أسبوع الفيلم الإيراني: فرصة لم يتم استغلالها

الثلاثاء 17 شباط 2015
iran-cinema-film-week

لحسن الحظ، باتت عروض الأفلام وافرة في عمّان في السنوات الأخيرة، لكن ما ينتظره كثيرون هو عروض الأفلام الأجنبية التي يندر أن نجدها في الأردن خارج المهرجانات، مثل الأفلام الإيرانية، التي قدمت الهيئة الملكية للأفلام مجموعة منها في النسخة الثانية من أسبوع الفيلم الإيراني.

لكن هذا الأسبوع كان مخيبًا للآمال، وليس مقارنة بالسينما الإيرانية عامةً، إنما مقارنة بما قدمته الهيئة الملكية للأفلام العام الماضي. كانت جميع العروض حول الدراما الاجتماعية التي تشتهر بها إيران، ولكن لم نرَ فعليًا ذلك خصائص الحس الإنساني العالي والاهتمام البالغ بالتفاصيل والتصوير السينمائي البديع التي تميز السينما الإيرانية. بل لعل طغيان الكوميديا على الأفلام المعروضة خفف من ضجر بعض الحضور.

«محطة الشمس»

بدأ الأسبوع بفيلم للمخرج سامان سالور، «محطة الشمس» المنتج عام 2014. تناول الفيلم قصة حسن الذي يعيش في مقصورة مهجورة يمتلكها قادر، وهو رجل عجوز يخفي قصة تتعلق بماضيه. يصادق حسن أصغر وهو بائع متجول على متن قطار كثيرًا ما يزور حسن ليقضي الليل برفقته.

يرينا الفيلم الحياة الروتينية التي يعيشها حسن، الذي ربما يكون أكثر أهالي المنطقة حظًا بعد انهيار الجسر الذي يربط ضفتي النهر، يرى حسن في ذلك فرصة عمل جيدة فيصبح عمله نقل الناس من الضفة للأخرى عن طريق عربة معلّقة.

اختلاف أسباب العبور للجهة الأخرى يعبّر عن كم الاختلاف في ذلك المجتمع الصغير، علمًا بأن حسن لا ينقل الناس فحسب، إنما يقيّم الأسباب والإمكانيات ليرى إن كانت كافية ومقنعة له ليقوم بالنقل. وما إن يصل إنذار لصاحب المقصورة بإخلائها حتى تبدأ قصص دفينة بالظهور. يسير الفيلم بوتيرة بطيئة بالرغم من الأحداث الدرامية الكثيرة، ويطغى على الفيلم لقطات بعيدة لا تخوض في التفاصيل كثيرًا.

«بضعة كيلوغرامات من التمر لمراسم جنازة»

الفيلم الثاني كان «بضعة كيلوغرامات من التمر لمراسم جنازة» وهو للمخرج سامان سالور كذلك، لكن هذا الفيلم من إنتاج عام 2006. يتحدث الفيلم عن «سادري» و «يادي» اللذان يعملان معًا في محطة وقود نائية يكاد لا يصلها بشر، وبالرغم أن حياتهم تخلو من أي إثارة إلا أن الاثنين استطاعا أن يجدا الحب ويحاولون التعلق به قدر المستطاع، فيصور الفيلم الحب كأنه القشة الأخيرة التي تعلق المحبين بالحياة التي يعيشونها.

وجود الحب والقصص المثيرة فعلًا داخل الفيلم لم يمنع بعض المشاهدين من التعبير عن مللهم أثناء الفيلم، وكأن قصة الفيلم فعلًا مثيرة للاهتمام ولكن لم يكن سردها جذابًا بما فيه الكفاية.

رغم أن الفرق بين انتاج الفيلمين كان 8 سنوات إلا أن الفيلمين متشابهان في الشخصيات والكآبة الطاغية عليها. ألوان في الفيلم الأول ساعدت على إشباع الصورة، لكن في الفيلم الثاني، وهو الأقدم، كان المخرج مصرًا على إظهار الكآبة في كل تفصيل. فلم يكن الفيلم أكثر بطءًا فحسب، بل خلا من الألوان تمامًا حيث اختار المخرج الأبيض والأسود، بل درجات الرمادي لانخفاض التباين في ألوان الفيلم.

«ثلج»

في اليوم الثالث، لم يحالف الحظ أسبوع الأفلام نظرًا لعطل فني في مسرح الرينبو أدى لإلغاء أحد الأفلام، ليتم عرض الفيلم ذاته في اليوم الرابع ويحذف بذلك الفيلم الأخير، لكن الفيلم الثالث كان دون شك أفضل أيام الفيلم الإيراني.

فيلم «ثلج»، من إخراج مهدي رحماني وإنتاج عام 2014، هو دراما اجتماعية تروي قصة عائلة من الطبقة الوسطى تحاول أن تتمسك بما بقي لها من مكانة اجتماعية. يعود الابن الأصغر في إلى البيت في إجازة من الخدمة العسكرية، ليجد عائلته في أوضاع متدهورة ومفاجآت جديدة، يتابع التطورات الحاصلة على العائلة ليكتشف أنه ربما لم يعد ينتمي لهذا المكان.

في تصوير مميز ولقطات مثيرة، يعرض الفيلم الأحداث بطريقة ساخرة، كحالات الهلع التي تحصل كل ما رن جرس الباب تجعلك في كل مرة تحبس أنفاسك لتعرف من على الباب. انعزال الأخ الأكبر، محاولات الجدة لتهدئة الأجواء، وقلق الأم المستمر وغيرها من التفاصيل الصغيرة تجعلك تندمج بتجربة هذه العائلة.

«السجادة الحمراء»

في آخر أيام أسبوع الأفلام الإيراني تم عرض فيلم «السجادة الحمراء»، الذي كان مقررًا عرضه في اليوم قبل الأخير، وهو للمخرج رضا عطاران، ومن إنتاج عام 2014 مثل أغلبية الأفلام المختارة للأسبوع.

يروي الفيلم قصة ممثل إيراني مهووس بالمخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ ويطمح لإيصال نص فيلم عن إيران ليقوم سبيلبيرغ بإخراجه. في مسعاه للوصول لسبيلبيرغ يقرر حضور مهرجان كان السينمائي الذي يصادف أن سبيلبيرغ حكم فيه. يستخدم مدخراته كاملة للحصول على تأشيرة للذهاب لفرنسا وتذكرة السفر والإقامة إضافة لبضع الهدايا التذكارية التي يشتريها من إيران ليقدمها لسبيلبيرغ في كان. يصادق أحد الأشخاص عشوائيًا ولكنه يكتشف أن الاطمئنان لشخص غريب لم يكن أفضل خيار في حياته.

لا نرى شخصية عميقة في هذا الفيلم، فالمخرج يصورها على أنها شخص ساذج لا يوجد لديه تناقضات أو أبعاد متعددة بالرغم من تصويره على أنه شخص لديه أهمية اجتماعية في حيه البسيط في إيران. ويواجه البطل صعوبات في الوصول للمهرجان لكننا لا نرى فعلًا إن كان نادمًا على رحلته أم لا، فربما ما تعلمه في طريق الوصول لحلمه كان يحمل معنى أعمق أثّر في شخصية البطل، لكننا لم نستطع أن نرى ذلك.

تشبع الفيلم بالسينما العالمية لم يكن فقط في تمثيل الشخصية الرئيسة، فحتى لقطات الفيلم تنوعت بالأحجام وكانت سريعة نسبيًا وهذا ما لا نراه في كثير من الأفلام الإيرانية. الفيلم كوميدي مليء بالنكات حول شخصية البطل والمواقف الطريفة التي يتعرض لها، وكان جمهوره العمّاني في الغالب مستمتعًا أثناء المشاهدة والضحكات ملأت المسرح.

مشاكل تقنية

جميع عروض الأفلام كانت في سينما ومسرح الرينبو، المهتم بعرض الفنون البديلة حصرًا. بطبيعة الحال، الأخطاء التنظيمية تقع لكن تكرارها وحجمها هو ما يثير التساؤل. فنوعية صورة العروض لم تكن بتلك الجودة، وموظفو السينما غابوا عن مرافقها أثناء العروض، لكن أبرز المشاكل كان الخلل في آلة العرض (projector) الذي أدى إلغاء أحد أيام الأسبوع وتأخير باقي العروض يومًا واحدًا ليتم حذف الفيلم الأخير الذي كان مقررًا في برنامج الأسبوع، «من أجل بونة».

لا ندري ما حصل خلف الكواليس ليؤدي إلى مشكلة من هذا النوع، لكنها لم تكن المشكلة الوحيدة، فقد ظهرت مشاكل صغيرة في عرض كل يوم، مثل انقطاع الفيلم لبضع ثوان بشكل متكرر وخلل في الصوت. قد تكون إدارة السينما بصدد إصلاح المشاكل في اللحظة، لكن ربما على الهيئة الملكية للأفلام أن تكون أكثر حزمًا في ما يتعلق بجودة العرض لأن هذا لن يكون التعاون الأخير بين مسرح الرينبو والهيئة.

خصوصية سينمائية مفقودة

منذ فترة جيدة من الوقت أصبحت الأفلام الإيرانية تجذب العديد من المهرجانات العالمية، وكأن خصوصية المجتمع الإيراني والقمع الممارس عليه أوصله لحالة إبداع فريدة تلهم السينما حول العالم. كنا نود أن نرى في أسبوع الفيلم الإيراني في عمان تجارب سينمائية ترينا بالفعل كيف هي الحياة هناك. القوانين والأنظمة الإيرانية لا تسمح بإنتاج أفلام تنتقد الواقع صراحةً، ما دفع باتجاه تطور نمط سينمائي إيراني يعتمد البساطة والواقعية الشديدة دون المبالغة لنقل المعاناة الإنسانية. لكننا لم نتمكن من رؤية هذا الواقع للأسف في أسبوع الفيلم الإيراني.

من المؤكد أن أربعة أو خمسة أفلام فقط لكن تستطيع اختصار السينما في بلد ما، لكن الأفلام الروائية التي اختيرت بالتأكيد لم تكن أفضل عينة من السينما الإيرانية الحافلة بالأعمال المميزة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية