عن كذبة الأمن الداخلي المصري

الأحد 29 كانون الأول 2013

بقلم أحمد زكريا – القاهرة

(١)

يوم الثلاثاء الموافق  ٢٤ ديسمبر/كانون أول، أنباء تتوارد حول مقتل أكثر من ١٥ شخص في تفجير إحدى مديريات الأمن شمال مصر، وحنق شعبي في المدينة بشكل خاص ومصر بشكل عام تجاه الحادث الآثيم، وأصابع الاتهام تتجه نحو التيارات الإسلامية بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص.

(٢)

شاهد عيان من مكان التفجير يتساءل كيف يمكن تفجير المبنى بهذه السهولة في ظل وجود كمائن أمنية شبه دائمة حول مبنى مديرية الأمن. أنباء تتواتر حول عدم وجود الكمين الرئيسي المؤدي لمبنى المديرية ليلة التفجير.

(٣)

يوم الأربعاء التالي للحادث، مجلس الوزراء يقرر إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ويحظر إنشطتها، وعقوبات تصل لحد الإعدام لمن يقود مظاهرة للجماعة. عنف من الأهالي في المدينة التي وقع فيها الانفجار تجاه قيادات الإخوان حيث تم اقتحام منازلهم وتكسير أثاثها والحصول على أوراق ومستندات تخص قيادات الجماعة.

(٤)

في مكالمة مع صديقة لبنانية حول الوضع في البلدين، أثارت  صديقتي تساؤلاً: هل تم تمرير القرار عبر البرلمان؟ كانت إجابتي: لا يوجد في مصر برلمان الآن. فسألتني سؤالاً أخر: هل تم اتخاذ القرار وفق قانون الطوارىء؟ لم أستطع الإجابة في حقيقة الأمر لأن قانون الطوارىء قد أعلن بعد فض اعتصام رابعة العدوية وتلازم معه حظر التجول ثم انتهت هذه الحالة في منتصف نوفمبر الماضي. المؤكد في الأمر أن السلطة التنفيذية تملك السلطة التشريعية مما يخول لها صناعة القوانين وتمريرها في ظل حالة التعبئة والتأهيل النفسي للمواطن من أجل تقبل أي قانون تضيق به مساحات الحرية الفردية و الجماعية.

(٥)

في الجمعة التالية للقرار الخاص بحظر أنشطة الجماعة واعتبارها منظمة إرهابية، تحدثت مع سائق تاكسي سائلاً إياه: هل رأيت الإخوان في مظاهرات اليوم؟ فكان رده : ربنا ياخدهم ويريحنا منهم . فقلت له: يعني الناس الغلابة اللي مالهمش ذنب غير انهم بينزلوا مظاهرة موتهم حلال؟ فرد قائلا: هما عارفين إن قياداتهم هي اللي بتولع البلد، يبقى يشيلوا الذنب بقا.

(٦)

بعد إعلان جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عن تفجير مديرية أمن المنصورة واستهدافها للمواصلات العامة، يكاد يسيطر عليّ  حاجز في كل مرة أركب فيها المترو: قد يحدث انفجار في أي لحظة، المترو غير مؤمّن على الإطلاق، ويمكن لمن يريد أن يفعل أي شيء في محطات المترو أن يقوم بذلك بسهولة بالغة. لا يوجد شرطة تقريبًا، حتى الكلاب البوليسية التي كنا نراها في المترو تكاد تكون اختفت حاليًا. بعد الخروج من المترو والسير على كوبري قصر النيل يظل الهاجس ملازمًا لي حتى أتخيل سقوط الكوبري بمن عليه في قلب النيل!

(٧)

منذ بضعة أشهر، تواردت بعض الأنباء عن استهداف السفارة الأمريكية ومحاولات لتفجيرها، فتحول محيط السفارة الأمريكية والتي يوجد بجانبها السفارة البريطانية، إلى ثكنة عسكرية مكتظة بعربات الشرطة والجيش وقيادات من الجانبين ونقاط تفتيش وحواجز أسمنتية وكلاب بوليسية لتفتيش السيارات.  للوهلة  الأولى عندما تسير في محيط السفارة تشعر أن الأمن مستتب وأن السفارات في حماية كاملة، لكن الحقيقة الجلية– لمن يأتي للمكان بشكل يومي ويعرف تفاصيله– أن تفجير السفارة قد يكون بغاية السهولة لشخص يسير على قدميه يحمل حقيبة ليضع ما يريد من متفجرات فيها، فمن الممكن أن يمر بين نقاط التفتيش دون أي تفتيش ويمكنه أن يتحدث إلى قوات الشرطة والجيش ويداعبهم. الحالة الوحيدة التي سيتم فيها إيقاف شخص يسير على قدميه هي حمله لكاميرا.

(٨)

متضادة الإرهاب والأمن، الفوضى والاستقرار، حكاية قديمة ترتدي ثوبًا جديدًا كل يوم، والملفت للنظر أن المواطنين مع كل ثوب جديد ينبهرون ويظنون أن شخصًا مختلفاً قد أطل عليهم. بعد أوان يدركون أنه الشخص نفسه، ثم تعاد القصة من جديد وكأن شيئا لم يكن. الإخوان هم إرهابيو اليوم، وهم من كانوا إرهابيي عام ١٩٥٤ ثم بعد مرورسنوات عادوا ومارسوا السياسة ووصلوا لسدة السلطة. الآن تتكرر الرواية، ويظن الكثيرون أن الإخوان سيتم سحقهم، لكن ما لا يدركه كثير منا أن اللعبة في النهاية تدار على مائدة مستديرة في الخفاء، صفقات تصنع في الكواليس دون علم من ليس لهم حول ولا قوة ولا نفوذ. سنصحو بين ليلة وضحاها لنرى الجماعة الإرهابية الآن لديها من المشروعية ما يكفيها لممارسة السياسة ومقارعة النظام الحاكم.

(٩)

جموع تتشبث بأمل الحياة الكريمة، يصدقون تصريحات الحكومة حول الأمن المستتب والشرطة الساهرة على خدمة الوطن والمقدسة لكرامة المواطن. القابلية للتصديق، أو كما قال علي شريعتي ” القابلية للاستحمار” حتى لا يرهق الانسان ذهنه بالتفكير، تجد التبرير والمسوغ القانوني الذي صنعته الدولة دون بذل مجهود. فتتكلف الدولة بعد ذلك عناء بثه في كل وسائل الإعلام بأسلوب نازي يجعله منطقا للتفكير وربما عقيدة يفكر بها كل من لا يملكون “النباهة” و مساحة أكبر سعة من”القابلية للاستحمار”.

(١٠)

دائرة التفجيرات والاغتيالات السياسية بدأت، طالما علمونا في المدارس أن الشعب المصري مسالم بطبعه وأن العنف منبوذ، لكنّه الآن سيصبح جزءا من الحكايا التي ربما نرويها لأولادنا:  آباءكم الأوائل كانوا مسالمين لكن لم يظلوا كذلك . السلطة مَفسْدة ومُفسِدة، حكاية قديمة كحكاية الفوضى والأمن. وكأن البسطاء الذي يحلمون بالأمن والثورة والحياة الكريمة قدر عليهم أن يقعوا بين فكي سلطة غاشمة ومعارضة غبية، كلاهما لا يغلب قيمة الإنسان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية