صحيفة “الرأي” ونصف الكأس الممتلئ

السبت 22 أيلول 2012

بعد قراءتها بتمعن لا أحسد عليه، بدا لي أن هناك خلية نشطة تقف وراء صحيفة الرأي الأكثر انتشاراً، تعمل بناءً على القواعد التالية: كل من ينتقد أداء حكومي يرجم، كل من يرغب في تطبيق المحاسبة والشفافية والحرية في البلاد يعتبر خائن، والأهم من ذلك، كل من ينتقد أو يعارض ينتمي بالضرورة إلى جماعة الأخوان “الشياطين” كما اصطلح على تسميتهم في دليل الكتابة اليومية في الصحيفة.

في عنوان هو الأطرف منذ شهور، والذي سيتراجع أمام عنوان أكثر طرافة بعد أيام قليلة، اعتبر محرر الشؤون المحلية في الصحيفة أن جماعة الاخوان المسلمين “استغلت قضية الإساءة للنبي الكريم“، والتي شغلت العالم العربي والإسلامي في الأسبوع الماضي، لتصفية “حسابات ضيقة” مع الحكومة الأردنية، حيث أن الجماعة اعتبرت على لسان أحد المنتمين اليها أن “نصرة النبي تكون بإجراء اصلاحات داخلية والانتصار للحرية في البلاد”. يعيب الكاتب على الجماعة هذا “الربط العجيب والغريب بين الأمرين” ولا يعيب على نفسه “الربط المنطقي” الذي يمارسه هو لاختراع أعمدة لا تعترف بعقل القارئ. بالطبع، لا أنكر على الكاتب حقه في انتقاد أداء أي شخص يعمل في الشؤون العامة، ولكنني فقط أرجو منه أن يأخذ في الحسبان مستوى الوعي لدى العقل البشري، وأرجو منه كذلك أن يقبل ذات النقد بحق باقي أطراف “المعادلة السياسية”.

ولمن لا يعرف، فإن للإعلام دور مهم في دعم مسيرة الإصلاح الشامل، فكما جاء في زاوية “رأينا”، نريد أن نرى إعلاماً يفخر بالنصف الممتلئ من الكأس. أحسب أن الملايين يشاطرون زاوية “رأينا” الأمنية ذاتها، ولكن الإعلام لا يخلق النصف الممتلئ من الكأس وانما ينقله إلى القارئ وحسب، والاعلام الذي أرغب في رؤيته لا يهلل لإجراءات تنسف النصف الممتلئ وتقضي على ما تبقى من إيجابية بلا خجل.

بين الأسطر، تقول الزاوية أن “إدارة الأردنيين لـ75 % من المحتوى العربي على الانترنت” هو مدعاة للفخر وتحثّنا على التباهي بهذا الإنجاز على الرغم من أننا لا نشكل سوى اثنان بالمئة من سكان المنطقة، ولكنها لا تنصحنا حول كيفية التعامل مع قانون المطبوعات والنشر الذي من شأنه أن يؤثر على هذه النسبة بشكل سلبي. وتنشر الصحيفة خبر تمرير القانون في مجلس الأعيان كما ورد من النواب، وتكتفي بنشر تصريحات رئيس الوزراء فايز الطراونة وآخرين ممن يساندون القانون، ثم تلمح إلى احتمال وجود رأي معارض من خلال تسمية الأعيان الذين “كان لهم رأي مختلف عن باقي الأعيان” ولكن من دون ذكر حجتهم، ولا أعلم ان كان الاختصار من باب توفير المساحة لتخصيصها للإشادة بخارطة الطريق الاصلاحية أم للإدانات التي صدرت من كافة أبناء المملكة للهتافات المسيئة.

الأسوأ أن الصحيفة تختم بدعوة وسائل الإعلام إلى توخي الدقة من أجل الحفاظ على الاستثمار، وذلك استمراراً لعقلية ترى في الإعلام “صانعا للخبر” لا ناقلا له. وأنا هنا أدعو الصحيفة ذاتها إلى توخي الدقة في المصطلحات لعدم التشويش على الاستثمار، فلو قرأت الصحيفة من الخارج لاستغربت العدد الهائل من “الخونة” و”ناكري الجميل” و”المشككين” و”أصحاب المصالح الضيقة” و”مثيري الفوضى والخراب” وغيرهم ممن يكنون للبلد كل هذه الكراهية والذين تتصدى لهم “الرأي” يومياً.

ثم هل تذكرون مقالات الدكتور مروان المعشر التي تقترح حلولاً للأزمة التي تمر بها البلاد؟ هل كنتم تعرفون أنه “وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء ووزير الاعلام والناطق الرسمي باسم الوفد المفاوض في مدريد قبل عقدين من الزمان”؟ من دون الخوض في تفاصيل النقد، وحتى لا يقال بأنه دفاع عن طرف دون آخر، لدي بعض النقاط البسيطة. يبدو لي عزيزي الكاتب أنك تعيب على المعشر الحديث في قضايا الاصلاح و”تشخيص الواقع” والدعوة إلى حكومة منتخبة وتعددية سياسية وتداول للسلطة، مع أنه لا ينكر أنه “ابن الدولة” ويتفق حديثه مع “المضامين التي جاءت في مقابلة الملك الأخيرة” والتي لا أحسب أنك تشكك بها. كما يبدو لي أنك تحمل المعشر المسؤولية عن قرارات أوصلتنا إلى الحالة السيئة التي نمر بها، ومنها فترة “القوانين المؤقتة” التي كانت بإشراف رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب بحسب ذاكرتك. ومن هنا، فإنني أستغرب أنك تتعجب من حديث المعشر عن الإصلاح ولا تتعجب من وجود أبو الراغب تحت قبة مجلس الأعيان لأربع دورات متتالية. ثم تندهش من جرأة المعشر على الحديث عن إصلاح وحبر قراراته السيئة لم يجف بعد، فهل جف حبر القرارات السيئة لرؤساء وزراء آخرين ممن أعيدوا إلى الدوار الرابع للمرة الثانية حتى بعد أدوارهم في صناعة الأزمات التي تتحدث عنها؟

لا زلت أبحث في موضوع انتشار الصحيفة، ويقتلني الفضول لمعرفة ما اذا كان القارئ يصدق أخبارها ويبني عليها، أم يكتفي بوفياتها وعطاءاتها واعلاناتها!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية