الإعلام يفقد ثقة معان ويكتفي بالرواية الأمنية

الإثنين 05 أيار 2014

لصورة الأحداث الأخيرة في معان أجزاء مبعثرة بين الرواية الأمنية في الإعلام الحكومي كما سردها وزير الداخلية حسين المجالي الأسبوع الماضي أمام مجلس النواب وعنوانها “عودة الحياة إلى طبيعتها في معان”، وبين ما كشف عنه صحفيون متعاطفون مع رواية الطرف الآخر من أهالي معان كمقال للكاتب ياسر أبوهلالة والذي منع من النشر في صحيفته الغد فنشره على صفحته الخاصة في موقع الفيس بوك وفيديوهات مراسل فضائية اليرموك وصحيفة السبيل براء صلاح، وبينهما رواية ثالثة مستندة على ما تيسر الوصول إليه من وجهاء المدينة ينتقدون تعامل الأجهزة الحكومية مع أحداث معان.

وهناك رواية رابعة عن ظروف عمل الصحفيين والتي ساهمت في تحديد شكل التغطية الإعلامية لأزمة معان الأخيرة.

بقلم حسين الصرايرة

معان.. مشهد حرج

شهدت مدينة معان، الأسبوع الماضي، أحداث شغب متفرقة واعتداءات مسلحة على قوات الأمن والمؤسسات الحكومية، وأحرق محتجون ثلاثة بنوك وبرج اتصالات وألحقوا أضراراً مادية بمبنى ضريبة الدخل، فيما تعرضت محال تجارية عدة للتكسير وأصاب بيوت المواطنين وابلاً من الرصاص ترك أثاره على الجدران.

تكررت موجة الاحتجاج المعانية بعد مقتل شاب في عملية أمنية نفذتها قوات الدرك للقبض على مطلوبين، سبقها اعتداء مسلح على دورية درك كانت تحرس مبنى المحكمة، أصيب فيه ضابط ودركيان ومدني بإصابات حرجة.

ولفّت مظاهر العنف المدينة كلما تحركت آليات الدرك بين الأحياء لتنفيذ عمليتها، التي تقابل بمقاومة مسلحة بعتاد أتوماتيكي تحتضنه معان كصورة من موروثها الثقافي، يقتنيه الأهالي بعد تهريبه عبر الحدود الطويلة مع السعودية جنوباً. وانعكس ذلك على تقبل الرسالة الإعلامية المنقولة من الحدث والصحفيين الناقلين لها، فالرواية المحايدة تزداد صعوبة إذا ما اعتبر المحتجون الصحفي بينهم “مخبراً أمنياً”.

من جانبهم، تعاني أجهزة الأمن من مركزية التصريح للإعلام، الأمر الذي يؤخر سرعة نقل الخبر المتزن للصحافة الإلكترونية، والمواقع الإخبارية التي تقدم مادتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن الأمر لم يتوقف على قوات الأمن وتعاملها مع الصحفي الناقل للحدث فحسب، بل كان للمحتجين من المواطنين دوراً بارزاً في الإضرار بالمادة الصحفية وتشويهها وتعريض العاملين في مجال الإعلام للخطر.

الكاميرا خطر!

يقول مراسل موقع إلكتروني محلي في معان: “لا أتمكن من التصوير بين المحتجين فعدا عن أن هذا يعرضني لخطر فض الاحتجاجات بالقوة من قبل الأمن، مجرد أن تقوم بنقل الأخبار سيرفضك الناس إذا كانوا غاضبين”.

ويضيف “أحاول أن أقف في مكان مرتفع لألتقط عدد المحتجين أو قوات الأمن، لكن هذا صعب في كثير من الأحيان”.

إنهم يرفضونني كصحفي فما باليد حيلة.. من يقبلني معه أنقل زاويته ومن يرفض فزاويته مطمورة

ويقول مندوب فضائية محلية “بالعادة يسمح المحتجون لمن معهم بالتصوير لكن وجود شخص غريب بينهم أمر مرفوض حتى لو كنت من أهل المدينة”.

ويتابع: “قبل أشهر وفي معان أيضاً، كدت أُقنص من فوق مئذنة اعتليتها لأصور اشتباكات ليلية بين مسلحين وقوات الأمن، فمجرد أن خرج وميض الكاميرا حتى صُوبت أسلحة الدرك صوبي، الحمد لله لم يطلقوا النار بتركيز!، وطلبوا مني مغادرة المكان على الفور بعد أن تثبتوا من هويتي الصحفية”.

من جانبهم، قال أحد مرتبات الأمن التي كانت تفض الاشتباكات حينها، وقد التقيناه صدفة، “إن تعليمات مكافحة الشغب تضع خصوصية للصحفيين، ولم نتوقع أن يعتلي أحدهم مئذنة جامع ليقوم بالتصوير، فالضوء المنبعث من الكاميرا يشبه ما تطلقه أحد الأسلحة الخطيرة”.

أفضل أن أكون برفقة قوات الأمن أثناء تجوالها وحدوث الاشتباكات لأنهم يؤمّنون لي لقطات مميزة وآمنة وكثيراً ما أتنقل برفقة مرتباتهم داخل الآليات المصفحة

وأضاف “كنا على وشك فتح النار وإصابة الهدف، لكن المنظار الليلي المرافق لنا أمر بالتراجع بعد أن شاهد الكاميرا”.

الحياد على المحك

ليتجنب المراسلون الميدانيون الوقوع في المشاكل والتعرض للخطر يلجأ الكثير منهم إلى استمالة أحد الأطراف في الشارع، المحتجين أو الأمن، ليبقى مرافقاً لهم على الدوام وينقل الصورة من زاويتهم فقط.

يقول مراسل تلفزيوني آخر: “أفضل أن أكون برفقة قوات الأمن أثناء تجوالها وحدوث الاشتباكات لأنهم يؤمّنون لي لقطات مميزة وآمنة وكثيراً ما أتنقل برفقة مرتباتهم داخل الآليات المصفحة”.

وعند سؤاله عن طرف المحتجين وكيف ينقل صورته، أجاب: “إنهم يرفضونني كصحفي فما باليد حيلة.. من يقبلني معه أنقل زاويته ومن يرفض فزاويته مطمورة”.

حتى في الهدوء

يقول أحد مراسلي صحيفة عربية بعد أن زار معان ليلتقي قيادياً سلفياً، في فترة كانت معان تتمتع بالهدوء: “لم أكترث بنصائح أحد زملائي بأن أطلق لحيتي وألا أرتدي لباساً ملفتاً (على الموضة) لأن ذلك قد يسبب لي المتاعب”.

ويتابع “منذ دخلت المدينة وحتى خرجت منها لم تنته نظرات الاستغراب من الناس ومراقبتي أينما ذهبت، وعندما سألت أحدهم عن عنوان ذاك القيادي تفحصني جيداً وأكثر من الأسئلة حول هويتي ومن أين أتيت ولماذا أنا هنا”. ويضيف “أهل المدينة طيبون جداً لكنهم لا يفضلون الأغراب بينهم، يبدو أن ابتعاد أي مظهر أمني عنها جعلها تستقل بطبيعة حياتها اليومية”.

وفي ظل هذه الظروف تبقى مسؤولية الصحفي نقل الوقائع كما هي ليحافظ على رسالته الإنسانية في الحفاظ على سلامة الناس وأمنهم وكشف انتهاكات حقوقهم.

*الصورة أعلاه من فيديو صوّره براء صلاح

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية