قناة العرب: الحقيقة المرّة لسياسات الإعلام العربية

الخميس 12 شباط 2015

عبير النجار

النظام الذي يوقف بث قناةٍ إخبارية هو قطعًا ليس في موقف أفضل من موقف القناة المتوقفة نفسها، فهنالك الكثير من الدروس التي يمكننا أن نتعلمها من إيقاف بث قناة العرب الإخبارية خاصةً حول الشروط الموضوعية التي تحكم عمل الإعلام العربي.

أولها هو أن الضمانات السياسية المُقدّمة للمحطات الإعلامية بالكاد تضمن القليل، وثانيها إن الخطوط الحمراء ليست حمراء وواضحة وقابلة للملاحظة كما نتوقعها أن تكون، إذ أن هذه الخطوط تتقدّم وتتراجع نظراً للتغير المستمر لسادتها وسياساتهم، وثالثاً فإن سياسة «كل مكان باستثناء هذا المكان» ما تزال مهيمنة على المنطقة.

العرب وعدت جمهورها بتغطية جذابة عالية المستوى تحت شعار «العرب – القصة التي تهمك». الصحفي المصري البارز أيمن الصياد كتب على صفحته على فيسبوك معلقاً على إيقاف بث قناة العرب بقوله: «في عالم نحاسب فيه الإعلامَ على أي شيء عدا المهنية، لا تسألني عن مستقبل».

السلطات البحرينية أوقفت بث القناة التي طال انتظارها بعد أقل من 24 ساعة من انطلاقتها في الأول من شباط. ولإطلاق القناة فقد أنفق مالك القناة الأمير الملياردير الوليد بن طلال عشرات الملايين ووظّف نحو 280 إعلامياً عربي. انتظرت السلطات البحرينية أسبوعًا كاملاً قبل أن تعلن رسميًا تعليق عمل المحطة بسبب عدم توافر التصاريح اللازمة للمحطة للعمل في الدولة، إضافة إلى قصور المحطة عن ممارسة عملها «بما يتناسب مع الوضع الراهن إقليميًا ودوليًا من حرب حازمة ضد الإرهاب»، بحسب البيان الصادر عن هيئة شؤون الاعلام البحرينية، ومن ثم تم حجب الموقع الإلكتروني للقناة.

ما يزال مستقبل القناة مجهولاً حتى هذه اللحظة، فقد اختلفت السيناريوهات حول أسباب توقف القناة، وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) نقلت عن جريدة أخبار الخليج البحرينية ما مفاده أن «القناة لم تلتزم  بالأعراف السائدة فى الدول الخليجية».

القناة انتُقدت لاستضافتها خليل المرزوقي المساعد السياسي للأمين العام لجمعية الوفاق الإسلامي في أول نشرة أخبار بثتها القناة. وكان المدير العام للقناة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي قد وعد قبل إطلاق القناة بيوم في تغريدة له على موقع تويتر أن «العرب لن تحظر أحدًا …. البغدادي والإخوان وعلي سلمان».

قصة العرب

بدأت الاستعدادات لإطلاق القناة قبل ما يقارب الأربع سنوات، حيث كان يُتوقع من القناة أن توسّع طيف وجهات النظر بالتوجه إلى أكثر من 80 مليون من مشاهدي الأخبار العربية.

استثمر الشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين بشكل كبير في القناة، ربما أملاً في حضور بحريني على الخارطة الإعلامية العربية المتنامية. ولعل البحرين وجدت التوقيت ملائماً لتستضيف قناة إخبارية تتوجه إلى العالم العربي عامةً لتسير بذلك على خطى قطر مع الجزيرة والعربي (الذي انطلق في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني 2015) والسعودية ودبي مع قناة العربية، وأبوظبي مع قناة سكاي نيوز العربية.

لقد قدمت البحرين كل التسهيلات لقناة العرب، هذا بالإضافة إلى دعمها لشبكة تلفزيون روتانا، والتي تعود ملكيتها أيضا للأمير الوليد بن طلال، وبلغت قيمة الدعم العشر ملايين دولار من المساعدات العينية.

قناة العرب والسلطات البحرينية

ما كان لهذه القناة أن تنجح دون أن تحاول زيادة مستوى الحريات مع الحصول على ضمانات من مضيفيها البحرينيين، إذ كانت التقديرات تشير للبحرين بوصفها المكان الأنسب لقناة إخبارية تستهدف الجماهير السعودية والخليجية في سوق إعلامي مكتظٍّ سلفًا.

الأمير الوليد وقف وراء القناة بكل ثقله، حيث قال في أكثر من مناسبة أن قناة «العرب» تتمتع بالحرية لنقل الأخبار، وأنه على من ينتقد القناة أن يتوجه إليه شخصيًا بالنقد والسؤال.

منذ الإعداد للانطلاق تمتّعت القناة بجانب تكنولوجي متقدم إذ احتوت استوديوهاتها على مرافق ومعدات على أعلى مستوى، كما أنها تضم فريقًا ضخمًا من المحررين والمراسلين المؤهلين.

المشهد العام

الأمير الوليد جلب إلى مملكة البحرين استثمارات أخرى غير قناة العرب، منها فندق الـ «فور سيزنز» وشبكة روتانا وغيرها، مفضلاً البحرين على خيارات أخرى منها ومصر والأردن ودبي. فقد كانت البحرين الأقرب إلى قلبه وإلى بلده السعودية التي قد تكون المكان الذي تتراكم فيه المشاكل التي أدت إلى اغلاق القناة.

بالإضافة إلى مقابلة القيادي الشيعي التي أجرتها العرب، فقد يكون للتغييرات الإقليمية الواسعة دورٌ أيضًا في إيقاف البث، خاصةً ما جرى من تغييرات كبيرة في نظام الحكم السعودي

بالإضافة إلى مقابلة القيادي الشيعي التي أجرتها العرب، فقد يكون للتغييرات الإقليمية الواسعة دورٌ أيضاً في إيقاف البث،خاصةً ما جرى من تغييرات كبيرة في نظام الحكم السعودي، إذ يُعتبر الأمير الوليد ووالده جريئين ومثيرين للجدل ضمن النظام السعودي.

هذا يرجح أن تكون المصالح قد تبدلت لدى الجانبين فيما يتعلق بدور القناة وموقعها.

الوقت سيكشف إن كان إغلاق قناة العرب سيؤدي إلى المزيد من الرقابة الذاتية في القنوات الإخبارية العربية، فهذه القصة قد أسهمت في تعرية القيود الحالية المفروضة على قنوات اخرى.

البعض تساءل على تويتر عن موطن «الخطأ» في «العرب»، وإن كان في المكان الخاطئ؛ أو ان المحطة اتت في التوقيت الخاطئ خاصة في ظل التغيرات السياسية في المنطقة، أو أن الخطأ في نوع الوسيلة الإعلامية لأن الاستثمار في تأسيس المنصات الإعلامية بات يحصل على الإنترنت مؤخرًا، وهي الوسيلة التي وإن عانت من تقييد الحريات، إلا أنها تتيح مجالاً أكبر للعمل الإعلامي الجريء والأبعد عن التدخل المباشر والمكثف، اضافة الى كونها المجال الجديد لمصادر الأخبار والجمهور.

طريق الخروج من عنق الزجاجة

هنالك سيناريوهات قليلة مقترحة للحلقة الثانية من قصة قناة «العرب» القصيرة؛ السيناريو الأول هو «كان هنالك قناة هنا» وسيكون هذا مؤذيًا لكل الأطراف وبالأخص للبحرين، ولا بد أن يكون لهذا السيناريو آثاره العكسية.

سلوك هذا المسلك سيؤثر بشكل بليغ على سمعة البحرين، كما سيكون له أثره على الجهود الدبلوماسية البحرينية ووضعها دوليًا، كما أن هذا سيشكّل خسارة ضخمة، وتبديداً بالغاً للاستثمار، وسيؤدي على المدى الطويل إلى لعبة يخرج منها الجميع خاسرون سواء كان الإعلام العربي أو الأنظمة العربية، خاصة مع تقدّم المنافسين الدوليين مثل بي بي سي العربية وفرنسا 24 وروسيا اليوم وغيرها.

السيناريو الثاني هو «العودة المشلولة»، وهذا سيتم بعد إجراء تعديلات على مستوى الفريق التحريري الأعلى إذ ستوظف القناة أو ترفّع أعضاء تكنوقراطيين للفريق التحريري بعد إدراك شروط اللعبة الجديدة، وقد نشهد تخفيفاً لوتيرة التغطية في القناة بشكل تدريجي أو مفاجئ تقبل معه القناة بموقع أكثر تواضعاً في المشهد الإعلامي العربي. هذا السيناريو يتطلب تشكيلة جديدة من البرامج الترفيهية والقصص الإخبارية التي تركز على الجانب الإنساني بعيداً عن القضايا السياسية والاجتماعية الحقيقية ويزيد من نسبة أخبار العلاقات العامة (الترويجية).

السيناريو الثالث هو نقل القناة إلى بلد أخرى بعيداً عن الضغط السياسي المباشر والعقوبات، ولندن هي واحدة من الخيارات المعقولة، إذ أن المدينة شهدت مؤخراً إطلاق بضعة مشاريع إعلامية قطرية منها جريدة العربي الجديد، وقناة العربي، وهفنغتون بوست العربية التي ستنطلق قريباً، بالإضافة إلى قناة الغد العربي وجريدة رأي اليوم.

جريدة “أخبار الخليج” اليومية البحرينية 

أغلب ما تم تداوله حتى الآن عن إيقاف قناة العرب ورد منقولاً عن خبر ومقالة رأي نشرتا في يوم  إيقاف القناة في جريدة أخبار الخليج والتي تعد مقربة من النظام البحريني.

عادة ما تهاجم وسائل الإعلام العربية المحلية وسائل الإعلام الإقليمية بما فيها الجزيرة والعربية، نظراً إلى أن هذه الوسائل المحلية في كل من قطر والسعودية تحاول أن تقيّم القنوات الإقليمية بمعاييرها

عادة ما تهاجم وسائل الإعلام العربية المحلية وسائل الإعلام الإقليمية بما فيها الجزيرة والعربية، نظراً إلى أن هذه الوسائل المحلية في كل من قطر والسعودية تحاول أن تقيّم القنوات الإقليمية بمعاييرها، بالتالي فإن الوسائل المحلية لا يمكنها أن تتنافس مع مدى الجودة والاستثمار وقدرات طواقم التحرير أو مستوى الحريات الذي تتمتع به القنوات العربية الإقليمية.

ولقد أثير موضوع إضفاء الصبغة الوطنية على هذه القنوات في الصحافة في تلك البلدان بشكل متكرر، باعتبارها مواضيع ذات أهمية وطنية (أي «سعودة» العربية، و«قطرنة» الجزيرة)، بالتالي يمكن فهم هجوم «أخبار الخليج» البحرينية في هذا السياق، بالإضافة إلى العادة الشائعة بين الكثير من المطبوعات العربية التي تعمل كوسيط يرسل رسائل غير مباشرة بالنيابة عن النظام أو لإعداد الرأي العام وحشده وراء النظام، أو لتجييش الرأي العام ضد منصة إعلامية أو شخصية عامة.

في المحصلة، ينبغي على وسائل الإعلام المحلية أن تدرك أن المعايير الإعلامية التي تنطبق عليها في بلدانها لا تنطبق على وسائل الإعلام العربية الإقليمية، فمستوى الحريات في هذه الوسائل تم التفاوض عليه ووضع معاييره في البلد الذي استضاف هذه المحطات في البداية.  وقنوات MBC  على سبيل المثال تم تأسيسها في لندن، وART  تم تأسيسها في روما بعيداً عن التدخل المباشر من أي حكومة عربية.

إن موقع قناة الجزيرة ودورها، والوضع الممنوح للإعلام عن طريق الاستثمار في دبي وغيرها من البلدان العربية ساهم في إيجاد مدى من حرية الإعلام الواضحة، ولكنها هشة في نفس الوقت.

هذه القنوات تعمل بشكل رئيسي كأدوات دبلوماسية لتحسين صورة ووضع الدول المضيفة لها على المستوى الدولي، خاصة في الوقت الذي انحسرت فيه الأمواج السياسية في المنطقة وبدت معه الحاجة الملحة لحرية الإعلام كمطلب ضروري من متطلبات المرحلة.

_________

د.عبير النجار أكاديمية وباحثة مختصة في الصحافة والدراسات الإعلامية. عميدة سابقة لمعهد الإعلام الأردني في عمان. د.النجار عضو في المجموعة الاستشارية للخبراء العاملين على «الاتجاهات العالمية لوضع حرية التعبير وتطوير الإعلام» في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. نشرت د. النجار الكثير من الدراسات وفصول كتب حول الإعلام العربي ومن بينها: «الوطنية والشعبية في الأخبار: الخيارات الصعبة التي تواجه الصحفيين العرب».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية