إنّ “الـبـَعْـث” لــَـفِـيْ خـُـسْـر

الثلاثاء 02 آب 2011

بقلم ضياء اشتية

للمـُدُن هـَيبتها وهي تنـوح، للمـُدُن سطوتها حين تئنّ بصوتها المبحوح، للمـُدُن أعذارها إنْ تأخـّرت عن نـشرات الأخبار ومواعيد الفرح، للمـُدُن سحرها إذْ تضْطجعُ فـجْراً مـُداعبةً نـُدوبَ المطعونين وما عندهم من قروح، للأسفـلت حقُّ كتمان الوجع المـُلقى فوقه بذاراً من غـَضَب، للسماء المـُخـتـنـقـة بـدخانٍ سمجٍ حُرية الانهمار مطراً أسوداً وحروفاً من تعب، للجدران مَهمّـةُ توثيق رشقات الدّم المـُـتـخـثـر، للشجيرات على الأرصفة أسبابها إنْ سحبت أفـيـاءَها قـَسـْراً من تحت نازفي الحَسرات والأحلام، أمّـا النائمون بصمتٍ دون شخيرٍ ودون لعابٍ ودون وسائد ودون نساء … فلهم نشيدُ الأبدية وسخاء القدر.

على رابيةٍ في الجـُولان، يجلس فتيان سوريـّان محتلان منذ الولادة، اعتادا الحديثَ عن معارك حتميـّةٍ ستقوم بين الخيـْر والشـّر لتحرير الهضبة المـُشرفة على أراضي الأنبياء من سارقيها، يقول أحدهما للآخر وقد أشار بيديه شمالاً وشرقاً: “خلف تلك التلال جيشـُـنا المنشغلُ باقتلاعِ الحناجر وخنـْقِ الياسمين، خلف تلك التلالِ أهـْـلٌ لنا مسَّهـُم دفءُ الرّبيع فارتعشوا دون إذنِ (نيرون) الذي أتـبـعـهُم بجنودِهِ فغشيهم من الرصاص ما غشيهم، هل تمعنـّت بعرباتهم وهي تنتهك شعباً من “المـُندسين”؟ هل أصغيتَ للجنازير وهي تفتك بالحارات؟”

لمن يوقدون البنادق؟ ألا يعلمون أنه لن تطأ أرضَ مجدل شمس قـدمٌ وطِئتْ درعا؟ ولن يشرب من مياه طبريا جنديّ ثـَمـِلَ دماً حـَمويـّـاً؟ ألم يأتـهم نبأ الذين من قبلهم أنّ للشعوب قيامةً وحشرٌ وحسابٌ وأحقادٌ ومقاصل؟

لا يزالَ يروقــُـنا دورُ الضحيّة وفتنةُ الميتين والبطلِ الذي يسقط بذعرٍ لحظة سُخط وصَخَب، ويغرينا وعيد المهزوم بالثأر، وتراقص المذبوح فوق قصائد الحبّ والحرب، وتحـَـشـْرج الكلمات في حـلـْقِ الغاضبين على خسارة أطرافهم وأنصافِ أعمارهم، ولا يعنينا كثيراً مصائر أشجعِ الجُـنود والضّباط الذين خلعوا نياشين الأسد دون أن يخلعوا بزاتهمُ العسكرية، لا زلنا نـُـفـضّـلُ التحلـّقَ خلفَ شاشة تـبـثّ انكسارات وأكفان ورقاباً تتصبب عرقاً ليقنعونا أنهم حقّ لا أساطير.

يـُقالُ أنّ الذين سكنوا هذا الساحل َمن شرقِ المتوسط قديماً كانوا يغتسلون بعد كلِّ حـرْب، لأنـّهم اعتبروها (الحرب) خطيئةً يجب الـتـطهـّر منها على كل الأحوال، أمـّا حجم الذي جرى في الماضي ويجري اليوم على أيدي نفس القتلة، فلا ماءُ الفرات يكفيه ولا العاصي، ولا توبة لهم ولا عفو، وشـفـقـتي على الذين يتناطحون دفاعاً عن نظام خائن لأمته وشعبه ويرددون صدى خطاباته حول مؤامرة خارجية عليه، وقودها جثث أطفالٍ وشبابٍ تتكدس على عتبات قصره.

قولٌ أخير لمن لم يموتوا بعد؛ لثورتكم جبهتان، واحدةٌ ضدّ أصنام البعث المـُـتـساقـطة، وأخرى ضدّ طفيلياتٍ ينتظرون أدواراً بعد أن يسرقوا معبدَ انتفاضتكم لـيبيعوا بضاعتهم على مذبح شهدائكم، خذوا حذركم من كليهما، فالحريـّة لا تـُجزَّأ، ولا مكان لأنصافِ انتصاراتٍ ومفاضلاتٍ بين ديكتاتورياتِ عبدة الأصنام وديكتاتورياتٍ على أُهـْبـَةِ الـمَـنـَابـر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية