يا طير يا طاير: أغنيةٌ تاهت من صاحبها

السبت 27 حزيران 2015

سارة القضاة

درج عديدٌ من الفنانين على إعادة توزيع وغناء أغانٍ بأسلوب أو قالبٍ موسيقيٍ مختلف، وفي بعض الأحيان تنتشر الأغنية بقالبها الجديد، وتُعرف باسم الفنان الذي أعاد إنتاجها أكثر من الأغنية بصورتها الأصلية، فيبقى صاحب الأغنية الأصلية مجهولًا إلا لعددٍ بسيطٍ من الناس، أو للبلد الذي خرجت منه الأغنية.

وهذا ما ينطبق على أغنية «يا طير يا طاير» التي لحنها وغناها الفنانان الأردنيان الراحلان جميل العاص وإسماعيل خضر في أواخر الستينيات من القرن الماضي، وأعاد الفنان المصري محمد منير غناءها في الثمانينات بلحن وأداء مختلفين تمامًا.

ففي الأغنية بشكلها الأول نسمع ثراءً باللحن، يعتمد فيها العاص على البنية الموسيقية الكلاسيكية؛ مقدمة ومطلع وكوبليه ثم تسليم، ويُنوّع في المقامات الموسيقية بين الكوبليه والآخر، وكانت مثل هذه الألحان تُعد ثورةً في الصناعة الموسيقية العربية آنذاك.


كما تعتمد الأغنية على تخت شرقي مكتمل في الزخم الآلاتي، إذ ترافقه مجموعة من الكمانات وعودٌ وجيتار وقانون وكونترا باص وكيبورد وناي، إضافة إلى زخم إيقاعي. أما البنية الأساسية للأغنية فعلى مقام الكرد، مما يعطي مجالًا لخضر للتنويع في غناءه بين التطريب وبين الغناء بخفة. لكن العاص لا يكتفي بمقام الكرد وحده، بل يمزج بين مقامات أخرى، فيما يغني خضر بلهجة أردنية دون إثقال.
في هذه القائمة الموسيقية نستعرض هذه الأغنية بأشكال مختلفة مع فنانين مختلفين، ونُسلط الضوء على الفروقات الفنية في توزيع الأغنية مع اختلاف الفنان.

محمد منير في الثمانينات من القرن الماضي قام الفنان محمد منير بإعادة إنتاج هذه الأغنية بلحنٍ جديد وكوبليهات منقوصة، إذ قام بحذف مقطعين كاملين من الأغنية يغني فيهما خضر باللهجة الأردنية الخالصة، ولعل منير وجد الكلمات صعبة على أذن المستمع المصري فاختار حذفها.

وكانت كلمات المقاطع المحذوفة هي: «كل يوم أقول اليوم باكر يطلون، وأعطي للمبشر بوسة من العيون» «بلّغ سلامي يا رايح شرقا، خوفي من عمامي أهون من الفُرقة».

انتشرت الأغنية باللحن الذي ابتكره منير على الرغم من أنه لا يوازي اللحن الأصلي جمالًا. هو لحنٌ أقرب إلى أذن المستمع وأقل طربًا وأكثر إيقاعًا، ولا تنتفي عنه جماليات الموسيقى على الرغم من أنه ينتقص من اللحن الأصلي إذا ما قارنّا بينهما. ويعتمد منير على الجمل الموسيقية السريعة ويقدّم مزيجًا من إيقاع الجاز بالسلم الخماسي.

هاني متواسي الفنان الأردني الشاب هاني متواسي غنى هذه الأغنية بنكهة إسبانية، ليضفي عليها مزيحًا من الإيقاعات الرباعية اللاتينية والإسبانية والفلامنكو والشرقي، واستهل أغنيته بآلة البزق، فيما حافظ على إيقاع الكرد في كافة كوبليهات الأغنية معتمدًا على توزيع ومقاطع منير، وحاذفًا المقاطع التي حذفها منير.

عاصي الحلاني الفنان اللبناني عاصي الحلاني دأب على غناء هذه الأغنية في حفلاته، الحلاني يغنيها محاولًا تقليد اللهجة الأردنية أو الاقتراب منها، كما يحاول الحفاظ على اللحن الأصلي للأغنية، إلا أنه يفشل في ذلك بسبب أدائه، إذ أن محاولات الحلاني المتكررة في تقليد خضر وتقليد اللهجة الأردنية تُفقد اللحن مكوناته، كما أن تسريع اللحن والإيقاع يجعلها صعبة على أذن المستمع. الحلاني يغني مقاطع الأغنية كاملة كما غنّاها خضر ويبتكر عليها مقاطع جديدة من عنده.

منعم عدوان ولعل من أجمل إعادات الإنتاج لهذه الأغنية هو ما قدمه المؤلف الموسيقي المغني الفلسطيني منعم عدوان، إذ يزاوج عدوان بين التجريب والارتجال في هذا التوزيع، فيما يوحي حضور الناي والدف والطار، والفواصل الموسيقية التي يمتد فيها صوت الناي طويلًا، ولا يقطعه سوى تهليلات بروحانيات ما، فتعتقد أن الأغنية تأخذك إلى مساحات صوفية، إلا أنه يعود إلى المزج والارتجال مرة أخرى ويخرجك من المساحات الصوفية. هذا الإنتاج يختلف عن فكرة مجرد إعادة توزيع عملٍ موسيقيٍ قديم، بل هو إنتاج جديدٌ بصورة مختلفة تمامًا، يخرج فيها العمل بروح جديدة.

فؤاد مسعود يحافظ على اللحن الأصلي في هذا التسجيل، لكنه يغني بلهجته العراقية مع الاحتفاظ بالكوبليهات كاملة. صوت مسعود ذو الطبقات الحادة يختصر من مقام الكرد في بعض الجمل الموسيقية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية