الأوبريت الغنائي: متاجرة مبتذلة بالشعارات الوطنية على حساب الفن

الثلاثاء 31 آذار 2015
arab-operattas

ما تلبث أن تحدث مأساة عربية حتى يخرج علينا فنانون عرب «بأوبريت غنائي» جديد، حتى بات الأمر مبتذلًا ولا يلقى رواجًا لدى الجمهور العربي.

اصطلاحًا، فالأوبريت مسرحيّة غنائيّة قصيرة تشتمل عادة على حبكة عاطفيّة نهايتها سعيدة، كما تحتوي على مواقف من الحوار الملفوظ والرَّقص التعبيريّ أو الاستعراضيّ.

ولعل أشهر أوبريت في تاريخ الفنون العربية المعاصرة هو «أوبريت الليلة الكبيرة» الذي تم إبداعه مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ويُعد بحق أشهر ما قدم مسرح العرائس في مصر. ويصف الأوبريت المولد الشعبي بشكل ممتع من خلال شخصيات كوميدية غنائية. من تأليف الشاعر الراحل صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي وإخراج مسرحي صلاح السقا وإخراج تلفزيوني محمود بيومي.

ما نشهده حديثًا لا يقترب من مكونات الأوبريت كفنٍ له قواعد وأسس، بل يبدو وكأنه إما هبّةٌ لمشاعر «عروبية» متدفقة، أو وسيلة سهلة للاحتفالات القومية والمشاعر الوطنية المبالغ فيها، أو وسيلة للربح السريع والتجارة على حساب المعاني التي يحملها الأوبريت، فكيف تحوّل الأوبريت عن خصائصه الحقيقية، إلى مجرد أغانٍ يتباكى فيها عددٌ من الفنانين، أو يتحامون لأوطانهم وقائديهم؟ وكيف أصبح الأوبريت مجرد فنًا مبتذلًا يتاجر بالشعارات على حساب القيمة الفنية، وهو بالأساس عملٌ ملحميٌ قائم على دمج المسرح بالغناء بالكوميديا؟

قبل أيام أطلق مجموعة من الفنانين أوبريت جديد باسم «أنا اليمن»، «دعمًا للشرعية ورفضًا لانقلاب الحوثيين» فيها، والأوبريت من غناء كل من المطرب هاني شاكر وغادة رجب ونادية مصطفى، وتزامن انطلاق الأوبريت مع بدء عمليات عاصفة الحزم التي يقودها التحالف العربي.

الأوبريت من حيث التنفيذ والإنتاج ليس جديدًا، بل أنتجه رجل الأعمال اليمني عبد الله علي السنيدار منذ أكثر من شهر «حزنًا على التوغل الحوثي في اليمن»، وكباقي الأوبريتات التي سبقته، نهج هذا الأوبريت على اجترار المشاهد الدرامية المكررة، والتي باتت في ذهن المتلقي معروفة بأنها مجرد محاولة لجذب انتباه المشاهد بأي طريق وشد تعاطفه.

جثثٌ ملقاةٌ على الأرض، سيارات إسعاف، أمٌ تنوح، وطفلة تصرخ، نيران تتصاعد من كل مكان ومشاهد الدمار في كل مكان. ويتباكى مع هذه المشاهد وجه هاني شاكر المغرق في الحزن المستفز، وغادة رجب التي تغالي في تصنع حالة الحزن، ونادية مصطفى وأركان فؤاد المنسيين من خارطة الغناء العربي، ولم يشارك فيه صوتٌ يمني واحدٌ!

أوبريت «أنا اليمن» ليس الأول، وبالتأكيد لن يكون الأخير، فكلنا يتذكر أوبريت «الحلم العربي» لملحن المصري حلمي بكر الذي انطلق في العام 1998 واشترك فيه عدد من المغنيين العرب تعبيرًا عن طموح الشعوب العربية في الوحدة، والمضحك في الأوبريت أنه على الرغم من أن مضمونه ينادي بالوحدة العربية، واشترك فيه فنانون من دول عربية مختلفة، إلا أنه تم استثناء العراق من الأوبريت وأشيع وقتها أنه كان بسبب رفض الفنان الكويتي نبيل شعيل مشاركة العراق فيه.

الجزء الثاني من أوبريت «الحلم العربي» كان «الضمير العربي»، وشارك فيه أكثر مئة فنان وفنانة عرب من مغنين وممثلين وغيرهم، و تم بثه للمرة الأولى في العام2008 ، وبنفس الأسلوب المتباكي يغني الفنانون «ماتت قلوب الناس، ماتت بنا النخوة، يمكن نسينا في يوم أن العرب إخوة»، بعضهم يذرفون الدموع، ومشاهد دمار وقتل تتكرر، ولحن تقليدي لا إبداع فيه، أما الكلمات فمجرد رصف لعواطف جياشة، تبدو مع مرور الوقت مبتذلة وساذجة. وفي العام 2000 وبعد حادثة مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة، عبر فنانون عرب عن غضبهم وحزنهم من خلال الأوبريتات أيضًا، فغنوا «القدس حترجع لنا» والتي شارك فيها العديد من الفنانين، كهدى سلطان وفاروق الفيشاوي ويسرا ومحمود ياسين ونادية لطفي وأحمد حلمي وكريم عبد العزيز وأحمد السقا وهاني سلامة، بالإضافة إلى فنانين أخرين.

مؤخرًا، انتقد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أوبريت «مصر قريبة»، الذي جاء ضمن حملة ترويجية لدعم السياحة والترويج في مصر. الأوبريت اعتمد على فكرة وصول مواطن خليجي لمصر، والترحيب الذي يلقاه من المصري محمد منير، ويقوم فنان مصري بدور النوعيات التي من المحتمل أن يقابلٍها المواطن الخليجي، فيقوم لطفي لبيب بدور سائقه المصري، ويقوم صلاح عبد الله بدور البائع الذي يحاول عرض بضاعته عليه، وتستقبله أخرى بابتسامة واسعة، فيما تقدم الممثلة غادة عادل الورد للضيف الخليجي مع نظرة غير بريئة، بينما يظهر الضيف في الكليب رافعًا رأسه طيلة الوقت، بينما ظهر المصريون في صورة سائقين أو قهوجية أو شحادين.

ربما الإجابة عن سؤال تحوّل الأوبريت عن خصائصه الحقيقية يعود إلى سببين، إما إلى تحقيق ربحٍ مادي سريع على حساب قضية وطنية وتحويلها إلى سلعة تجارية مبتذلة، أو إلى تسويق فكرة سياسية ما وترسيخها لدى الناس من خلال فنانين مشهورين ومحبوبين لدى الأغلبية.

ويكفي أن نكتب كلمة «أوبريت» في موقع يوتيوب لنتفاجأ بالكم الهائل من المواضيع السياسية والوطنية والطائفية التي تم إنتاج أغانٍ خاص عنها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية