Opinion | رأي

مشكلة اللاجئ الكادّ في العمل

الإثنين 30 آذار 2015

(نشر هذا المقال بالانجليزية في مجلة شيتشيرو Cicero Magazine بتاريخ ٢٢ آذار ٢٠١٥)

بقلم ماثيو ستيفنز، ترجمة تقوى مساعدة

حمل مصطلح «لاجئ» تحيزاً لغوياً منذ أيام الحرب العالمية الثانية، حيث التصقت به معانٍ كــ «عديم الحيلة»، و«البليد»، و«الضعيف المحتاج»، ومن هم بحاجة إلى الإغاثة الدولية.

وما تزال هذه المشاعر حية وحاضرة في سياق أزمة اللجوء السوري، فالخطاب الرسمي وصف «اللاجئين» مراراً بأنهم عبء، أما الخطاب غير الرسمي فيصفهم بأوصاف أسوأ من هذا بكثير.

لكن هذا الخطاب ليس دقيقاً تماماً.

رفاع قال لي «ما كنت لأغادر، فحياتي في دمشق كانت جيدة. لقد غادرت فقط عندما انقطع الدواء. أنا محتاج لأن أعيش».

رفاع سوريّ وما تزال عائلته تعيش في دمشق، وقد تعرض المستشفى الذي يحتوي المخزون الاحتياطي من دوائه للقصف، فغادر حينها متردداً إلى الأردن، حيث كانت الرعاية الصحية –وحتى وقت قريب- متوفرة للسوريين، ويضيف رفاع «أحياناً أفكر بأنه ينبغي علي أن أعود».

رفاع يعمل هنا في الأردن، وكان يشتري دواءه بنفسه لمدة ثلاثة أشهر بينما يتم النظر في طلبه، وعاد الآن لشراء الأدوية بنفسه نظراً لإلغاء التأمين الصحي للسوريين.

وبينما يُمنع السوريون من العمل بشكل قانوني في الأردن، فإن هنالك استثناءً يمكنهم من العمل بعقود مؤقتة مع المنظمات الدولية، وقد أّمّن رفاع عقداً مماثلاً.

ومع أنهم يعتبرون «متطوعين» إلا أن رواتبهم قد تفوق الرواتب المحلية، ورغم أن العقود مؤقتة تمتدّ لثلاثة أو ستة أشهر، فإن السوريين ينتقلون من منظمة إلى أخرى عبر شبكة زخمة من العلاقات والصلات المهنية.

من يتسنى لهم الحصول على مثل هذه الوظائف يمثلون الأقلية، وعادةً ما ينتمون إلى الطبقة العليا، ولديهم معرفة سابقة بعالم العمل المكتبي، ويتقنون اللغة الانجليزية واستخدام الحاسوب.

مع ذلك فإن اللاجئين السوريين بشكل عام بدأوا يُعرفون بأنهم جادون في العمل وواسعو الحيلة، إلى الحد الذي يثير- في بعض الأحيان- سخط مضيفيهم الأردنيين.

أحد أصدقائي الأردنيين قال «إنهم مبدعون جداً، ويعملون بجدّ، سيتركون الأردنيين من غير وظائف».

حدثتني امرأتان تسكنان في قرية قرب إربد أنهما صادقتا امرأة أردنية وجمعن ما معهن لتأسيس مشروع لإعداد الأغذية، حيث يقمن بفرم الثوم والخضراوات ويبعنها، وأكثر ما يحقق لهن الربح هو بيع مرطبانات المكدوس التقليدية، ونظراً إلى أن المكدوس يعدّ من الكماليات العزيزة على السوريين والأردنيين على حد سواء فإن المشروع يزدهر.

عائلة أخرى تقوم بجمع الخبز الذي يلقيه الناس، ويطحنونه ويبيعونه للمزارعين الأردنيين كعلف لمواشيهم.

حدثتني إحدى عاملات الإغاثة عن مجموعة نساء يغنين في أعياد الميلاد والاحتفالات بالمواليد الجدد والأعراس، وسألتني «هل رأيتهن؟ سمعت أنهن صرن مشهورات بفضل موهبتهن».

تبرز قصص النجاح الاستثنائية من بين القصص التي أسمعها عن سوريين يعملون بالحد الأدنى للأجور في محلات الشاورما والملابس، ويقصّ لي شعري حلاق سوري.

بينما كنت أقف في طابور مطعم لأشتري عشائي سألني المحاسب من أين أنا فأجبته، فقال «وأنا من سورية»، ونفس الشيء حدث في المكتبة في نهاية الشارع، ولي صديقة سورية تبيع التذاكر في مدينة ملاهٍ بينما تعمل في وظيفتين إضافيتين، فهي توفر لتدفع أقساطها الجامعية، فالجامعة في سورية كانت مجانية، وأقساط الجامعة في البرنامج الدولي مرتفعة جداً في الأردن، إلا أنها مصرّة على إنهاء دراستها.

من الأوفر حظاً إلى الأقل حظاً هنالك شيء مشترك بين كل هؤلاء الناس: لديهم شغف كبير بأن يبنوا لأنفسهم أي شيء يقدرون عليه.

وليس المقصود هنا أن السوريين لا يعانون في الأردن، فأغلب هذه الوظائف متدنية الأجر ليست رسمية وهي فعلياً مخالفةٌ للقانون، وإن أمسكت بهم السلطات الأردنية فإن العائلات السورية تخسر مباشرة كل ما بنته هنا.

هذا تهديد يومي، فالمعونة الإغاثية لدعم دخل الأسر لم تكن كافية بالأصل، والآن فإن المعونة تكاد تصبح بلا قيمة لتضاؤل التمويل الدولي بسبب لامبالاة المانحين.

إن قدرة السوريين على الاستمرار هي دليل على استفادتهم من كل ما بين أيديهم من المصادر ودليل على قدراتهم.

وبالتالي فمن الواضح أن السوريين ليسوا سلبيين، إنهم ليسوا ضعفاء ولا بليدين، ربما نَصِفهم بأنهم يائسون ومستميتون ولكن السبب الوحيد لذلك هو أن الأنظمة القانونية التي تدير شؤون اللاجئين تدفعهم دفعاً إلى الهوامش.

قد يبدو السوريون في الأردن مغلوباً على أمرهم، وهذا لأنهم يُمنحون فرصاً قليلة جداً لمساعدة أنفسهم.

قد يبدو السوريون في الأردن مغلوباً على أمرهم، وهذا لأنهم يُمنحون فرصاً قليلة جداً لمساعدة أنفسهم، وقد تكون هذه هي الفكرة الأهم: فقد أثبتت أبحاث أجريت مع مجموعات من اللاجئين منذ الثمانينات وبشكل متكرر أن الأفكار النمطية التي  تُلحق باللاجئين هي في الحقيقة ناتجة عن التفرعات القانونية لمفهوم الـ«لاجئ»، وبالرغم من ذلك فإن الإطار القانوني ثابت لا يتغير.

إلا أن النظام الإغاثي لسوء الحظ لا يستفيد من هذه الميزات، بل العكس: حيث يتم العمل على تعليمات جديدة ستدفع السوريين للخروج من سوق العمل، ومن المدن، لتعود بهم إلى المخيمات حيث الخيارات أقل.

وهذا الوضع لن يتغير على الأغلب إن لم يكن هنالك تدخل فعليّ من قِبل مجتمع الإغاثة الدولي.

وفي ظل نسبة بطالة تصل إلى حوالي ٣٠% بين الشباب الأردنيين ممن هم دون سن الخامسة والعشرين، فإن الحكومة الأردنية مترددة جداً في السماح للسوريين بالعمل والمشاركة في الاقتصاد بشكل رسمي.

وهذا الحذر مفهوم، ولكن الاستجابة للأزمة تدخل الآن عامها الخامس، وسيستمر التمويل في التناقص، بالتالي يجب أن يعاد تعريف السوريين كمحركين محتملين للاقتصاد، وألا ينظر إليهم على أنهم عبء قبل فوات الأوان.

لأنه إن لم يُسمح للسوريين أن يساعدوا أنفسهم بطريقةٍ فعالةٍ ما، فإن سنة ٢٠١٥ ستكون سنة التحول، لأن جهودنا ستكون غير كافية بشكل متزايد، وستصبح حياة السوريين أسوأ بكثير، ولن يكون السبب وراء كل هذا أنهم لا يحاولون.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية