طالبة “آل البيت” .. لم يدفنها الثلج

الأحد 22 كانون الأول 2013

بقلم حسين الصرايرة

ما زالت حادثة مقتل طالبة “آل البيت” في مجمع للنقل العام في مدينة الزرقاء عالقة في أذهان الأردنيين حتى وإن غطاها ثلج “أليكسا” البارد وتقصير الحكومة في تقديم خدماتها الأساسية لمواطنيها ، فأثارت الحادثة الرأي العام الأردني تجاه عدد من القضايا القانونية والاجتماعية ووضعت الكثير من سلوكيات الأردنيين تحت دائرة الضوء مجدداً.

 القضاء ينتظر ردة الفعل

 بدأت تبعات الحادثة بمحاولة أقارب الضحية مراراً إغلاق الطريق العام في المدينة بالإطارات المشتعلة لتسريع الإجراءات القانونية والقبض على الجاني. كصورة مبدئية لفقدان الثقة بأن تتمكن الدولة من استيفاء حقهم. فحتى بعد القبض على الفاعل بمدة قياسية استمر الأهالي بالاحتجاج للمطالبة بالإسراع في الإجراءات كانعكاس لموروث مجتمعي بني على استيفاء الحق بالذات، حسب وصف المدير التنفيذي لمركز العدل للدراسات القانونية هديل عبد العزيز.

وقالت عبد العزيز أن انتظار الحل العشائري من صلح أو غيره، يعني ارتباط المسألة قانونياً بردة فعل الناس وهذا ما نص عليه المشرع الأردني أن للقانون العشائري تأثير ملموس على قرار القضاء النظامي وحقوق أطراف أي قضية كانت وخصوصاً الجزائية منها، الذي تنتظر مؤسسات المجتمع المدني وعدد من المنظمات الدولية من أروقة التشريع الأردنية المسارعة في استبدال “كامل” لقانون الدولة  بدل قانون العشيرة والذي اعتبرته “ناجحاً” في مرحلة ما قبل تشكيل الدولة.

وأضافت أن ردة الفعل الغاضبة تجاه هذه الحادثة طبيعية لخشية الناس أن تتكرر مع بناتهم أو من يهتمون لأمرهن.

هل أذنبت العشيرة..؟

 ويرى أخصائيو علم اجتماع في عدد من الجامعات الأردنية أن الأزمات السياسية والاجتماعية المتتالية على المملكة أخلت بالعلاقة بين المواطنين والدولة ما سمح للنسيج الأساسي للمجتمع الأردني بالتأثير على السلوك الفردي، فـ”العشيرة” لم تعد تفرض هيبتها على أبنائها بردعهم عن الخطأ، بل بـ”الفزعة” عند التورط بالقضايا جنائية كانت أو حقوقية.

وأضاف مراقبون أن تأخير الدولة لإتمام تشكيل البنية القانونية المستقلة لها جاء لضمان استقرار وأمن المملكة، إذ أن “الجاهة” و”العطوة” وفنجان القهوة الذي يحمل معان في الموروث البدوي لدى القبائل والعشائر الأردنية تسهّل ضبط المواقف المحتقنة جراء الجرائم أو السلوكيات المخالفة للقانون، وتضع الدولة في الجانب الآمن من القضية وتبعد صفة التنفيذ والقضاء عنها. فيكون دورها شبه شكلي، لتتجنب الوقوع في الخطأ أو أن تكون غريم أي طرف كان.

الوعي القانوني والنتائج

 وتضيف عبد العزيز أن المنظومة القانونية الأردنية تدفع بالأفراد لاستيفاء حقهم بذاتهم، وكان قد نشر مركز العدل دراسة مؤخراً عن إن أسرة من بين كل 5 أسر أردنية معرضة لإشكال قانوني واحد على الأقل خلال خمس سنوات، لكن 33.2% من هذه الإشكالات لم يتم اللجوء إلى المحاكم لحلها.

 أشارت ذات الدراسة أن عدم كفاية المال سبب عدم لجوء ما نسبته 24% من الذين يتعرضون لإشكالات قانونية إلى المحاكم، وأنوطول مدة التقاضي التي تعاني منها المحاكم على اختلاف مستوياتها سبب آخر.

ليتبع المتظلم سبلاً أخرى يراها “أنجع” غير القضاء وسلطته السامية في الدولة الحديثة، فتنشر ثقافة استيفاء الحق بالذات معزّزةً بامتداد اجراءات المنظومة العشائرية لحماية أفرادها أو استرداد حقوقهم تقول عبد العزيز.

وحسب مختصين اجتماعيين قالوا أن ذلك سيسمح بنمو بيئة جرمية تعمل على محاكاة دور الدولة أمنياً وقضائياً. فيما أشارت تقارير مديرية الأمن العام أن عدد الجرائم ارتفع بنسبة 48% خلال الخمس سنوات الماضية.

وعلقت عبد العزيز عن أن الحديث عن المطالبة بإعدام الفاعل قبل أن يصدر قرار محكمة الجنايات الكبرى يعد جهلاً بالمواد القانونية ودور السلطة القضائية وكيفية بناء أحكامها للفصل في القضايا المنظورة أمامها وتدخلاً في طبيعة عملها. وأشارت أن عدم معرفة الأردني أن عقوبة الإعدام موقوفة منذ سنوات، لغايات الدراسة وعدة أمور متعلقة باتفاقيات حقوقية دولية، ومطالبته باحتجاج في الشارع إيقاع هذه العقوبة بقضية لم يبت القضاء فيها بعد دليل على مقدار بعد الثقافة الحقوقية عن أبناء المجتمع.

الإعلام انعكاس لردة الفعل

ولاحظ راصدو وسائل الإعلام أن الصحافة استغلت الحادثة وكثرة الأقاويل فيها لتزيد كمية أخبارها وعدد متابعيها حسبما أفادت تقاريرهم مؤخراً،  وأتى ذلك على حساب مصداقية المادة المنشورة وموضوعيتها.

فسارعت عدد من وسائل الإعلام المحلية لنشر صور مضللة للضحية والجاني وتسجيلات فيديو عن الحادثة تبين فيما بعد أنها غير مرتبطة مطلقاً بالقضية ، ليحذوا حذو المتدخلين في عمل القضاء والمساهمة في تغيير صورة الرأي العام الأردني بدون حقائق.

وقالت عبد العزيز أن السلوك الصحفي الخاطئ والمتجاوز للدور الطبيعي للإعلام لم يأت من فراغ وإنما هو امتداد لقلة الإدراك القانوني ومدى إلمام العاملين في هذا المجال، وهم جزء من المجتمع ، بتأثيرهم على حياة الناس وكذلك القضاء.

*الصورة من Shutterstock

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية