شاهين الحزين

الخميس 18 آب 2011

بقلم هادي

كنت قد اتخذت قرارا بالتوقف عن الكتابة في المواضيع المتعلقة بالإصلاح لقناعتي الأكيده بعدميته في ظل الوضع القائم في البلد، ولكن استفزني وبشكل غريب موضوع عودة البطل شاهين. حقيقة كمية الاستخفاف بعقول المواطنيين تفوق الحد المسموح به هذه المرة.

يعود شاهين. وتظهر صورته وهو ينزل من الطائرة والأغلال في يديه. ويصر الناطق الرسمي على أن شاهين أحضر مخفورا وعلى أنه سجين. ومن ثم تتلاحق الصور من على سلم الطائرة ومن داخل السجن وعلامات الحزن والكآبه تغطي وجه. ولم يبق إلا أن يظهر شاهين في لقاء تلفزيوني:

“ندمان يا شاهين”
“أيوه ندمان سيدي”

تفاصيل قصة جلب وأحضار شاهين أشبه بأفلام الخيال ذات الطابع البوليسي أو حلقه من حلقات المحقق كونان. ضابط أردني في شرطة السير أستطاع أن يقنع دولة ألمانيا أن تتخلى عن جميع مبادئها السياسية والإنسانية وأن تسلم شاهين مخفورا للأردن. أنا كنت اعتقد أن مهمة رجال السير هي تنظيم المرور وضرب الناس بالمناقل. أما التفاوض لإعادة المجرمين فلم يكن أبدا في الحسبان. وحقيقه لا أعلم كيف ترجم الضابط كلمة “مخفورا” للألمانية.

لا يحتاج الأمر إلى خبير في القانون الدولي أو الجنائي لكشف حقيقة الامر. فالموضوع بسيط جدا. الحكم الصادر بحق شاهين صدر عن محكمة أمن الدولة وهي محكمة عسكرية لا توجد إلا في دول العالم الثالث البوليسيه ولا تعترف بشرعيتها دول العالم الحر ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا ألمانيا التي عانت ألامرين وما زالت تعاني بسبب المحاكم العسكرية. وبالتالي، لو طلب شاهين الحماية من دولة ألمانيا فلن تستطيع دول العالم مجتمعة أن تعيده. وحتى لو كان شاهين دخل المانيا بطريقة غير قانونية فإنها يستحيل أن تسلمه أو تبعده إلا بعد قرار محكمة يضمن أن يتم محاكمته أمام محاكم مدنية وربما بإشراف دولي خصوصا أن شاهين لم يشكل خطرا على أمن ألمانيا. حتى من ثبت تورطهم بالإرهاب لم تستطع حكومات الاتحاد الأوروبي إبعادهم إلا بعد محاكمات استمرت لسنوات طوال.

ومن ثم ولو فرضنا جدلا أن ألمانيا تعترف بالنظام القضائي في الاردن وأن هناك اتفاقيه تعاون أمني بين الأردن وألمانيا فالرجل غادر البلد بشكل قانوني وبأوراق رسمية وبموافقة أعلى جهات في الدولة وبالتالي موضوع أن تسليمه تم بعد “مفاوضات” يتعارض مع حقائق الامور بشكل اقل ما يوصف بالفاضح. وإن كان فعلا صدقت الرواية الرسمية لا سمح الله، فإن ذلك المفاوض يجب أن يسلم رئاسة الوزراء فورا لأن شخصا استطاع أن يقنع المانيا بجلب وتسليم شخص دخل أراضيها بطريقه قانونيه يستطيع بلا شك ان يقلب البلد رأسا على عقب في لحظات.

ما جرى بسيط وبسيط جدا. شاهين، وبعد تقديم الضمانات اللازمة له ولأسرته وثروته اتخذ قرارا بالعودة لإكمال ما تبقى من محكوميته التي لا تتجاوز 7 شهور داخل منزله في عمان. تم أعطاء الأوامر لشاهين بالتريث قليلا بحيث تترافق عودته مع صدور ما يسمى بالتعديلات الدستورية. فيكون كحبة الكرز فوق الكعكة. قبل عودة شاهين بأسبوعين تصدر الأوامر لكتّاب التدخل السريع بإعادة تذكير الناس بالقضيه ومباشرة قبل عودته بيومين يصدر خبر ينفي عودته نفيا قاطعا. ثم المفاجأة … شاهين يعود!!

ومن ثم تبدأ الاحتفالات وعمليات استعراض العضلات. عاد شاهين وعادت معه الروح إلى الجسد، عاد شاهين وعادت معه شمس الحرية والديموقرطية للبلد، عاد شاهين لتنقضي بعودتة المديونية وتزدهر الحياة الاقتصادية فتنخفض أسعار السلع ويتضاعف دخل المواطن، وتنفض الاعتصامات وتلغى المظاهرات ويعود الدرك الى بيوتهم بعد موسم ثقيل من حماية المتظاهرين حرمهم من إجازاتهم لفترة طويلة.

ويا أيها الشعب الغافل ها قد احضرنا لكم شاهين. بغض النظر عن الطريقه التي عاد فيها أو التكاليف التي تحملتها الميزانيه لإعادته، وبغض النظر عن من سمح له بالسفر منذ البداية. فلم يعد لكم حجة أن لا تقبلوا التعديلات الدستورية التي قمنا بتفصيلها على مقاسكم، وأعطينا أنفسنا الحق باختيار اللون والموديل لعلمنا بعدم قدرتكم على اتخاذ هكذا قرارات بأنفسكم. ويا ريت ننسى موضوع الاستفتاء لأن هكذا امور قد تجلب لنا وجع رأس -أيلول اسود جديد مثلا- نحن بغنى عنه. ومن ثم، متى كان لرأيكم قيمة أو وزناً؟ لم يسبق في تاريخ الدولة أن تم استفتاؤكم على أي قرار يتعلق بحياتكم وبالتالي لا داعي للفلسفة. وممكن ..ممكن.. اذا أحسنتم التصرف وتوقفتم عن المسيرات والاعتصامات ان تصرف لكم عيديه! يجعل لا حد حوش.

هل نحن فعلا سذج الى هذه الدرجة؟ هل يمكن ان يستخف نظام بالشعب الى هذه الدرجة؟ انا حقيقة مصدوم. ما لا يعلمه النظام أو ربما يعلمه جيدا ويتغافل عنه أن تلك العصور انتهت. فالشعب يعرف جيدا معنى الحرية والديمقراطية ولن تنطلي عليه ألاعيب كهذه بعد الآن. أحضروا شاهين أو لا تحضروه وعدلوا الدستور أو لا تعدلوه وحلوا البرلمان او لا تحلوه .. المسأله مسألة وقت فقط.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية