المدرسة المتنقلة: مبادرة متعثّرة لتعليم البدو الرحّل

الأربعاء 02 تموز 2014

رزان الصالحي وربا زيدان – معهد الإعلام الأردني

في بقعة منخفضة عن الشارع الرئيسي في منطقة شرق محي جنوب الكرك يقطن قرابة المئتين من أبناء قبائل العزازمة في عدد من الخيم المتناثرة. هؤلاء اختاروا موقعهم مستقرًا مؤقتًا، فهم كمعظم أبناء عشيرتهم القادمة من بئر السبع يترحلون منذ زمن، حاملين خيامهم الرثة، ناصبين بيوت الشعر التي تأويهم في معان والطفيلة والعقبة والكرك.

“أنا بحب آجي عالمدرسة، والأستاذ كثير بيساعدنا في القراءة” يقول إبراهيم، أحد الأطفال في “مدرسة” أبناء العزازمة التي هي عبارة عن كرفان حديدي صغير، مليء بمقاعد متزاحمة بالكاد تكفي العدد الموجود فيها الذي يصل إلى أربعين طالباً وطالبة من أعمار ومستويات مختلفة. هذه المدرسة -أو الخيمة التعليمية كما كانت تسمى قبل أن يتم تحويلها إلى كرفان قابل للتنقل- جاءت كمكرمة من الديوان الملكي عام 2013، بعد أن ظهرت كفكرة من قبل مهتمين عام 1997 وكانت أول محطاتها باير، شرق معان.

هذه المدرسة المتنقلة، تخدم في الأساس أربع مناطق متجاورة، يتنقل فيها بدو بئر السبع الذين قدموا من فلسطين في العام 1948. وتم اعتمادها كمدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم. لكن هذا لم يمنح خريجيها حق الحصول على شهادات دراسية معتمدة.

“أتمنى أن يحمل المستقبل ما هو أفضل لجمال، فهو ذكي ويحب المدرسة”، تقول الثلاثينية أم جمال وهي تحتضن ابنها الذي يعاني من إعاقات جسدية وعقلية منذ الولادة. لدى  أم جمال سبعة أطفال، ثلاثة منهم فقط يرتادون المدرسة المتنقلة. وهي تشكو من الأمراض المتكررة التي تصيب أبنائها في ظل عدم حصولهم على التطعيمات اللازمة وعدم توفّر الرعاية الصحية الأساسية.

“فزعة” غير كافية

عمر العزازمة، الذي درس صغيراً في الخيمة حين لم تكن أكثر من بيت شعر، حاصل على بكالورويس في اللغة العربية، ودبلوم عال في تكنولوجيا المعلومات من جامعة مؤتة. وهو يعمل كمعلم إضافي في هذه المدرسة منذ حوالي عام وثلاثة أشهر.

“الأوضاع هنا سيئة للغاية”، يقول الأستاذ. “لدي حوالي 40 تلميذاً من مراحل دراسية مختلفة”. يقول العزازمة إنه لا يتلقى أي دعم من وزارة التربية والتعليم  سوى راتبه. ويشتكي صعوبة التدريس في مكان مقفر كهذا، حيث يبعد أقرب مركز تصوير أو مكتبة ما لا يقل عن 20 دقيقة مشياُ على الأقدام. ورغم تأكيده أنه يبذل جهداً كبيراً في تعليم الأطفال جميع المواد من العربية الى الرياضيات، الا أن الغالبية العظمى منهم لا يستطيعون حتى القراءة بصورة مفهومة، رغم تأكيدهم لنا أنهم في الصفوف الخامس والسابع.

عفاش العمامرة، صاحب مبادرة الخيمة التعليمية، يقول أنه حاول مراراً وتكراراً مخاطبة الجهات المعنية بتنمية شؤون البادية، كما وجه العديد من الرسائل الى وزارة التربية والتعليم، لكن دون طائل. “لم يرفدنا الصندوق الهاشمي بأية معونات. ولم يصلنا أي دعم من وزارة التربية والتعليم”، يقول العمامرة، مشيرًا إلى أن “الفزعة الهاشمية” كما سّماها، ممثلةً بالكرفان لم تكن كافية. فهي لم تقدم حلاً عملياً يخدم الأهالي. فلم يتم توفير وسيلة مواصلات تتكفل بنقل الكرفان من مكان إلى آخر حيثما ارتحل أهالي المنطقة أو حلوا.

“لم تتحرك المدرسة المتنقلة منذ نصبها إلا مرة واحدة فقط. وكانت على نفقة الأهالي الذين قاموا بتجميع مبلغ 250 دينار واستأجروا سيارة نقل تكفلت بهذا الأمر”. ويؤكد أهالي العزازمة أن جميع مخاطباتهم لوزارة التربية والتعليم لتوفير وسيلة نقل ومعلم ثانٍ باءت بالفشل، حيث أنهم يتعللون بتنقلهم الدائم وبعد المناطق التي يقطنونها لعدم توفير خدمات تعليمية متكاملة.

بدو خارج الصورة

مدير الصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية رائد السردية قال إن هذه الفئات من البدو الرحل لا تقع ضمن المناطق الجغرافية التي تغطيها مظلة الصندوق. “القطرانة هي حد البادية الأردنية . كما أن الكرك تعتبر من المناطق الريفية ولا تدخل ضمن صلاحياتنا (..) وبما أنهم يقطنون محي الآن فهم يتبعون لوزارة التنمية الاجتماعية ولمحافظة الكرك من ناحية ولزارة التربية والتعليم من الجانب التنظيمي”.

نسبة البدو الرحل لا تتجاوز حالياً أكثر من 2% من مجموع السكان، وأن الكثيرين منهم يفضلون الترحال  على الاستقرار ضمن المناطق التنموية القريبة، رغم المحاولات الكثيرة التي يبذلها الصندوق لتوطينهم.

 السردية، الذي أكد أن ما نسبته 80% من المساحة الكلية للمملكة تعتبر من مناطق البادية، قال إن نسبة البدو الرحل لا تتجاوز حالياً أكثر من 2% من مجموع السكان، وأن الكثيرين منهم يرفضون الاستقرار ضمن المناطق التنموية القريبة، رغم المحاولات الكثيرة التي يبذلها الصندوق لتوطينهم.

“جغرافياً لا تدخل هذه الفئات ضمن صلاحياتنا، فهذه العشائر لا تتبع لمناطق البادية المنصوص عليها ضمن حدودنا، ولكن هذا لا يمنع من مساعدتهم والعمل من اجل تحقيق التنمية المستدامة لهم”، يقول السردية، مؤكدًا أن زملائه على علم تام بحالة هذه العوائل وبأن زيارات مسبقة قد تمت لتلك المناطق من قبل مسؤولين، لكن الظروف لم تساعد على إجراء دراسات دقيقة حول ظروفهم، لأسباب خارجة عن إرادة الصندوق وفق قوله، مضيفاً أن الصندوق ينوي إعداد استراتيجية عمل لخمسة السنوات القادمة “وموضوع البدو والرحل على أولويات هذه الاستراتيجية.”

في ذات الوقت، يستثنى العزازمة من نظام تقسيم الدوائر الانتخابية والمقاعد المخصصة لكل من بدو الشمال والوسط والجنوب، حسبما أقرت في قانون الانتخاب.

Map_density-01

مدير التخطيط والبحث التربوي الدكتور محمد أبو غزلة أكد أن الحق في التعليم مكفول ضمن الدستور وأن بوسع أي طفل موجود على أرض المملكة الالتحاق بالمدارس الحكومية، لكنه في نفس الوقت قال إن “مشكلة هذه التجمعات تكمن في تنقلها المستمر، وعدم انتظام أعداد الطلبة الذين يتوجهون لهذه المدرسة، كما أن المعلم نفسه غير منتظم في التدريس”.

بحسب أبو غزلة، كانت الوزارة قد زودت التلاميذ هناك بمناهج الصفوف الأساسية، كما ألحقت معلمين اثنين للعمل في تلك المنطقة. وهي وفقًا له على أتم الاستعداد لتنسيب أي معلم يرشحه أهالي المنطقة.

” الحل الأمثل أن يتم تعيين أستاذ من ضمن العزازمة أنفسهم، يكون دائماً معهم، وقادرا على الارتحال أينما ذهبوا، فليس من السهل أن يقبل أي كان بظروف العمل الصعبة هذه”. يقول أبو غزلة، علمًا بأن 17 من خريجي هذه المدرسة يعملون الآن كمعلمين في الوزارة.

كما أشار الى أنه كان قد عرض عليهم مسبقًا أن ينتقلوا لمدرسة السماكية القريبة، وبأنه كان على أتمة الاستعداد أن يوفر لهم باصات للنقل لكن أهاليهم رفضوا هذا الأمر، كما رفضوا جميع السياسات البديلة التي قدمتها لهم الوزارة.

ومجيبًا عن سؤال حول احتمالية أن يقبل بهم مدارس المملكة النظامية في حال قرروا الاستقرار وإلحاق أبنائهم بها، قال أبو غزلة “تعتمد الوزارة نظام فحص التعلم الذي يتيح للجميع الانخراط في المدارس النظامية، فلا يوجد أي نص يمنع الالتحاق بالمدارس الحكومية أو العسكرية التي تنتشر في البادية، بإمكانهم البدء الآن”.

“نحن لسنا تابعين لأحد. من الأربعينات ونحن على هذه الحال ولا تصلنا أية حقوق” تقول النائب السابق، خلود المراحلة، التي تم انتخابها عن قصبة الكرك، ممثلةً لعشائر العزازمة التي تنتمي إليهم. وتضيف المراحلة أن  المشاكل التي تمنع أبناء وبنات العزازمة من دخول مدارس نظامية تكمن في “عدم تمكنهم من إيجاد وظائف ولا أراضي يسكنونها، لأنهم حتى حين يقررون نصب خيامهم في منطقة قريبة من الشارع يتم طردهم من قبل أصحاب الأراضي الأصليين، لذا يضطرون إلى أن ينصبوا خيامهم بعيدًا عن المناطق المخدومة وبين الجبال والوديان”.

حين يقررون نصب خيامهم في منطقة قريبة من الشارع يتم طردهم من قبل أصحاب الأراضي الأصليين، لذا يضطرون إلى أن ينصبوا خيامهم بعيدًا عن المناطق المخدومة وبين الجبال والوديان

وتشير إلى أنها حاولت كثيرًا أن تلقي الضوء على معاناة العائلات التي تقطن بيوت الشعر في غرب السماكية، ورغم زيارة وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة لهم واطلاعها على أوضاعهم، ووعودها بتوفير ظروف سكن أفضل وتوفير فرص عمل، فلم يحدث شيء من ذلك.

وبين جهات كثيرة ووزارات متعددة، ومنظمات تحدد صلاحيات المناطق التي تخدمها وفقًا لمعايير جغرافية لا يخضع لها ساكنو الخيام، تبقى عشائر العزازمة التي لم تعترف بها أي جهة كعشيرة من البادية ولم تشملها تغطية الصندوق، تتنقل كل عام بين معان والطفيلة والعقبة والكرك، ويبقى أطفالهم يبحثون عن مخرج ما.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية