لماذا نرفض معاهدة وادي عربة؟

الثلاثاء 06 كانون الثاني 2009

رؤية شباب يساري

يواجه الشباب الأردني اليوم واقعًا يفرض عليه اجتماعيًا، وسياسيًا واقتصاديًا نهج معيشي حالي ومستقبلي مدعوم حكوميًا بمسلمات عدة مثل «الأردن بلد صغير ليس له موارد وعلينا أن نقبل بهذا المصير وتبعاته» أو «التحالف مع الولايات المتحدة أساسي لتطور الأردن سياسيًا واقتصاديًا» أو «السلام مع إسرائيل ضرورة وجودية لعدم قدرتنا على الدخول في الحرب» وأيضًا » سياسة السوق الحر هي النهج الامثل الوحيد الممكن للنمو الاقتصادي».

هذه المجموعة من المسلمات المفروضة كواقع لا مفر منه بدأت تشهد الرفض الشبابي في مختلف الاصعدة، انطلاقًا من الحراك السياسي الاقتصادي الذي شهدته 2008 ضد النهج الاقتصادي الحر وتبعاته الكارثية وضد مجموعة القوانين المقيدة للحريات مثل قانون الاجتماعات العامة وقانون قوات الدرك مرورًا بالسياسات الخارجية للأردن.

أحد أهم هذه الاطروحات المرفوضة هي واقع علاقة الأردن مع دولة العدو الإسرائيلي وما يرافق هذه العلاقة من ترابطات مع الولايات الامريكية المتحدة. إذ إن طبيعة العلاقة الرسمية مع دولة الاحتلال لا تتناقض فقط مع الخيار الشعبي بل وفشلت من أن تثبت جدواها أو تحقق أي من الأهداف الايجابية التي فشل مناصري السلام الترويج لها بعد 15 سنة من توقيع معاهدة وادي عربة. رفض السلام ومعاهدة وادي عربة ليس بالمطلب الجديد، لكن نمو الوعي السياسي لدى الشباب الأردني مع قدرته الدستورية القانونية في الضغط من أجل تغيير هذه العلاقة وإلغاء المعاهدة شكل المطلب الأساسي الذي يرى فيه الشباب الحراك الأهم الذي يجب العمل عليه من أجل وقف العدوان الهمجي الأن على غزة وللعمل سياسيًا من أجل أردن أقوى وأفضل لمواطنيه.

معاهدة ما يسمى بـ «السلام بين دولة إسرائيل -المحتلة- والمملكة الأردنية الهاشمية» وقعت بين الكيان الصهيوني والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994. اعترفت هذه المعاهدة بشرعية الكيان الصهيوني وفرضت مبادئ التطبيع على العلاقات الرسمية بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما. بتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية – بعد مصر – تطبع علاقاتها مع العدو وتعترف بشرعيته.

السيادة الوطنية والمواد السياسية والأمنية

جاءت المواد السياسية والأمنية في معاهدة وادي عربة لتمهد الطريق للتكامل الإقليمي الأردني-الإسرائيلي من خلال عدة بنود. أهمها إعلان الاعتراف المتبادل وإلغاء حالة العداء (المادة الثانية) والتعهد بعدم الدخول في أي حلف أو السماح بأي عمل يقوم به طرف ثالث ضد أحد الطرفين الموقعين على المعاهدة (المادة الرابعة) بالإضافة إلى الاتفاق على إقامة علاقات ديبلوماسية وقنصلية متكاملة وعلاقات اقتصادية وثقافية طبيعية (المادة الخامسة). النقطة الأخيرة ، بالتحديد، تعادل إقامة علاقات تطبيعية على أساس اتفاق منفرد غير مقتصرة على إزالة حالة العداء أو حتى على إقامة علاقات ديبلوماسية باردة.

المادة الرابعة للمعاهدة انتقلت إلى التنسيق الأمني والتحالف السياسي عندما تعهدت السلطة في الأردن على عدة أمور ، من أهمها اعتبار التعاون الأمني جزءًا مهمًا من العلاقة بين الطرفين، ضمن سياق بناء أطر أمن إقليمية تربط الأمن بالسلام. منع التحريض ضد «إسرائيل»، وحماية أمن «إسرائيل» واعتبار ذلك مسؤولية قانونية للدولة الأردنية بالإضافة إلى منع أي طرف معادٍ للكيان الصهيوني، سواء كان تنظيمًا أو فردًا أو دولة، من تهديد «إسرائيل» انطلاقًا من الأراضي الأردنية. كما تعهدت الأردن بمنع أية قوة عسكرية أو معدات تعود لطرف ثالث من دخول الأردن إذا كان ذلك يضر بـ«إسرائيل». وأخيرًا الالتزام بالتنسيق الأمني حول التفاصيل بشكل منتظم بناءً على آلية يتم تحديدها في اتفاقية منفصلة.

أراضي الأردن المحتلة: اعتراف بالسيادة مع حق الاستخدام والتأجير

اعترفت المعاهدة بسيادة منقوصة للأردن على أراضيها المحتلة التي تمتد من الباقورة إلى «مزرعة الغمر» ووادي عربة وإجزاء من شاطئ البحر الميت. مع حق الاستخدام والاستئجار إلى إسرائيل. فبعد التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود في شمال منطقة الباقورة، اصطدم خط الترسيم بقطعة أرض مساحتها 830 دونمًا، زعمت إسرائيل أنها مملوكة لها. في النهاية تم الاتفاق على السماح للإسرائيليين الذين يشغلونها بأن يستخدموها لمدة 25 عامًا، و«التجديد الأوتوماتيكي» لاستئجار أراضي الباقورة المحددة بـ25 عامًا، ما لم يقم أحد الطرفين بإخطار الطرف الثاني في رغبته بالإنهاء. «وحتى إن أخطر الطرف الآخر بالإنهاء، فإن حالة الاستئجار لا تنتهي فورا بل تعني الدخول في مفاوضات جديدة».

مثال آخر يتجسد في وادي عربة. فالوادي مستأجر لمدة 99 عاما لإسرائيل، مما يعني أن إسرائيل تستفيد منه. أما الأردن فلا يستفيد من هذه الأراضي على الإطلاق، على الرغم من الاعتراف بسيادته عليها. أما مثال أخير يكمن في أراضي البحر الميت. تم تحديد الحدود في منتصفه، كما ورد في صك الانتداب عام 1922، وتم البناء على ذلك في معاهدة وادي عربة، أما في منطقة الملاحات فقد تم تعويض الأردن عنها بمساحة مقدارها 7,4 كيلو متر مربع في وادي عربة. ورغم وجود السلام فمنطقة جنوب البحر الميت ومحاذاتها ممنوعة للأردنيين.

المياه والبيئة

لم يحصل الأردن على حصته من المياه وفق المعاهدة فما زالت المياه منهوبة. هذا ويتم نقل مياه الامطار في الشتاء للعدو. ونود الإشارة هنا إلى قضية حصولنا على مياه ملوثة من طبريا في الحادثة المشهورة.

أسباب رفض معاهدة وادي عربة

من أهم الأسباب التي تحثنا على رفض المعاهدة هي دخول الأردن، والتي كانت سابقا الراعي الإداري الرسمي للضفة الغربية، في معاهدة سلام مع العدو الإسرائيلي هو تعبير فاضح عن انسحاب الدور العربي في حل القضية الفلسطينية وتحويل الصراع من عربي-إسرائيلي إلى فلسطيني-إسرائيلي، الأمر الذي يضع الأردنيين جميعا في خانة الانسلاخ والانعزال الحقيقيين عن بعدهم القومي والجغرافي. كما أن توقيع المعاهدة هو تقييد حقيقي للإرادة الشعبية المتضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني. فالمعاهدة تتضمن عدم السماح لأي طرف بأي عمل يقوم به طرف ثالث ضد أحد الطرفين. وهذا الموقف المطاط يمنع الأردن من لعب أي دور إيجابي في القضية الفلسطينية على الصعيد المقاوم والمدافع وحتى المفاوض في حين يحق لإسرائيل خرق بنود الاتفاقية بممارساتها الواضحة في سياق مشروع الوطن البديل؟!

التقيد بالمعاهدة هو خروج عن اتفاقيات التحالف العربي والسيادي للأردن وضد مصالح الشعب والوطن إذ تأخذ المعاهدة أولوية في التطبيق على أية اتفاقيات أو معاهدات ارتبط أو يرتبط بها الأردن. كما أن الاتفاقية هي ضربة موجهة للسياسة الأردنية والاقتصاد الأردني، ففي الوقت الذي يطالب العرب جميعًا بتضييق الخناق على إسرائيل تخطو الحكومة الأردنية باتجاه تخفيف الضغط وفتح الباب لنشاطهم الإقتصادي. على المستوى القطري الضيق غرقت الأردن في النمط الاستهلاكي، ولم تستفد أي خبرة إنتاجية، كما انها لم تستفد من فرص العمل في المناطق الصناعية. فالملخص أن الأردن لم تجني ضرائب وتحولت إلى منطقة مؤجرة بالمجان على المستوى الإقتصادي.

من ناحية أمنية فالأردن تحمي حدود الكيان الصهيوني في الوقت الذي مارست فيه إسرائيل خروقات أمنية في حق الأردن. ومن ناحية شعبية حصد الأردن سخط الشعوب العربية وكل شعوب العالم المناصرة للشعب الفلسطيني مما وضعنا في موقف محرج في سياق البحث عن تحالفات أكثر جدوى وواقعية وإنسانية.

إضافة إلى ذلك، فإن مجلس النواب قدم مذكرة لمشروع إلغاء المعاهدة واعتبر المجلس أن هناك خمسة أسباب موجبة للمشروع. أولها أن القانون رقم 14 لسنة 1994 منح الاعتراف لكيان قام على الاغتصاب وأنشأ دولة على حساب الشعب الفلسطيني الشقيق الذي شرد من وطنه» أما السبب الثاني فهو أن الكيان الذي وقعت معه المعاهدة «لم يلتزم بنصوص هذه المعاهدة، حيث مازال خطره يتهدد المملكة، ومما يؤكد ذلك ما كان قد عزم عليه رئيس حكومة إسرائيل آرائيل شارون عندما كان يخطط عام 2003 لاحتلال الأردن.

و أشار النواب في مذكرتهم إلى أنه من الأسباب الموجبة كذلك هو أن «الكيان الموقع معه على المعاهدة لم يتورع عن ارتكاب جرائم جنائية مع سبق الإصرار والترصد على ارض المملكة الأردنية الهاشمية ويكفي للدلالة على ذلك إرساله بعض جواسيسه إلى الأردن لاغتيال مواطن أردني على الأرض الأردنية، مما يتناقض مع المادة (4) من المعاهدة التي تنص على (الامتناع عن التهديد بالقوة واستعمالها واستعمال الأسلحة التقليدية وغير التقليدية أو من أي نوع آخر ضد بعضهما، وعن الأعمال والأنشطة الأخرى التي تضر بأمن الطرف الآخر.

وفيما يتعلق بالعدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني؛ أشارت المذكرة إلى أن هذا الكيان الموقع معه المعاهدة يمارس حرب إبادة وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، تتمثل في الحصار الخانق لهذا الشعب ومنع وصول ضرورات الحياة الإنسانية إليه كالغذاء والدواء والكهرباء، وقتل المدنيين واستخدام كافة الأسلحة بما في ذلك الأسلحة المحرمة دوليا.

أما خامس هذه الموجبات بموجب المذكرة فهو أن «هذا الكيان يواصل الاعتداء على الأماكن المقدسة في القدس ولاسيما المسجد الأقصى المبارك خلافا للمادة (9) من المعاهدة التي تنص على: (تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة في القدس)، فأي احترام للدور الخاص في ظل تشويه الحقائق التاريخية وتعريض المسجد الأقصى للخطر من خلال الاستمرار في حفر الأنفاق وبناء الكنس تحت المسجد؟».

وأخيرا يمكن الحصول على نص المعاهدة بكافة ملاحقها من الإنترنت. ونحن نطلب ممن يعلم المزيد أن يقدم معلوماته أو تصحيحه لأي معلومة مقدمة في هذا المقال لإغنائها وتحقيق الفائدة المرجوة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية