التحقيق مع رسام كاريكاتير: دفاع عن حرية الرأي في باريس وتجفيف لحبرها في فلسطين

الثلاثاء 03 شباط 2015
abbas-paris-sbaaneh

بعد أقل من شهر على مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المسيرة الجمهورية التي أقيمت تنديدًا بالهجوم على صحيفة تشارلي أبدو الفرنسية في باريس وإعلانًا لحق حرية التعبير عن الرأي، يطالب عباس اليوم بفتح تحقيق مع رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة وصحيفة الحياة الجديدة، بعد نشر الصحيفة كاريكاتيرًا لسباعنة يُظهر رجلاً يقف على الكرة الأرضية ويحمل حقيبة على شكل قلب وينثر بيديه النور، وكتب بجانبه «سيدنا محمد».

الرئيس الفلسطيني كان صرح بضرورة «اتخاذ إجراءات رادعة بحق المتسبب بهذا الخطأ الفادح»، وطالب بـ«احترام الرموز الدينية المقدسة وفي مقدمتها أشخاص الأنبياء والمرسلين».

«الحياة الجديدة» سارعت إلى نشربيان تعتذر فيه لقرائها، موضحةً أنه لا يوجد أية تقريب بين «الكاريكاتير» الذي نشرته في عددها يوم الأحد الماضي وبين تجسيد صور الأنبياء والرسل، وأنها شكلت لجنة للتحقق من الرسم المنشور الذي وقع في «شبهة التفسير»، دون التنازل عن موقفها بأن «مقاصد الكاريكاتير لحظة النشر كانت تهدف إلى الدفاع عن الأديان ورسالة المحبة والسلام».

بعد بيانها الأول، سارعت الصحيفة إلى نشر بيان ثانٍ تؤكد فيه «إيقاف المسؤولين عن هذا العمل مؤقتًا عن ممارسة عملهم»، مشيرة إلى أن إدارة الصحيفة أجرت تحقيقًا داخليًا في موضوع الرسم الكاريكاتيري، ورفعت نتائجه إلى الجهات التي كلفها الرئيس محمود عباس لمتابعة الموضوع.

حين تطالب السلطات الفلسطينية بفتح تحقيق حول رسم كاريكاتير، فإنها تُقر بتقييدها الحريات التي كانت تدافع عنها قبل شهر واحد في فرنسا.

يأخذنا ما حصل مع سباعنة إلى التفكير في حال فن الكاريكاتير في العالم العربي، الذي ما يزال حتى اليوم مقيدًا وممنوعًا من التنفس، إذ أنه يبقى حرًا ما لم يقترب من «مثلث التابو»: الدين والنظام الحاكم والجنس.

سباعنة كان قد تعرض للاعتقال من قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2013 عقب عودته من الأردن عبر جسر الكرامة إلى فلسطين، وحكمت عليه بالسجن خمسة أشهر إضافة إلى غرامة مالية قدرها 10 آلاف شيكل، وذلك بتهمة الاتصال مع جهات معادية.

فإذا كان الفن رافعةٌ وطنية، وإذا كانت السلطة الفلسطينية تقدم نفسها كداعم للفن والإبداع، تحترم فنانيها، خاصة إذا كان إنتاجهم يصب في مصلحة القضية الفلسطينية، فكيف لهذة السلطة أن تجرّم أحد فنانيها على عمل فني كانت رسالته واضحة بإنسانيتها؟

حين تطالب السلطات الفلسطينية بفتح تحقيق حول رسم كاريكاتير، فإنها أولًا إنما تُقر بتقييدها الحريات التي كانت تدافع عنها قبل شهر واحد في فرنسا، وثانيًا تلغي دورها كشريك في المشروع الثقافي الوطني الفلسطيني.

في أول تعقيب لسباعنة على ما حدث، كتب سباعنة على صفحته على الفيسبوك: «بداية كان التمثيل بهالة نور على شكل إنسان تمثل النور والمحبة التي أضفاها سيدنا محمد على الأرض عامة، ولم يكن المقصود تمثيل سيدنا محمد عليه الصلاة والتسليم، فالشخص لا يحمل ملامح أو تفاصيل ولا حتى الشكل المفروض لسيدنا محمد فلم يلبس عباءته أو تفاصيله. وبرمزية الإسلام ودوره في نشر النور والحب على البشرية أجمعين. آمنت ومنذ بداية الهجمة على سيدنا محمد وعلى الإسلام أن دورنا يتجاوز قضية الرد الهجوم بهجوم وإنما يتجاوز وضع الدفاع بنقل رسالة الإسلام ورساله نبيه».

الشاعر الفلسطيني فارس سباعنة تضامن على صفحته على فيسبوك مع الرسام قائلًا: «لستُ خائفاً على محمد سباعنة اليوم، ما يشغلني منذ بداية الحادثة حتّى الآن هو خوفي على «الفن»، بعدما وضع سؤاله إلى هذه الزاوية المظلمة، فلمن نرسم؟ ومع من يتكلّم الفنّ؟ يرعبني صغر قاعدة المفاهيم التي تقف عليها شريحة واسعة من العقول البشرية في 2015، فهل على الفنان أن ينتهك قيمة فنّه بواسطة «كتالوج» مرافق يشرح فيه فلسفته وقصده؟».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية