السيسي رئيسي

الأحد 06 نيسان 2014
ِالسيسي رئيسي

بقلم أحمد زكريّا

كنت  أشاهد منذ أيام قليلة أديبا وصحافيا من المشاهير في الساحة المصرية، والذي ينتمي لجيل الناصرية إن جاز التعبير، هو “يوسف القعيد” الذي جلس حلقة كاملة على شاشة التليفزيون المصري يمتدح في ثنايا السيسي الذي ستنهض معه مصر وأعلن على الهواء أن صوته في انتخابات الرئاسة سيكون لوزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي.

جاء هذا اللقاء التليفزيوني فور إعلان المشير السابق عبد الفتاح السيسي عن ترشحه للرئاسة في مصر وسط مُناخ يؤهل الرجل للفوز بالمقعد الأرفع في البلاد دون اللجوء إلى أية انتخابات. أتذكّر إحدى السيدات أثناء التصويت على الدستور الأخير في يناير 2014 عندما قالت: لماذا لم يقوموا بعمل ورقة واحدة للاستفتاء على السيسي و الدستور معاً، حتى نوفر كل هذه الأموال الطائلة؟

المشير السيسي ابن حي الجمالية، أحد أحياء القاهرة الشهيرة في روايات الأدب الواقعي لنجيب محفوظ – والذي مثل للسيسي أديبـًا ملهمـًا -، بالنسبة لعدد ضخم من المصريين هو الرجل الأمثل لتولي حكم مصر، فهو رجل عسكري والمصريون يحبون جيشهم، يذوبون فيه عشقـًا، لأن جيشهم وطني لم يقتل أو يعذب أي مصري من قبل، كما أن هذه المؤسسة الوطنية لم ينالها الفساد إطلاقـاً خلال العقود الستة الماضية، و لم يكن الجيش سبباً في هزيمة نكراء أمام الصهاينة في يونيو 1967، كما أن الجيش لا يسيطر على ما يقرب من 40 % من مقدرات الاقتصاد المصري، كما أنه لم يتورط في أي أزمة بخصوص كشوف العذرية أو انتهاك فتيات مصريات مثل سميرة إبراهيم، علاوة على أن الدستور لم يقر للجيش أي وضعية مميزة تجعله محصناً من المساءلة أو ما شابه. أضف لذلك أن الجيش يعمل دائماً في صمت من أجل خدمة المصريين، لا يطلب منهم جزاءًا ولا شُكرًا ولا يتحدث عن انجازاته في أي مناسبة، لذلك يعتبر المصريون جيشهم مُنقذًا لهم منذ بدأت الثورة في يناير حتى أطيح بالإخوان في يونيو الماضي، ولعل شعار الجيش والشعب “إيد واحدة” بات دليلاً دامغاً على هذا العشق.

السيسي رجل مُتدين و هذا الأمر أهّله كي يدخل قلوب المصريين المعروف عنهم تدينهم الفطري، فكلا الطرفين يتحدث من القلب إلى القلب. في ورقة بحثية قدمها المشير السابق إلى كلية الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006[1] عندما كان يدرس هناك وقد كان على رتبة عميد، أشار إلى أن الديموقراطية مفهوم “علماني” لا يتم تقبلها من قِبل الغالبية العظمى في الشرق الأوسط. و تحدث عن مفاهيم “الخلافة والشورى والبيعة” و يمكن للمرء أن يقرأ من بين السطور أن الرجل على قناعة بهذه المفاهيم التي حلم بتحقيقها، فربما تكون البيعة خلال شهور قليلة قادمة من أجل أن يصل للحكم خليفة مصر القادم أمير المؤمنين عبد الفتاح السيسي.

لماذا لا تتحول مصر إلى ثكنة عسكرية كبيرة، لماذا لا ينضم كل المصريين إلى الجيش و نصبح ” كلنا أسرة مع بعضينا” جيش في جيش؟

رؤية السيسي في هذا البحث أن النظم المستبدة يتم فيها صنع ولاءات الجيش والشرطة لصالح الحزب الحاكم، كما أضاف أنه ينبغي على هذه المؤسسات أن تظهر التزاماً بانتمائها للأمة وليس لحزب حاكم. و أوضح في ورقته أن الولايات المتحدة تدعم بعض الدول غير الديمقراطية وضم في القائمة دولاً مثل السعودية التي تمثل بالنسبة للنظام المصري الحاكم الآن حليفاً استراتيجياً، وفي مناسبات عدّة شكر الجنرال السيسي المملكة السعودية على دعمها الكبير لمصر.

في معرض حديثه عن الحرب على الإرهاب، اعتبر السيسي في دراسته أن الحرب العالمية الأمريكية على الإرهاب ما هي إلا قناع لغرس القيم الأمريكية في المنطقة، وأشار إلى أنه يجب أن يتم تطبيق مصالح دول الشرق الأوسط وليس مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وقد رأى أن الديمقراطية تنمو في مناخ تتوفر فيه قدرات اقتصادية جيدة، وشعب متعلّم، وفِهم متوازن و معتدل للأديان، وبالطبع كل هذا متوفر لدى مصر في عهد السيسي مما يبشر بمناخ ديمقراطي خلال السنوات القادمة.

في نهاية ورقته البحثية وضع السيسي ثلاث فرضيات حول مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط. تطرّق أوّلها إلى نموذج “حماس” باعتبارها حركة متطرفة  (والتي كانت قد حصلت على أغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني في نفس العام الذي كتب فيه السيسي هذه الورقة)  تحاول التعاطي مع حاجات الشعب الفلسطيني لكن تحديها سيكون على مستوى علاقاتها مع دول العالم. الفرضية الثانية من فرضيات السيسي ناقشت نموذجين معتدلين هما مصر ولبنان، نموذجان لا يقبلان الأيدلوجيات المتطرفة – وفق قوله-  والتحدي الديمقراطي فيهما هو محاربة الفساد الحكومي. وهنا لم يتحدث السيسي عن فساد النظام بل الحكومة، فهو في النهاية كان جزءًا من هذا النظام، و لم يكن لينعت النظام بأكمله بالفساد، لكنه  أقرّ بوجود فساد يصيب المؤسسات الحكومية وهذا ما أكّد عليه خلال الخطاب الذي أعلن فيه ترشحه للرئاسة. فهو لم يقل أن نظام مبارك بأكمله مازال قائمًا بل تحدث عن الترهل الإداري. و أضاف السيسي في ورقته أن وجود حكومات تعبر عن الشعب وتمثله يحمي المجتمع من الأفكار المتطرفة. وبطبيعة الحال، فإن وجود شخص مثل السيسي في السلطة سيحمي الشعب من الإرهاب، فهو وسطي معتدل لم يشارك في عملية فض ميداني رابعة العدوية والنهضة، ولم يطلب تفويضًا من المصريين لقتل مصريين آخرين وإن كانوا إخوانًا.

خلال حوالي عشرة أشهر نجح السيسي – والذي حصل على ثلاث ترقيات عسكرية خلال أقل من عامين- أن يرسم في ذهن كثير من المصريين صورة البطل الذي سيمد لمصر يد النجدة، حتى صرنـا نستمع إلى تصريحات من رجال دين يعتبرون السيسي معشوقاً  للنساء في مصر.

السيسي لديه مشروع طموح لمصر، لن يكون مشروعاً تقليديـاً ، ستعود من خلاله مصر إلى ريادتها في المنطقة، وبطبيعة الحال سيعمل المصريون مع زعيمهم القادم على تحقيق هذا الحلم القومي كما فعلوا مع عبد الناصر.

وأود خلال هذه الفرصة أن أتقدم بمقترح للمشير السيسي قد يساعده كثيراً في المستقبل خلال بنائه لمصر الحديثة :

لماذا لا تتحول مصر إلى ثكنة عسكرية كبيرة، لماذا لا ينضم كل المصريين إلى الجيش و نصبح ” كلنا أسرة مع بعضينا” جيش في جيش؟ لماذا نرهق أذهاننا بالحديث عن العسكر والمدنيين والدولة المدنية الحديثة وعسكرتها؟ لماذا يرهق الأديب الكبير “يوسف القعيد” ذهنه و يزعج نفسه عندما يقول “كلمة العسكر كلمة قبيحة، تطلق على الجيوش المرتزقة وليس على جيش وطني مثل الجيش المصري”.

أن نكون جميعاً عسكريين، فهذه هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، إذ سيتم منحنا الكثير من المزايا التي لم ولن نحصل عليها طالما وُصـِمنـا بعار المدنيّة. كمواطن مدني في هذا البلد يعني أنك مواطن درجة ثانية، لكن إن حصلت عزيزي المواطن على صفة العسكري فأنت الآن ستحظى بالكثير، وهذا سيكون له انعكاسات فكرية في تطبيق المساواة بين جميع المواطنين فكلنا عسكر تحت طائلة قانون عسكري واحد لا يفرق بين شخص وآخر إلا بالعمل والكفاءة والمجهود.

من لا يريد أن يكون عسكرياً فليرحل، هكذا تعلمنا خلال السنوات الثلاث الماضية، من لا يؤيد الإسلام في الانتخابات فليرحل إلى كندا أو أمريكا، ومن لا يؤيد الجيش والعسكر فليرحل أيضاً لأمريكا، إذًا أمريكا في إدراك كثيرين في هذا الوطن هي عدو الإسلام والعسكر في نفس الوقت.

أمنيتي الشخصية أن ينجح السيسي في الانتخابات حتى يأتي للشعب من يستحقه، فقد استحق الشعب مرسي ومن قبله استحق المجلس العسكري لأن المصريين يحبون الاستقرار. فليستقر المصريون مع السيسي كما عاشوا الاستقرار مع ناصر والسادات ومبارك .


[1] المصدر:Brigadier General AbdelFatah Said ElSisi. “Democracy in the Middle East“. US Army College, Carlisle Barracks,Carlisle, PA, 17013-5050,  15.3.2006ٍ

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية