الغد تدفع كلفة لقائها مع الملك

الخميس 21 آب 2014

عشر سنوات مرت على صدور العدد الأول من جريدة “الغد“، حافظت خلالها على خط تحريري منحاز “للرؤية الملكية” في كافة القضايا المحلية والخارجية. وذلك من خلال ثبات الأخبار الدعائية والصور الكبيرة للملك على صفحتها الرئيسية ودعم أو تبرير قراراته، أو على الأقل حصانة هذه القرارات من نقد كتاب أعمدتها. وبهذا استحقت بجدارة لقب “صحيفة الملك” وكوفئت على ذلك بلقاء حصري معه.

لكن للقاء الملكي ثمن مهني باهظ ما زالت الصحيفة تسدده لغاية الآن، تمثل في قبول “الغد” للعب أدوار جديدة فصّلها لها خبراء البروباغندا الملكية، تُشبه إلى حد بعيد أساليب الأجهزة الأمنية في صحيفتي الحكومة: “الرأي” و”الدستور”.

عن مقابلة الملك

البداية كانت بسلسلة مقالات ليس فيها تعليق على مضمون المقابلة أو تحليل يكشف ما لم يقل فيها، وإنما ملخصات وتأكيد على ما قيل أو مديح للملك.

فكتبت رئيسة تحرير الصحيفة جمانة غنيمات ملخصا للعناوين العريضة التي تناولتها المقابلة، وخلصت إلى نتائج عامة جدا بأن “الملك بدا واثقا مطمئنا”، “ما يعطي الإيمان بالتالي باستعداد الأردن لتجاوز المرحلة”. وبأنها (الكاتبة) “أدركت مدى قدرة الأردن على التكيف الاستراتيجي في علاقاته وتحالفاته”، وأن “الصراحة المتناهية في الحديث إنما هي إيمان الملك بحرية الإعلام المهني والموضوعي”.

وعوضا عن التحليل السياسي، خرج الكاتب فهد الخيطان بقصيدة غزلية عن تفوق الملك بين زعماء المنطقة، فتصف “خطابا سياسيا هادئا ورزينا ليس سهلا أن تعثر في منطقتنا الغارقة حتى رأسها بالصراعات”، و”قراءة لأزمة سورية أفضل وأعمق من أطراف الصراع المنخرطة في لعبة الموت والقتل. وأحسن من الساسة العراقيين العابثين بمستقبل شعبهم… وأكثر رشدا من المصريين المتسابقين على قهر بعضهم”.

الكاتب محمد أبورمان قدم مقالته على أنها قراءة لـ”ما بين السطور” أو لـ”المسكوت عنه في النص”، “وهو ما يحتاج إلى استنطاق واجتهاد قد يصيب أو يخطئ”. لكنها لم تأت بإضافة على قاله الملك مباشرة في اللقاء.

وتقاسم كتاب آخرون محاور اللقاء بينهم للتأكيد على ما قاله الملك فيها. فلفت انتباه باسم الطويسي عبارة الملك حول “الوعي بالتطور الحتمي للملكية” التي “تعني في القراءة الأولى حجم إدراك الملك لطبيعة التطور التاريخي المفترض لنموذج الملكية في الحالة الأردنية”. واختار موفق ملكاوي الملفات الخارجية للتأكيد على الموقف الرسمي منها كما جاءت في المقابلة. وتولى موسى شتيوي تلخيص “الرسائل المتعلقة بعملية الإصلاح السياسي” التي حملتها مقابلة الملك مع “الغد”.

تعديل دستوري

ما انفك كتاب “الغد” يهللون بما جاء في مقابلة الملك حتى شرع بعضهم في تأييد أو تبرير التعديلين الدستوريين

وما انفك كتاب “الغد” يهللون بما جاء في مقابلة الملك حتى شرع بعضهم في تأييد أو تبرير التعديلين الدستوريين، الأول يسند للملك صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة، والثاني يتعلق بصلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب. وامتنع كتاب آخرون عن التعليق عليهما. وبذلك فقدت الصحيفة التنوع المحدود أصلا في قسم “أفكار ومواقف”، وانتقلت “للغد” ظاهرة “جوقات كتاب الأعمدة” التي تتماهى فيها الآراء بإيعاز من خارج الصحيفة.

أربعة كتاب خلال أسبوع علقوا تأييدا للتعديلات الدستورية، واحد منهم جهاد المنسي الذي اكتفى بالحديث عن التعديل المتعلق بالهيئة المستقلة للانتخاب وتجنب التعليق على التعديل الآخر. وبرر إجراء التعديلات الدستورية “فهذا يعني اننا لم نعد نقول كما كان يفعل بعض الساسة سابقا، بأن الدستور خط احمر ولا يجوز الاقتراب منه… فالمتغيرات كثيرة، وربما يتوجب دوما إعادة النظر في بعض المواد الدستورية”.

واتفق الكاتب نضال منصور مع ضرورة إجراء تعديلات دستورية، وعبر صراحة عن تأييده للتعديل المتعلق بصلاحيات الملك، بل وعمم موقفه على الأردنيين. فهو يرى أن “بسط سلطة الملك على بعض مفاصل الدولة حتى في ظل الحديث عن الملكية الدستورية، لن يجد معارضة، بل قبولاً عند الشارع، فهذا الأمر ليس مفصلاً خلافياً”.

ولا يجد الكاتب والنائب جميل النمري مشكلة في قرار التعديل الدستوري، لأنه “يستحسن إبقاء مؤسسة الجيش والأمن الوطني بعيدا عن التجاذبات السياسية والانقسامات الداخلية، ولعل وضعها تحت سلطة الملك المباشرة يعطي ضمانة دستورية واضحة للوحدة والأمن والاستقرار”. ويتحدث أيضا بلسان الأردنيين كافة: “فكل أردني يرى في الأمن والاستقرار لمجتمعنا وكياننا الوطني ونظامنا السياسي أولوية ثمينة، تسمو على كل ما عداها”.

وعوضا عن تقديم رأيه في التعديل الدستوري، كتب محمد أبورمان مادة أقرب إلى تقرير إخباري محايد ومتوازن بين رأيين، مؤيد ومعارض، من دون أن يظهر موقفه. فبدأ بسلسلة أسئلة تلتها إجابات منقولة عن “الدوائر المقربة من “مطبخ القرار” تدعم القرار وتبرره كمقدمة لـ”حكومة برلمانية” في الفترة المقبلة”. واقتبس الرأي الآخر من “الخبير القانوني” مبارك أبو يامين الذي “يدعو إلى التريث والانتباه فيما يختص ببعض هذه البنود، لأنّها لا تحتاج فقط إلى تعديلات دستورية، بل تصطدم بفلسفة نظام الحكم وروح الدستور”.

لكن الكاتب الرئيسي في صحيفة الغد، أبورمان، عبر عن موقفه من التعديل الدستوري في اليوم التالي خلال مقابلة مع موقع “الجزيرة نت“، كباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، قال فيها أن التعديلات المقدمة “تتناقض مع فلسفة الحكم في الأردن التي تنص على أنه نيابي ملكي وراثي” وأنها “تمثل منح دستورية لمراكز القوى في الدولة، مما يعني خدشا لمفهوم الولاية العامة للحكومة”.

القيود التي قد تكون فرضتها “الغد” على كتابها تظهر بوضوح فيما كشفت عنه الكاتبة في الصحيفة رنا صباغ على صفحتها على فيسبوك: “اعتذر لأن مقالتي لم ترى النور اليوم في عدد الاربعاء في صحيفة الغد بعنوان “التعديلات الدستورية المقترحة: خطوة للأمام او ردة”. بالطبع نسي محرر الصفحة ان يعلمني بقرار رئاسة التحرير بعدم نشر اي مقال رأي يؤيد او يعارض القرار… سوف احمله على صفحتي الفيسبوك بعد نشره في وسيلة اعلامية اخرى…”

الرأي الأحادي المؤيد للتعديل الدستوري في قسم “أفكار ومواقف” تناغم مع التغطية الإخبارية للغد التي اقتصرت على نشر خبر “النسور يستأذن الملك بتعديلين دستوريين” نقلا عن وكالة الأنباء الرسمية “بترا“، من دون متابعة مع الرأي الآخر، مثل خبراء في الدستور، كمحمد الحموري الذي يرى أن التعديل “يخالف مبدأ الملكية الدستورية التي تمنح الحكومات الولاية العام”، أو مع معارضين للقرار، كالمتقاعدين العسكريين الذين أصدورا بيانا اعتبر التعديل “اعتداء على الدستور وتحديا لإرادة الشعب”.

الجدل حول التعديل الدستوري لم يصل إلى صفحات “الغد” إلا من خلال تغطية جلسات مجلس النواب التي نوقش فيها التعديل وعبر قرابة عشرة نواب عن مواقف معارضة للتعديل الدستوري.

حملة إعلامية على الاخوان

التطورات المتعلقة بالتعديلات الدستورية تزامنت مع أزمة جديدة بين الحكومة والإسلاميين، وتمثلت مجددا بحملة إعلامية استهدفت الإخوان المسلمين وصلت إلى حد التهديد بحظر الجماعة. وذلك بعد “مهرجان الحركة لنصرة غزة وما تخلله من استعراض عسكري” وفقا للتصريحات الحكومية، أو قبيل انتخاب أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي وحسم التنافس بين “الحمائم والصقور“.

تميزت هذه الحملة عن سابقاتها باستخدام النظام للجزرة إلى جانب العصا. ففي حين كانت الأجهزة الأمنية تمرر عبر الإعلام، وبخاصة مقالات “المحرر السياسي” في صحيفة الرأي، رسائل تؤكد على وجود “توجه لدى الحكومة لحل الجماعة بالرغم من بعض التطمينات التي تصدر بعكس ذلك”، في إشارة إلى تأكيد رئيس الوزراء عبدالله النسور أنه “لا حل لجماعة الاخوان المسلمين“.

مقالة “المحرر السياسي في الرأي” أثارت سخرية كاتب “الغد” محمد أبو رمان الذي كتب على صفحته الخاصة في موقع الفيس البوك أنه “مقال طريف” يضعنا “أمام احتمالين لا ثالث لهما، يترتبان على هذه المعلومة المهمة من المحرر المحترف: الأول يتمثل بأنّ المحرر، في الصحيفة شبه الحكومية، يتهم رئيس الوزراء صراحةً وبوضوح بالكذب على الشعب الأردني، لأنّه يؤكد ما نفاه الرئيس من وقائع ومعلومات حدثت في مجلس الوزراء، وليس الجديد بأن يتم التشكيك بمصداقية رئيس حكومة أو روايته، بل أن يصدر ذلك عن صحيفة محسوبة على “الدولة”! الثاني يتمثّل بأنّ هنالك تفكيراً جدياً في حل الجماعة، لكن الرئيس لا يعرف به، أو لا يعتبر من اختصاصاته، وخارج نطاق “ولايته العامة”! شخصياً أرجّح الخيار الأول، لكن أتفق مع مقال المحرر السياسي بأنّ هنالك اتجاهاً في الدولة يدفع نحو هذا السيناريو، إنّما خارج دوائر الحكومة وصلاحياتها!”.

لكن يبدو أن أبو رمان لم يكن يعلم أن صحيفته “الغد” سبقت “الرأي”، للمرة الأولى، في نشر حصري لرسائل الأجهزة الأمنية الموجهة للاخوان المسلمين. فقبل خمسة أيام من مقالة “محرر الرأي السياسي” نقل الصحفي محمود الطراونة في “الغد” عن “مصادر رسمية شديدة الإطلاع لم تنف ولم تؤكد ما تردد عن إعادة نظر الحكومة بقانونية جماعة الإخوان المسلمين، وحظرها قانونيا، باعتبار أنها جمعية خيرية، وتمارس العمل السياسي”.

وباستثناء تقرير الطراونة المبني على مصادر رسمية مجهولة، قامت “الغد” بدور “الجزرة” في حملة الحكومة على الاخوان المسلمين. فتفردت الصحيفة بنشر رسالة فيصل الفايز: “نصيحة من صديق للإخوان المسلمين“، التي استهلها بوصف الجماعة بـ”نموذج في العمل السياسي المنضبط، الذي لم يخرُج على ثوابت الدولة الأردنية”. وأشار إلى إجرائه “عديد من اللقاءات والحوارات مع العديد من القيادات الإخوانية”، سعى فيها “لأن تعود الجماعة، عن قرارها بمقاطعة الانتخابات، باعتبارها جزءا رئيسا وفاعلا في الحياة الأردنية”.

ثم يتحول الفايز إلى انتقاد “بعض التصرفات والممارسات، التي صدرت عنكم (الاخوان) مؤخراً، خلال أحداث غزة الأليمة… لذلك بات لزوماً عليكم، إخوتي، إعادة النظر في العديد من مواقفكم، فلا يجوز المراهنة على تسامح قيادتنا الهاشمية، وشعبنا الطيب إلى الأبد”.

ردود حركة الاخوان المسلمين على رسالة الفايز، واتهامات الحكومة بالتصعيد في مهرجان نصرة غزة، وقبلها رسالة التهديد بحظر الجماعة، لم تظهر في “الغد” وإنما في مواقع إخبارية أخرى.

لكن ردود حركة الاخوان المسلمين على رسالة الفايز، واتهامات الحكومة بالتصعيد في مهرجان نصرة غزة، وقبلها رسالة التهديد بحظر الجماعة، لم تظهر في “الغد” وإنما في مواقع إخبارية أخرى. فجاء رد القيادي السابق في الحركة الإسلامية عبد اللطيف عربيات في صحيفة “المقر” الالكترونية “انه يُجِلّ ويحترم رئيس الوزراء السابق فيصل الفايز، داعين الى ان لا ينزلق في اي خلافات”. وقال عضو جبهة العمل الاسلامي محمد البزور “للمقر” أن “جماعة الاخوان المسلمين هي “فكر” وان تم تحظر الحزب، الفكر يبقى موجوداّ”.

كتاب “الغد” المهتمون بشؤون الحركة الإسلامية وجهوا خطابهم إلى الاخوان المسلمين بوصفها الطرف الوحيد المسؤول عن حل الخلاف مع الحكومة. فكتب محمد أبورمان أن “الجماعة تحتاج إلى عملية “نقد ذاتي” عميقة جديّة، وإلاّ فإنّ الإجهاز على الجماعة أو حلّها لن يتم بأيدي الخصوم، بل الأبناء الحريصين عليها جداً”.

وذهب فهد الخيطان إلى تبرئة الحكومة من الهجمة الإعلامية على الاخوان: “هذه المرة، الحكومة سبقت الإسلاميين في إظهار النوايا الحسنة؛ فبينما تتعرض الحركة الإسلامية لقصف إعلامي مكثف”، مشيرا إلى تصريحات النسور بأن “بديل الحركة الإسلامية في الأردن لن يكون جيدا” ونفي وزيره الكلالدة لبحث الحكومة في “حل جماعة الإخوان المسلمين”.

وبالمقارنة مع الصحف اليومية الأردنية: “الرأي، الدستور، الديار، الجوردن تايمز“، باستثناء “السبيل” التابعة لحزب جبهة العمل الإسلامي، تبقى “الغد” اليومية الأكثر استقلالية عن المؤسسات الحكومية والأمنية، وحتى الملكية. وقد يكون هذا سبب اختيارها كمنبر لتوصيل وجهة النظر الدبلوماسية في الحكومة إلى حركة الاخوان المسلمين، بعد أن تم تجريب الخطاب الأمني في صحيفة “الرأي”.

—-

تصويب: تم تعديل الفقرة الأولى لتصحيح خطأ أن اللقاء كان الأول مع صحيفة محلية خاصة، في حين أن الملك كان قد أجرى لقاءً خاصاً مع الغد عندما كان يرأس تحريرها أيمن الصفدي، تلاها لقاء مع العرب اليوم بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية