‎ديـمقـراطيّـة الإخـوان

الخميس 22 آذار 2012

صورة أرشيفية من اعتصام أمام مجلس النواب في كانون ثاني ٢٠١١ - تصوير روان دعاس

بقلم ضياء اشتية

تـوطـئـة

     القضية المطروحة وإن بدا ظاهرها يخصّ قطاعاً مهنيّاً من الشعب الأردني دون غيره، غير أنها تعكس حالة المجتمع المدني الكارثية التي وصلناها، ويلخـّص مصيبة من يجلسُ على الكراسي ليأخذ “أتـاوة” باسم الواجبات ويوزّع حقوقاً كما يوحي له هواه، علاقة مُشوّهة يرتع على جنبيها المنتفعون وشعراء المدح المأجورون، وأطباء التجميل المنافقون، ومندوبو مبيعات البضائع الفاسدة المُـفوّهون، والأهمّ في لعبة الكراسي هذه هو تحييْد الأغلبية والتي يُـفترض أن تكون صاحبة القرار والحكم في الشأن كله، فحين يستخدم العربيّ المُستبدّ ذو المنصب ذكاءه الحادّ لتحييد الجمهور المعنيّ، فإنه سينجح بلا شكّ في تهميشهم وزرع يأس التغيير في نفوسهم، سلاحُه الأمضى في ذلك هو تشتت الآخرين لكثرة همومهم وشكواهم، لينتج حالة من التذمر العشوائية لا تضرّه وقد تنفعه، يرافقها بروباغاندا تعظم الصغائر، وتصغر العظائم.

مـوجـز عن نـقـابـة الـمـهـندسـيـن

     تضم نقابة المهندسين في الأردن حوالي 90 ألف مهندس ومهندسة، مُوزعين على ستّ شـُعبٍ بنسبٍ متباينة، ولها ميزانيتها الضخمة من الاشتراكات السنوية وصناديق التقاعد والاستثمارات، لكنّ حجمها الهائل لا يتناسب إطلاقاً مع تفاعل أعضائها معها، فللغرابة، فقط بضعة مئات أو آلاف منهم يشاركون في انتخابات مجلس النقابة ومنصب النقيب، وهي الهيئة المخوّلة بشؤون النقابة إداريّا وخدميّاً وماليّاً، والانتخابات باختصار تجري بطريقة تصفيات كرة القدم على دورين: الأول انتخابات الشـُّعب الهندسية الستّ، والثاني انتخابات المجلس والذي يشترط تأهل المرشح له بداية من الدور الأول، فتضحي المشاركة شكلية وفارغة المحتوى. أمرٌ آخر، يتكون مجلس النقابة من تسعة أعضاء: النقيب ونائبه عبر اقتراع مباشر، رئيس هيئة المكاتب الهندسية بانتخابات مستقلة، وستة أعضاء يمثلون الشـُّعب الستّ، أي أن تمثيل شعبة المناجم والتعدين وعدد مهندسيها بضعة مئات فقط يساوي تمثيل شعبة الهندسة الكهربائية وعددهم يتجاوز 32 ألف مهندس ومهندسة!! وهذه التوليفة التي قطعاً لا تعكس التمثيل الحقيقيّ للأعضاء تضمن للأخوان الأغلبية، وحصولهم على النصف زائد واحد، وأجمل ما في القصة أنه لتغيير القانون الحالي المعمول به، ينبغي على مجلس النقابة الموافقة عليه، لكن السؤال غير البريء: ما الذي سيُجبر الإخوان المهيمنين على نقابة المهندسين منذ عقود ثلاث على تغيير قانون الانتخاب في النقابة ما دام القانون الحالي يضمن لهم السيطرة المطلقة؟؟

تـنـاقـضـات للـمـصـلـحـة الـحـزبـيّـة

     خارج أسوار النقابة تكتظ أدبيات الإخوان في المطالبة بقانون انتخاب برلماني أكثر عدلاً وإنصافاً، وتضجّ منابرهم وتتحشرج أصواتهم في تنظيرهم لدولة مؤسسات تحترم عقول وخيارات مواطنيها في اقتراع نزيه وشفاف يؤدي إلى تمثيل الشعب فعلياً بمجلس نواب، ويسوْقون لتدعيم مطلبهم حججاً وبراهين منطقية وعصريّة، لا يختلف أردنيان بالغان عاقلان راشدان على صحتها، ويُـلحـّـون في لقاءاتهم المُعلنة وغير المُعلنة مع صناع القرار في الدولة على زيادة التمثيل النسبي ليدعم القوى الحزبية والمشاركة الشعبية على أسس سياسية، بدل قانون الدوائر الوهمية – الفضيحة.

     في الوقت ذاته، يتلكأ الإخوان ويماطلون في تغيير قانون تملكه أيمانهم، لا يقلّ سوءاً وسذاجة عن الدوائر الوهمية، قانون تم تفصيله وتدعيمه ليناسب مقاسهم، ويضمن لهم الاستئثار الأبديّ إن استمرّ العمل به، يمارسون عبره ديكتاتورية مُبطنة، يُـلبسونها عباءة ديمقراطية، نتائجه إبعادٌ للآخر، وتفرّد في القرارات، واستثناء لخصومهم، واحتكار للتصوّر والرؤية، وإلغاء لأي تعددية سياسية أو فكرية تضمن الشفافية والمحاسبة الحقيقية على أداء النقابة، المؤسسة الأكبر من مؤسسات المجتمع المدني ذات الثقل السياسي والوزن الاجتماعي، ولا تلوح في الأفق أي بادرة منهم تبشر بخير سوى وعود كسب الوقت والتضليل وتشكيل لجان وتجميدها دون أن نرى طحيناً تتناسب مع جعجعتهم، تماماً كمماطلة الحكومات في قضايا الإصلاح ومحاربة الفساد: تعديلات ولجان متابعة وتصريحات وخطب تداعب القضية شكلياً دون المسّ في جوهرها أوعلاجها من جذورها.

     هل من تفسير لمطالبة الإخوان بتمثيل نسبيّ على مستوى الوطن في البرلمان ورفضهم تطبيق هذه النسبية في النقابات؟؟ ويتحدثون عن الشراكة السياسية وضرورة العمل الجماعي وأهمية التنوع كحالة صحية للحكم لكنهم بنفس الوقت يتمنـّـعون عن تغيير ما يمارسونه بأنفسهم من خلال قانون متخلف يؤدي غرضهم، ويكتفون بتحالفات شكلية هزلية، حقيقتها إلحاق وتبعية.

ّالـتـمـثـيْـل النـسـبـيّ هـوَ الـحـل

     كي تقنع الناس بديمقراطيتك وتقدميتك وقبولك للتعددية السياسية والفكرية ورؤيتك التي لا تتوقف عن الترويج لها حول اعترافك بالآخر، عليك أن تبدأ بنفسك أولاً، فكان يجب على الإخوان أن يعملوا على تغيير قانون الانتخابات في نقابة المهندسين ليصبح أكثر عدالة عبر التمثيل النسبي، لا أن يحصنوه بمزيد من شروط الإلغاء وقوانين أقلّ ما يقال عنها أنها إقصائية، تحرم من يخالفهم الفكر والأيدولوجيا من أخذ دورهم وحجمهم الحقيقي، ويصعب عليهم المنافسة في أي معركة انتخابية قادمة، كان عليهم أن يقدّموا مثالاً ديمقراطياً يحفز شريحة المهندسين كي يحتلوا موقعاً طليعيّاً في المجتمع بدل إعادة إنتاج ما يشبه ممارسات الحكومات من ديمقراطيات شكلية.

مُـهـنـدسـون بـلا نـقـابَـة

     الفريق الذي يسيطر على الشميساني اليوم هو المسؤول الوحيد عن تحييد الرأي العام للمهندسين وحالة عزوف الغالبية الساحقة من أعضاء النقابة عن التفاعل معها والمشاركة في انتخاباتها أو حتى انكفاءهم عن دفع اشتراكاتهم وما يترتب عليهم من التزامات ما دامت الخدمات المقدمة انتقائية وتعطى بمحاباة “لناس وناس”، تهميش أدى إلى تحويلهم لمنتسبين بالاسم، كافرين بقدرتهم على التغيير لا سيما حين يكتشفون أنه حتى موظفي النقابة هم من رعية الإخوان وكوادرهم، وعلى الإخوان الاعتراف أن في النقابة مهندسون بلا ذقون قد يهزؤون بالقرضاوي أويشتمون خالد مشعل، يستمعون صباحاً إلى فيروز لا إلى وجدي غنيم، مهندسون يريدون من النقابة أن تكون مهنية خدمية لا تميز بين أعضائها ولا تصبغهم بلونها السياسي ولا توزع خدماتها بناء على قربهم من الجماعة الربانية، قد يكون هؤلاء المهندسون اليوم يحترفون التذمر والامتعاض واللامبالاة، لكنهم حتماً سيدخلون النقابة بعيداً عن بياض القوائم أو خضرتها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية