دفاعًا عن “الأنوثة”: السبيل تنزع دراسة علمية من سياقها

الثلاثاء 31 كانون الأول 2013

على نهج المحاججة الإسلامية الكلاسيكية بأن الغرب يقتبس ما سبقه الإسلام به، قدمت السبيل يوم الجمعة خبرًا بعيدًا عن الدقة بعنوان “المدارس غير المختلطة تجعل الفتيات أكثر أنوثة” حول “دراسة بحثية في أمريكا” أثبتت للصحيفة ما يبدو أنه كان قناعتها الأصلية بأن في فصل الفتيات عن الفتيان في المدارس حكمة تحافظ على “خصوصية” الجنسين.

تقتبس السبيل من الدراسة الأمريكية التي لم تسمّها نتيجة أن “الفتيات في المدارس غير المختلطة يصبحن أكثر أنوثة مما هنّ عليه في المدارس المختلطة”. وتنسب إلى وكالة CNN الأمريكية نشرها أن الدراسة “كانت مفاجئة للباحثين الذين كانوا يعتقدون أن المدارس المختلطة تدفع الفتيات ليصبحن أكثر اهتماماً بأنوثتهنّ وتميزهنّ كجنس لطيف”، لكن نتائج دراستهم خالفت ذلك إذ خلصت إلى أن الفتيات “يشعرن بضغط أكبر للالتزام بمعايير الجنسين مقارنة بالفتيات في المدارس المختلطة”. وتكمل السبيل لتعرّف “الالتزام بمعايير الجنسين” بأنه “ميل كل شخص لترسيخ مبدأ جنسه وخصوصيته”.

من غير المحتمل أن تكون دراسة سوسيو-سايكولوجية قد استخدمت تعبير “مبدأ الجنس وخصوصيته” أو “الجنس اللطيف”. قد يكون ذلك بتصرف من السبيل لكنه حتمًا ليس التصرف الوحيد أو الأهم. فالخبر الذي نشره موقع CNN في نسخته العربية جاء بعنوان “بحث: الفصل الجنسي بالمدارس يسبب ‘أنوثة زائدة’”، ما يوحي بسمة سلبية لهذا الأثر، يعززها أن النتيجة الأساسية التي أبرزتها CNN في مقدمتها كانت “أن الفتيات في المدارس من الجنس ذاته، يقيّمن ذاتهن اعتمادًا على الثقة الاجتماعية بدلاً من الثقة المعرفية، فيما تقيم الفتيات في المدارس المختلطة ذاتهن أكاديمياً أكثر من براعتهن الاجتماعية”.

 فإن النتائج الأدق للدراسة –حتى تلك التي نشرتها السبيل–تدل على أن ما تسميه الصحيفة “مبدأ الجنس وخصوصيته” في الأنوثة أو الذكورة اعتبرته الدراسة قوالب نمطية للجندر

الاختلالات التي تضمنها خبر السبيل تتضح أكثر بمقارنته مع الدراسة نفسها التي لم تكلف الصحيفة نفسها عناء البحث عنها والتحقق مما جاء فيها. فبداية، أجرى الدراسة باحثون من جامعات في كندا وكولومبيا والبرازيل بمقابلات مع 469 طالبة من الصفوف الرابع الخامس والسادس الابتدائي في مدينتي بوغوتا وبرانكيّا الكولومبيتين، أي أن الدراسة ليست أمريكية لا من حيث الإجراء ولا من حيث العينة، كما ادعت السبيل.

ثانيًا، عنوان الدراسة نفسه يشير إلى أن ما حاول الباحثون استكشافه لا علاقة له بما استنتجته السبيل. فعنوان “خلق الضحايا والهوية الجندرية في المدارس المختلطة وغير المختلطة: تفحص الاختلافات السياقية في الضغط للخضوع للأنماط الجندرية السائدة” يستبطن نظرة سلبية لهذا الضغط باعتباره وسيلة قمع للهويات الجندرية والجنسية المختلفة، وهو ما يمكن القول أنه متفق عليه في الأوساط الأكاديمية لعلم الاجتماع الحديث.

أكثر من ذلك، فإن النتائج الأدق للدراسة –حتى تلك التي نشرتها السبيل– تدل على أن ما تسميه الصحيفة “مبدأ الجنس وخصوصيته” في الأنوثة أو الذكورة اعتبرته الدراسة قوالب نمطية للجندر. إذ يقول الباحث في جامعة كونكورديا والمشرف على الدراسة وليام بوكوفسكي أن “الصبيان لا يفرضون القوالب النمطية على الفتيات، بل إن الفتيات يقمن بفرض القوالب النمطية على بعضهن” وحين لا تكون الفتيات حول أقرانهن من الصبيان يحصلن على “جرعة أكبر من معنى أن تكون إحداهن أنثى”. بل أن الدراسة تزيد على ذلك بالقول أن الفتيات اللاتي لا يلتزمن بهذه القوالب النمطية لما يفترض أن يكنّ عليه قد يتعرضن للمضايقة والتنمّر. ولا ندري كيف استشفت السبيل من ذلك دعوة لاعتماد المدارس غير المختلطة حفاظًا على “الأنوثة”.

لا يمكن القول أن الدراسة دعت لعكس ذلك، فهي لم تربط أي فضيلة عامة بالمدارس المختلطة. فرغم أن بوكوفسكي يقول أن “الآثار السلبية لعدم الانصياع للأدوار الجندرية تكون أقوى في المدارس الخاصة بالفتيات”، إلا أنه لا يقول سوى أن ذلك يجب أن يكون عاملًا يؤخذ بعين الاعتبار حين يقرر أهل الأطفال الخارجين عن الأنماط الجندرية أي مدرسة هي الأفضل لهم.

نهايةً، قد لا تكون السبيل قد صرّحت بفجاجة عن انحيازاتها في موضوع الخبر رغم نزعه من سياقه، لكن وضعه في باب “إسلاميات” على موقعها قد يكون مؤشرًا على أنها لم تحاول فعلًا إخفاء هذه الانحيازات، حتى لو خبّأتها وراء واجهة “الدراسة البحثية”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية