتها منذ ذلك التاريخ، ولكان جميع العاملين فيها قد انهيت خدماتهم، حيث كانت ادارة الصحيفة قد اعلنت نيتها باعادة الهيكلة، وقامت بابلاغ بعض العاملين عن موعد تعليق الصحيفة ووقفها عن الصدور”. واتهم جريسات “وزارة العمل بانها لم تتعاون مع الصحيفة ولم توافق على طلب الهيكلة”.

وعندما تشتد المحن يغض الصحفيون أبصارهم عن أخطاء إداراتهم وتتجه العيون إلى خزينة الحكومة حيث العجز بالمليارات ولن تظهر بضعة ملايين مضافة. فيطالبون بدعم الحكومة بـ”إعفاء الصحف من ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية على مدخلات إنتاجها من ورق وأحبار وقطع غيار لمطابعها، ورفع كلف الإعلانات الحكومية في الصحف الورقية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية