الديمقراطية والإسلاميون

السبت 12 تشرين الثاني 2011

كانون ثاني ٢٠١١ – تصوير روان دعاس

بقلم لينا شنك

في أعقاب تعيين الوزير محمد نوح القضاة، والذي يحمل فكرا اسلاميا واضحا، وزيرا للشباب، تباينت ردود الفعل فكان هناك من قلق من امكانية فرض أيدولوجية الوزير على سياسة الوزارة وعلى المسابح المختلطة وغيرها من النشاطات التي ستتأثر بالصبغة الاسلامية للوزير، وكان هناك من يستهزئ من هذه التعليقات مذكرا أصحابها بأن هذا هو السبب الذي لا نتمتع من أجله بالديمقراطية.

بالنسبة لهؤلاء الذين يفضلون الوضع القائم، كان اختيار الوزير والانتقادات التي طالت هذا الخيار بمثابة “دليل قاطع على أننا غير جاهزون للديمقراطية”، وذلك لأن أي حكومة منتخبة هي “بالضرورة حكومة اخوانية” ولذلك سيكون معظم الوزراء من هذه الفئة، ومن هنا، فهم يستغربون هؤلاء الذين “ينتقدون تعيين وزير متدين ويطلبون حكومة منتخبة ليلا نهارا”.

بلا شك، “الحكومة الاخوانية” أو “حكومة الوطن البديل” هي من الحجج المفضلة التي تسوقها قوى الشد العكسي في معرض دفاعها عن الوضع القائم. على الطرف الآخر، يقول الناشط السياسي اليساري محمد عمر بأنه لا يمانع وجود حكومة منتخبة يقودها الاخوان المسلمون ما دام “هذا هو ثمن الديمقراطية”. بالنسبة لعمر، والذي عاش خمسة عقود من عمره من دون أن يؤدي فريضة الصلاة والصيام، فإن خيار الناس لا بد وأن يحترم حتى ولو كان الثمن أن يقرر الاخوان “تعليق مشنقته” مثلا كونه من الملحدين. اذا كانت الجماعة موجودة على أرض الواقع بهذه القوة، فإنه من غير المعقول “أن نؤجل الديمقراطية إلى حين تغيير الواقع” على حد تعبيره، ويضيف بأنه شبه متأكد أن “الفساد سيختفي بصورة كبيرة في حال تسلم الأخوان السلطة بسبب وجود الرادع الديني”، ويذكر بأن الناس لا تصوت “للشريعة الاسلامية وانما للأخلاق الاسلامية”.

بحسب ذاكرة عمر، فإن من عاش في عمان في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي يدرك أن الدين لم يكن ذا أثر كبير على الناس حتى في الأماكن الفقيرة والمهمشة مثل مخيم الوحدات، حيث ولد وعاش عمر مراحله الأولى. يستذكر عمر أن والده لم يكن يجبره على الصلاة والصيام، ولم يكن لباس المرأة الأسود موجودا، كما كان هناك مسجد واحد في المخيم على حد وصفه، قبل أن يبنى مسجد آخر في نهاية السبعينيات سمي بـ”جامع المدارس”، وهو المسجد ذاته الذي كان يتلو الشيخ القرآن فيه بصوت مرتفع بواسطة المكبرات مما دفعه بالشكوى لدى مغفر الشرطة بالمخيم لأن الصوت المرتفع أزعجه وزملائه أثناء الدراسة في الشارع.

يقول عمر بأن الدولة لم تتدخل في ذلك الوقت في الشؤون الدينية، وكان التدخل يقتصر على منع المجاهرة بالإفطار أثناء النهار في شهر رمضان، إلا أن ذلك لم يمنعه ورفاقه من التدخين في مقهى يعرف باسم “خبيني” في وسط البلد ولم يكن الأمن العام منشغلا بالبحث عنهم لمعاقبتهم. اليوم، يبدو الوضع مختلفا تماما بالنسبة لعمر، حيث يقول بأنه شعر بـ”صدمة كبيرة” عند عودته إلى الأردن بعد غياب طويل، حتى بات متأكدا بأن “مظاهر التدين السائدة ضربت البساطة والتسامح الذي كان سائدا بين الناس”.

الاخوان ودائرة “المراقبة والتجييش”

في الوقت الذي يفسر عمر قوة الاخوان المسلمين ويعزوها إلى الدعم الذي حظيت به الجماعة من الدولة في سبيل مواجهة المد الشيوعي في الخمسينيات والعقود الثلاثة التي تلتها، يعتبر العديدون- ولعلها تشكل مفارقة- أن الجماعة اليوم تخوض مواجهة مع الدولة بدليل “المضايقات والملاحقات المستمرة لأعضاء الجماعة” و”النقطة السوداء” التي تزين دفتر كل من يتعامل معها.

يروي خالد، وهو ناشط مقرب من الجماعة وكان من “شباب الاتجاه” النشطين في الجامعة الأردنية، أن هناك تجييشاً “مثيرا للقرف” تقوده جهات داخل الجامعة، حيث يذكر أنه كان يساعد “السنافر” ويرافقهم في الجولات التعريفية، وكان يرافقهم جميعا موظف من الأمن الجامعي يوضح للطلاب الجدد “قواعد” الحياة الجامعية ويشير باصبعه أثناء الجولة التعريفية إلى مجموعات متواجدة في الحرم الجامعي قائلاً “ديروا بالكم منهم اخوان” ويحذرهم من غيرهم على الطرف الآخر لأنهم ينتمون أيضا إلى تنظيمات سياسية.

يتفق مع رواية خالد الطالب أحمد، والذي ينتمي إلى “الاتجاه” أيضا ويمثله في مجلس طلبة الجامعة، حيث يقول بأن أيام الانتخابات تشهد تدخلات واضحة من العمادة لـ”إنقاذ الموقف” والحيلولة دون فوز “الاتجاه”. عندما كان أحمد يخوض انتخابات مجلس الطلبة فوجئ بصديق له يترشح لمنافسته، ثم اتضح له لاحقا، وحسبما أخبر هذا الصديق زميلهم، أنه لم يكن ينوي الترشح لولا “المكالمة الهاتفية من موظف عمادة شؤون الطلبة” الذي شجعه على الترشح لكي لا “يأخذ” المقعد الاتجاه!

الشعور ذاته تعبر عنه ريما، والتي تنتمي إلى “الاتجاه”، فبحسب رواية ريما، كثيرا ما كان يقدم الطالب الذي ترشح لمنافستها في انتخابات مجلس الطلبة بيانه الانتخابي على أنه “المنقذ للكلية من سيطرة الاتجاه”، وكان يتردد على زملائهم طالبا منهم التصويت له “حتى ما تفوز ريما” من دون أن يقدم غير ذلك. تقول ريما أنها نادرا ما كانت تجد شخصا يحاورها بفكر “الاخوان” أو تاريخهم أو مشروعهم، ولكنها كانت تجد الكثيرين ممن حرصوا على الابتعاد عن “بنات الاتجاه” و”بنات المصلى” قدر الامكان تماشيا مع تعليمات مسبقة من أهاليهم.

تستهزئ ريما بالصور النمطية التي يروجها الناس عن “الاتجاه”، حيث تفاجئ بأسئلة من زملائها عن نية “طلاب الاتجاه” لمنع الاختلاط في الكلية، وهو الأمر الذي تنفيه ريما وتقول أنه “لم يخطر ببال الكتلة بدليل أن الفتيات يترشحن إلى جانب شباب الاتجاه ويعملون معا لتنسيق الحملات والنشاطات”.

ليست أسئلة منع الاختلاط وحدها هي الشائعة في أيام الانتخابات الجامعية، بل يقول خالد بأنه يتلقى أسئلة “غريبة” من قبيل “لماذا ذهبتم لتقديم العزاء لذوي أبو مصعب الزرقاوي؟” في اشارة إلى حادثة زيارة النائب الاسلامي السابق علي أبو السكر إلى بيت العزاء، كما تسود “الشائعات” التي تتحدث عن “تكفير” الآخرين، وهو ما يظهر في شعار كتلة سياسية مناوئة للاخوان حيث يهتفون “نار نار نار.. احنا مش كفار” ليرد عليهم خالد “نار نار نار.. انتوا مش كفار”!

الاخوان مرادف لـ”كتلة فلسطينية”

في الوقت الذي يعتبر فيه الكثير من المراقبين جماعة الاخوان المسلمين جماعة فلسطينية أو مرادفاً لذوي الأصول الفلسطينية، لا تعتبر ريما أن هذه الصورة دقيقة مستشهدة بالتنوع الذي تتميز به الجماعة، حيث تنتمي هي ذات الأصول السورية إلى الجماعة إلى جانب زملائها من ذوي الأصول الأخرى، بيد أنها “حجة لضرب الجماعة” كون “المجتمع الأردني يعاني من انقسام على أسس اقليمية في كثير من الأحيان” بحسب وصفها.

في المقابل، يقر أحمد بأن الصورة النمطية منتشرة بشكل واسع ويذكر أنه كان برفقة زملائه من الجماعة، وكان أحد الأشخاص من “خارج الجماعة” حاضرا، ثم فوجئ الأخير بأصول أحمد السورية، وقال له مندهشاً “بالله شامي؟ شامي شامي؟ تصدق فكرتك اخوان زيهم؟”

أما خالد، والذي شهد مواقف مماثلة، فيقول بأن الدهشة تبدو واضحة على من يدرك بأن أحد شباب الاتجاه من “أبناء العشائر”، ولكنها بحسب وصفه “نقطة قوة بصراحة” اذ لا “يستطيع أحد عندها المزاودة على الانتماء”.

لا ينكر عمر أن الجماعة تضم في أغلبيتها الساحقة أردنيين من أصول فلسطينية، وهو ما نتج عن المجال الذي تعمل فيه الجماعة كونها تنشط في القطاع الخاص وفي المخيمات، حيث توفر الخدمات المباشرة التي تخلت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والتي لا تكون الحكومة الأردنية معنية بها أصلا، لذا فهو بمثابة “الفراغ” الذي يعبئه الاخوان ويكتسبون شعبية بسببه.

ويضيف عمر بأن المقولة التي تفترض أن الاخوان حتى بعد أن انضم إلى صفوفهم أبناء العشائر هم الجماعة الوحيدة التي نجت من “فخ الاقليمية” غير دقيقة، فلم تكن الاقليمية مشكلة لدى أي من الجماعات السياسية حتى عام 1989، إلا أن قانون الصوت الواحد هو الذي “ضرب التجانس المجتمعي” وجعل ابن المخيم يحصل على “كرت العلاج” من الاخوان فيخرج في المظاهرات التي تدعو اليها الجماعة، ولكنه يصوت لـ”ابن العشيرة” في الانتخابات النيابية لتيسير “الشؤون البيروقراطية”.

الاخوان و”الهم الأردني الداخلي”

 

تصوير روان دعاس

يأخذ خالد على الاسلاميين عجزهم عن تقديم مشروع وطني “واضح المعالم” وطغيان القضية الفلسطينية على برامجهم، ويدلل على ذلك بقدرتهم على حشد الآلاف أثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وعجزهم عن حشد عدد مماثل للمطالبة بالإصلاح في الأردن. ويخشى خالد أن تتعرض غزة لعدوان مماثل في هذا الوقت بالذات، ليس لتضامنه مع غزة وحسب، بل لأن “أي شيء يحدث الآن في غزة سوف يقضي على زخم الحراك الأردني المطالب بالإصلاح” وذلك لأن الشارع الأردني يتفاعل مع القضايا العربية وخصوصا القضية الفلسطينية بشكل أكبر.

 

على الرغم من انتقاده لتقصير الاخوان وذراعهم السياسي في معالجة القضايا الداخلية، يذكر خالد أصحاب القرار بأن المنطق الذي يقضي بـ”التخلص” من الاخوان هو منطق “غبي”، وذلك لأن الاخوان موجودون في “كل خزق”، فضلا عن أنهم مستعدون دائما “للتضحية” وتسيطر عليهم “عقلية الفدائية”.

يعود خالد إلى تاريخ الاخوان في الدول العربية المجاورة، ويذكر بالقمع الذي تعرضت له الجماعة في مصر في عهد جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ويصف التنظيم بأنه “رائع في الهيكلية” اذ “تسقط أنظمة ويبقى الاخوان!”

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية