الغش في امتحانات التوجيهي: لا تلوموا الواتسآب

الإثنين 22 حزيران 2015
واتساب الاردن توجيهي

كل عام، تشعرنا حالة التأهب التي تفرضها وزارة التربية والتعليم على قاعات تقديم امتحانات التوجيهي وكأننا في حرب شعواء ضد الطلبة المتقدمين لمكافحة ظاهرة الغش. لم تترك الوزارة، منذ ثلاثة سنوات، إجراء «احترازيًا» إلا وطبقته.  بدءًا من تدوير مراقبي قاعات الامتحانات لمنع تسرب الأسئلة، إلى تفتيش الطلبة قبل دخولهم القاعات للتأكد من عدم حملهم لأي أجهزة خلوية أو سماعات لاقطة أو أي وسيلة اتصال أخرى.

آخر هذه الإجراءات كان الاسبوع الماضي، بصدور قرار تعطيل ثلاثة تطبيقات محادثات على الهواتف الذكية  في مناطق المدارس التي يعقد فيها الامتحانات وعددها ٤٨٠ مدرسة خلال وقت الامتحان، هي واتسآب وفايبر وإنستغرام، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات.

تتعامل الوزارة مع الغش وكأنه مرض موسمي، متجاهلةً ارتباطه بالأثر المصيري لامتحان التوجيهي. فبتعطيلها هذه التطبيقات، تحاول الوزارة إخفاء الأعراض دون النظر في مسببات المرض نفسه، معتقدةً أنه يمكن السيطرة على هذه الظاهرة عند تعطيل الأداة التي تتم من خلالها. لنضع الاعتبارات الحقوقية والأخلاقية لهذا القرار جانبًا لفترة، ونحاول تقييم فاعليته. ألا يدرك من أخذ هذا القرار أن عالم الإنترنت يعج بآلاف تطبيقات المحادثة وأن الطالب/ة يستطيع اللجوء إلى بدائل منتشرة مثل Google Hangouts، Facebook Messenger، Snap Chat، Fire Chat وغيرها من التطبيقات التي تظهر على ساحة الهواتف الذكية بشكل يومي؟ في العام الماضي، انتشر فيديو يظهر أساليب الغش من قاعة الامتحان، ومنها ما كان عن طريق مجموعة على الواتسآب، أو عن طريق سماعات لاقطة لاسلكية تتصل بالجهاز الخلوي وإن لم يكن في قاعة الامتحان. من نوى الغش، لن يعجز عن إيجاد التقنيات والتطبيقات الحديثة المناسبة لتحقيق مبتغاه. لذا ليس لن يكون من العملية أو الفعالية في شيء إن قرر أحدهم استخدام تطبيق جديد للغش أن يتم حجبه عن المملكة كاملة في سبيل إخفاء هذه الظاهرة.

لنتخيل سيناريوهات أكثر جدية: جماعات تعتمد على البريد الإلكتروني والفيسبوك في تنظيم سرقات السيارات، هل سيتم استخدام منطق الوزارة في قطع خدمة الإيميل والفيسبوك عن المناطق التي تمت فيها السرقات للحد منها؟ هل نمنع استخدام سكاكين المطابخ في المملكة لوقف ظاهرة القتل؟

نأتي هنا إلى مدى قانونية هذه القرار واختراقه حقوقنا كمواطنين ومستخدمين. كمستخدمين لخدمة الإنترنت، دفعنا ما ترتب علينا من رسوم  لمزودي الخدمة مقابل الاتصال بالشبكة كاملة، غير مجزأة: بكل تطبيقاتها وأدواتها ومواقعها وخدماتها. فلا يحق لمزود الإنترنت أن يمنع عني كمستخدمة تطبيقًا معينًا توفر من خلال نفاذي لهذه الشبكة، فدوره كمقدم خدمة ينحصر في توفير البنية التحتية اللازمة لاتصالي بهذه الشبكة فقط. لا يجب أن يتوسع هذا الدور ليبلغ التحكم بما يمكنني النفاذ إليه من تطبيقات أو مواقع. هذا التحكم يمثل عبثًا بأحد أهم المبادئ التي قامت عليها شبكة الإنترنت والتي شجعت ظهور مواقع أصبحت الآن عالمية مثل ويكيبيديا وفيسبوك، وهو «حيادية الشبكة». يساوي هذا المبدأ بين كل الحزم الإلكترونية المارّة عبر الشبكة دون تمييز أو تفضيل. بحيث تمتنع شركات الاتصال عن أخذ أي موقف متحيز مع أو ضد أي من الحزم التي تمر بها.

دستوريًا، قد يكون هذا القرار نافذًا إن كانت البلاد في حالة أحكام عرفية أو بصدور أمر قضائي، إذ تنص الفقرة ٥ من المادة ١٥ من الدستور الأردني على ما يلي:

يجوز في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ أن يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات ووسائل الإعلام والاتصال رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني.

والمادة ١٨ من الدستور:

تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية لا تخضع للمراقبة أو الاطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون.

لكن مصدر الوزارة المطلع، الذي صرح لجريدة الغد بدوافع القرار، لم يستند إلى أي من ذلك، بل قال إن «الوزارة استندت في طلبها إلى ان الواتساب والفايبر او غيرها هي تطبيقات وليست خدمات اتصالات كالمكالمات الصوتية والإنترنت، وهي الخدمات التي لا تستطيع الهيئة [هيئة تنظيم قطاع الاتصالات] أن تطلب إيقافها بأي حال من الأحوال بحسب القوانين المعمول بها في المملكة ومنها قانون الاتصالات».

يظهر هنا تطويع وزارة التربية والاتصالات لما تعنيه كلمة «خدمات اتصالات».  فكيف تختلف وظائفية خدمة المكالمات الصوتية باستخدام الأبراج عن تلك التي يوفرها تطبيق فايبر أو خدمة المكالمات الجديدة التي أضافها تطبيق واتسآب؟ ففي الوقت التي تختلط فيه المنابر المتوفرة للاتصال والبث ما بين الإنترنت والهاتف وأثير الهواء، من المستحيل رسم حدود لما تعنيه كلمة «خدمات اتصالات» وفقًا التطبيق أو أداة المحادثة التي تمت من خلالها. أما شركات الاتصالات مثل أورانج فتذرعت بأن عليها تنفيذ أوامر هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وهي نفس الذريعة التي استخدمتها عندما حجبت مئات الصفحات في 2013 تطبيقًا لأوامر الهيئة بتنفيذ تعديلات قانون المطبوعات والنشر. هذه المرة ليس لهذه الذريعة أرض صلبة لأن الدستور وقانون الاتصالات يمنعها من ذلك إلا بأمر قضائي. ما يرش ملحًا على الجرح أن الشركة غير ملزمة بتعويضات مستفيدي المملكة التي تم قطع الخدمة عنهم، وفقًا لشروط وأحكام عقد الاستخدام.

لا يمكن تسمية مثل هذه القرارات، التي حمّلت  نسبة كبيرة من مواطني المملكة الساكنين حول الـ٤٨٠ مدرسة نتائج الخلل البنيوي في امتحان التوجيهي، بالاحترازية أو الوقائية لمنع ظاهرة الغش، بل هي قرارات توغلت في انتهاك حقوقنا كمستخدمين للشبكة وعكست فكرًا ضيقًا يتعامل مع الخلل لحظيًا ويعبر عن فهم محدود لبيئة الإنترنت وما تتيحه الشبكة من تطبيقات. وكأن الوزارة تلوم هذه التطبيقات قبل أن تلوم السياسات التعليمية التي جعلت من الطالب يستغل ويبتكر أي طريقة كانت لاجتياز امتحان يرى أنه قد يرفع تلقائيًا من فرصه في عيشٍ، لا كريم، بل أقل تعاسة.

* تنويه: تم تعديل هذا المقال بعد النشر لتوضيح أن المناطق التي حجبت فيها خدمة التطبيقات هي فقط تلك القريبة من المدارس، لا كل مناطق المملكة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية