من إربيل: التدوين يعيد الحياة لاديب عراقي قديم

الثلاثاء 12 تموز 2011

تحقيق وتصوير: ضياء السراي

بمحض الصدفة وانا اعمل ضمن فريق من المدونيين والصحفيين الذين انخرطوا في دورة تدريبية عن تقنيات التدوين وافاق المستقبل، وبينما كنت اجول مع كامرتي رفيقتي الوحيدة اعجبتني التحف اليدوية المعروضة في محل زجاجي صغير فممرت بذاك الكشك الصغير وتحدثت الى رجل امتزجت في سحنته قسمات عربية كردية تركية، وبصوته الهادر المليء بايقاع القرار تبادلنا الاحاديث لاكتشف انه امير هاشم ..الاديب العراقي الكردي الذي نشر لسنوات طويلة في الوسط الادبي العراق وفي الصحافة العراقية لكنه اختفى على حين غرة ولم تعد الصحف او الدواوين الادبية تذكر اسمه.

كاتب واديب اختفى قبل عشر سنوات وامتنع عن الكتابة او نشر نتاجه الادبي، اليوم يجلس بين التحف المصنوعة يدويا في احد المولات في اربيل كبائع هدايا وتحف وقد تبدو قريبة جدا مع مهنته القديمة وهي عرض الاشعار والقصص، هذا الاديب القديم اقتحم السوق الحديثة وتربع في منتصف المول عارضا اشياءه العتيقة، تحف صنع بعضها بيده والبعض الاخر صنعه محترفون، كلها تشير الى الارث الحضاري العراقي.

استقلالية الصحافة والاعلام
“اعتزلت النشر ولم ولن اعتزل الكتابة الادبية” عبارة اطلقها الشاعر امير هاشم لانه يرى فيها حياته فهو يجلس يوميا ينتظر رزقه من بيع اشيائه المعروضة في محله الصغير، ويفتح دفتره الورقي الصغير ليسجل ما يجول بخاطره وما يرواده من ايحاءات ادبية يترجمها شعرا ونثرا. “الصحافة والاعلام بشكل عام ليست مستقلة”، عبارة اخرى لامير وهو يوجه لي جملته التالية “ان وجدت وسيلة اعلام واحدة مستقلة فاني اوافق على النشر مجددا“، وهو يؤمن بقوة بعدم استقلالية الصحافة والاعلام في العراق وانها ككل مدفوعة الثمن وممولة من الداخل او من الخارج لكن الاغراض واحدة على الاغلب.
يعود امير هاشم الى كتاباته ويرفض ان يعطيني الفرصة لاحصل على قصة انشرها في وسائل الاعلام. تتوالى الزيارات واجدني مشدودا الى ذلك المكان حيث يراقب امير الحركة اليومية للناس في السوق تلك ويترجمها الى قصائد واشعار وقصص …ويشدني اكثر المكان الصغير الذي بالكاد يجد فيه الشاعر مكان ليجلس بين اشياءه تلك التي تناثرت في مربع زجاجي صغير كما تتناثر الافكار والاشعار في راسه واصفا المشهد المحيط به في داخل قفصه الزجاجي.

اديب يمزج بشخصه عروق عدة
خلط امير هاشم عروق عدة في شخصه فهو منحدر من اصول تركية نبيلة وعربية وكردية تزواجت قبل عقود ليكون نتاجها جيل من بين افراده امير هاشم وهو من سكنة القلعة ولايزال منزل جده يتوسط قلعة اربيل، اجبروا على بيعه قبل سنوات لظروف كثيرة. يمر امير يوميا على دار جده يطلق حسرات كثيرة وهو يراقب ارث عائلته في وسط قلعة تاريخية …وحتى اغراض جدته لاتزال فيه لكنها الان ملك للاثار والسياحة. ولايزال يستذكر جدته وجده يجلسان في وسط الدار ايام الاعياد عندما كان صغيرا يركض مع اخوته في الدار يملؤونها بصرخات وضحكات. امير اقتلع من الوسط الادبي كما اقتلع قبلا من دار اجداده، وهو لايرى فرق بين سبب عزلته وابتعاده عن الاعلام والصحافة والنشر، فكل الامور تسير وتحرك سياسيا وهو فضل اعتزال النشر لانه غير مقتنع بحيادية وسائل الاعلام وان قصائد كثيرة نشرها لاسباب ومناسبات ما لكنها حرفت واستخدمت لاغراض سياسية تارة وقومية تارة اخرى بخلاف اهدافه التي كتب من اجلها. مثلا في قصيدة نشرها قبل سنوات انتقد فيها موقف الجامعة العربية من قضية فلسطين، استغلها البعض وحولها الى قضية شاعر كردي ينتقد جامعة عربية! لذلك هو يخشى ان تستغل كتاباته باي شكل من الاشكال.

الشعر والادب يخلدان التاريخ
وفي جولة مع امير هاشم دخلنا احياء قديمة جدا في اربيل تكاد ان تكون في عالم النسيان الا ما خلا اهلها وساكنيها، كانت كلمات اشعار امير هي الشرح السياحي الوافي لكل ما يخص هذه الاحياء فقد وثق تاريخ الاحياء التاريخية في اربيل بقصائد تسرد تواريخ واحداث تلك الاحياء لانه يرى في الشعر خلودا للتاريخ والارث، فكم من احداث مرت عليها الاف السنين لكنها لاتزال موجودة بفضل الشعر والقصص. واليوم يسعى امير الى تأسيس موسوعة شعرية توثق للاحياء الاربيلية القديمة التي تزحف نحوها الحداثة لتزيلها بشكل او باخر، ولن يطمئن امير حتى ينهي موسوعته الشعرية تلك.

امير هاشم وجد التدوين كعالم بعد ان اطلعته عليه، عالم رقمي مثالي تتحق فيه نبوءات افلاطون وسقراط، ودولة العدالة، لكنه عالم بحاجة الى الكثير من الجهود ليكون العالم المثالي وان كان الامر رهن بالمدونين انفسهم … لكنه وافق على ان يكون مدون جديد مبتدئ ينشر نتاجه القديم في العالم الجديد .

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية