معايير القراءة النقديّة وشياطيين الإبداع: مقابلة مع صوتشين

الإثنين 24 شباط 2014

موقع “الأدب العربي (باللغة الإنجليزية)” تجري مقابلة مع محمد حقي صوتشين، عضو لجنة التحكيم للجائزة العالمية للرواية العربية.

هل كان لديك معايير محددة اعتمدتها عند قراءة الكتب؟ ما الذي حددّ لك أن يصل كتاب من قائمة الكتب المرشّحة (156) إلى القائمة الطويلة؟

محمد حقي صوتشين: في بداية العمل ناقشنا -كلجنة تحكيم- المعايير التي سنعتمدها في عملية غربلة الأعمال. قلت لنفسي: “هل يمكن أن نحدد مقياساً لتفضيل رواية على أخرى؟” وقد حدّدت بالفعل مقياساً من أجل أن أستخدمه في عملية التقييم. ولكنني بعد النقاش مع الزملاء أدركت بأن اعتماد مقياس كهذا لتقييم عمل أدبي يمكن أن يحمل تسطيحاً للعمل وتبسيطاً للأمر. أعتقد بأن قراءة خمسين أو مائة صفحة من رواية -بحسب مجمل عدد صفحاتها- كافٍ لأخذ فكرة عنها. عندما أقرأ العدد المنوه عنه من صفحات الرواية، أسأل: هل جذبتني؟، هل أثارت لدي رغبة الاستمرار بقراءتها؟، هل هي جيدة إلى درجة دخولها بين أولى ست عشرة رواية؟ أريد كقارئ أن تثير فضولي، وأن يشدني بناؤها، وأن أجد فيها أحداثاً تشكل عقدة. يجب أن تثير الرواية في عقلي أسئلة تتعلق ببنائها. إذا لم تتجلَّ هذه الأسئلة في عقلي كقارئ بدءاً من الصفحات الأولى للرواية فتتولد خطورة التخلي عن متابعة القراءة. وهذا يعني انطلاق إحدى الصفارات التي تشير إلى أن الرواية غير ناجحة. اللافت أن الروايات الثلاث التي دخلت “القائمة القصيرة” صادفت أنها من بين الروايات الثلاثين الأولى التي قرأتها. أذكر بأنني فرزت هذه الروايات ووضعتها في زاوية خاصة من غرفة مكتبي. أضيفت روايات كثيرة أخرى إلى تلك الزاوية. اعتماداً على ما ناقشناه مع زملائي أعضاء لجنة التحكيم صنّفت الروايات في ثلاث مجموعات. أسميت الروايات التي ميزتها بحسب ذائقتي بالقراءة وافترضت أن تدخل القائمة الطويلة رواياتٍ “مقبولة”. وصنّفت الروايات “المقبولة” في ثلاث مجموعات هي آ، ب، ج. حددت التقييمات الفرعية بإشارة الزائد والناقص. مثلاً إذا كانت إحدى روايات المجموعة ب تتميز قليلاً عن روايات مجموعتها فأضعها في تصنيف فرعي أسميه ب+. وهذا أفادني كثيراً عندما حضّرت القائمة الطويلة الخاصة بي. ولأنني قرأتُ بعض الروايات التي دخلت القائمة القصيرة في عملية الغربلة الأولى تشكّلت لدي فكرة حول مستوى الروايات. وهكذا تشكلت في ذهني صورة حول الرواية القوية والمتوسطة والضعيفة بين الروايات التي قرأتها.

هل وجدت إخفاقات مشتركة في بعض الكتب؟ إذا تسنى لك أن تتحدث مع الروائيين\الروائيات العرب الشباب \الشابات ما النصيحة التي قد تعطيها لهم؟

محمد حقي صوتشين: في الحقيقة أنني لا أرى في نفسي “مكانة” بمستوى تقديم النصائح. أعتقد بأن زملائي في لجنة التحكيم أكثر خبرة مني في هذا المجال. ولكنني يمكن أن أستنتج بعض الأمور انطلاقاً من الروايات التي قرأتها “كقارئ ناقد”. عندما أستعرض الروايات التي وجدتها ضعيفة على وجه السرعة أرى المشهد الآتي: بعض الروايات بمستوى روايات الشباب؛ بعضها تصب بعض الحقائق كما هي في الرواية دون أن تمررها من فلتر الخيال الذي يفرضه فن الرواية؛ بعضها تُصنّف في خانة الرواية الهادفة؛ وبعضها تعطي انطباعاً بأنها “مسودة” أو كتابة أولية؛ وبعضها ضعيفة البناء على الرغم من تناولها مواضيع جذابة. هذا ما يخطر ببالي الآن بشكل سريع. أما بالنسبة لتقديم نصيحة للروائيين الشباب، أقول إن الرواية قبل كل شيء هي ثمرة عملية إبداعية. أما الإبداع فهو تحرر من عادات سابقة، وتقديم ما لم يكن موجوداً أو تناول ما هو موجود تناولاً جديداً. ينبغي أن يعمل الروائيون الشباب قبل كل شيء على التخلص من طرق الكتابة القالبية. وتجاوزُ الحدود التي فرضتها العادات يُؤجج الإبداع. من جهة أخرى فإن الرواية ليست المجال الذي تُقدم فيه المعلومات. كما أنها ليس الأرضية التي يصب عليها الكاتب مكنوناته الخاصة وذكرياته بشكل فج. على الروائيين الشباب أن يختاروا مواضيعهم بعناية فائقة. أكبر مشكلة تواجه الكاتب الشاب هي فقدانه التحكم بقلمه، وترك نفسه ينجرف في تيار التداعيات، أو الانفلات وراء غواية شياطين الإبداع. عليه ألا يبادر لشرح كل شيء دفعة واحدة. محاولة شرح كل شيء يعني عدم قول أي شيء. وجود موضوع يعني الإيمان بفكرة. لا يمكن كتابة الفكرة بدفء وصدق إذا لم ينبع الإيمان بتلك الفكرة من القلب. إذا لم يؤمن الكاتب بالموضوع فلن تكون شخصيات قصته بالحيوية الكافية. أريد أن أذكّر الكتّاب الشباب بنصيحة كثيراً ما تطرح: “لا تسردوا” قصتكم وتحكوا عن شخصياتكم، بل “اعرضوها”. ابعدوا عن القوالب. تهربوا من تقديم “أدب”. لا تحيدوا عن الطبيعية. ليبق في ذهنكم دائماً ما إذا استطعتم أن تدخلوا القارئ إلى عالم روايتكم.

هل إتفقت المجموعة على أي معايير معينة (لغوية، شكلية، تطوير الشخصيات، سردية) في تحديد الكتب التي وصلت القائمة الطويلة (16) ومن ثمّ القصيرة (6)؟ ما هي العملية التي استخدمتموها لاختيار القائمة؟

محمد حقي صوتشين: كما ذكرت سابقاً فإننا أشبعنا نقاش قضية المعايير في بداية العمل. ولكن في النهاية كل عضو من أعضاء لجنة التحكيم شكّل لنفسه معايير خاصة. كان من السهل جداً غربلة قسم من الروايات، لأنها كانت روايات ضعيفة. عندما أنهينا القراءة، وقارنا بين قوائمنا كانت الروايات المختارة من أعضاء اللجان متطابقة بنسبة كبيرة. على الرغم من أن القاعدة تقول: “لا نقاش بالذائقة والألوان” فإننا يمكن أن نتحدث عن نجاح في الاختيار في حال توصل خمسة أشخاص إلى اعتبار عدد كبير مشترك من الروايات ناجحاً. بالطبع هناك روايات لم يتم الاتفاق عليها. وقد ناقشنا هذه الروايات بشفافية، وعبّرنا عن رأينا بصراحة وتوصلنا إلى قرار مشترك نتيجة التقييم. كانت مرحلة التقييم ديمقراطية ونزيهة وشفافة إلى أبعد الحدود.

هل هناك أي خطوط حمراء لم ترد لجنة التحكيم أن تعبرها في اختيار الكتاب؟

محمد حقي صوتشين: يمكنني أن اعتبر عدم أخذ شهرة الكاتب أو بلده أو جنسه أو دار نشره بعين الاعتبار، خطاً أحمر في تقييم روايات جائزة الراوية العربية. غير هذا الخط يمكن لكل عضو لجنة تحكيم أن يضع خطوطه الحمراء الخاصة.

هل يمكن أن تعطينا بعض الكلمات حول كل من روايات القائمة القصيرة لتشير إلى ما  ميّز كلا منها (بالنسبة لك شخصياً)؟

محمد حقي صوتشين:

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة: اقتحام المسكوت عنه في الواقع العربي عامة والسوري خاصة.

الفيل الأزرق: آفاق جديدة تتوغل فيها الرواية العربية.

فرنكشتاين في بغداد: لعنة “الشسمه” من خلال انتقامه من القتلة سواء كانوا مجرمين أو أبرياء.

طائر أزرق نادر يحلّق معي: مغامرات زينة في سجنها المجازي في سبيل البحث عن زوجها عزيز في سجنه الحقيقي.

طشّاري: شتات أسرة عراقية جمعتهم مقبرة الكترونية.

تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية: مغامرة من أجل التوصل إلى المعرفة/الحقيقة.

 

كانت هناك أية قواسم مشتركة في الكتب التي ألفتها نساء، والتي جعلت بعض الكتابة تبرز ككتابة نسائية؟هل  كانت هناك اتجاهات في الكتابة النسائية مختلفة عن كتابة الرجال؟

محمد حقي صوتشين: إذا كانت هناك خصوصية مشتركة لدى الكاتبات يمكن استنباط مقالة أكاديمية محكَّمة جيدة أو نص نقدي من اتجاهاتها الخاصة هذه، ولكنني لا أعتقد بأن هذه الاتجاهات يمكن أن تكون معياراً لاختيار رواية جيدة. يمكن أن تكون الاتجاهات لدى الكتّاب أيضاً وليس لدى الكاتبات فقط. أنا شخص مدافع بقوة عن حقوق المرأة، وأرى أننا لو وضعنا نصب أعينينا الخصوصية النسوية في اختيار الرواية الجيدة لاختلفت الخيارات كثيراً بين أعضاء لجنة التحكيم، ولصعب الوصول إلى قائمة مشتركة ناجحة. لم تدخل رواية إنعام كجه جي القائمة القصيرة لأن كاتبتها امرأة، بل لأن أعضاء لجنة التحكيم وجدوا روايتها ناجحة.

هل أدهشك أي شيء كجزء من لجنة التحكيم لجائزة البوكر العربية؟ شيء متعلّق بالكتب المرشّحة أو عمليّة التحكيم؟

محمد حقي صوتشين: أنا أتابع قوائم جائزة الرواية العربية باعتباري أكاديمياً يتابع الأدب العربي. أحاول التعرف على الكتاب الذين يدخلون القائمة. ولكن لم يخطر ببالي قط أن أكون عضواً في لجنة تحكيم جائزة الرواية العربية. في الحقيقة أنني لا أعرف أحداً من القائمين على الجائزة. لهذا كان تكليفي بعضوية لجنة التحكيم مفاجئاً لي. لا أعرف عن بقية الجوائز، ولكنني أعتبر أن اختيار لجنة تحكيم جائزة الرواية العربية ومبادئها غاية في النزاهة. شعرت بنفسي خلال فترة التقييم مستقلاً وحراً تماماً. لهذا أشكر إدارة الجائزة على موقفها المبدئي هذا. وعليه يجب الاستمرار من الآن فصاعداً بتقاليد هذه الجائزة النزيهة.

المزيد عن الجائزة العالمية للرواية العربية:

حوار مع لجنة تحكيم الجائزة

عن الروائيات، الأدب التجريبي، وإمكانية “التنقية الأدبية” – رد على لجنة تحكيم البوكر

روايات مرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام ٢٠١٤

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية