قبل قبلة الأمير، من أيقظ النائمات؟

الثلاثاء 08 كانون الأول 2015

بقلم ريهام عبد الستار

عندما تعلق الحكي بديزني، كان للجميلة النائمة الأميرة «أورورا» أمير يحبها، وكانت هناك ثلاثة جنيات ظريفات يعملن على حمايتها وجنية شريرة ترغب بالانتقام منها، لكن أميرات النسخ القديمة من الجميلة النائمة لم يكن بهذا الحظ، وتاليًا أروي لكم الحكاية منذ البداية.

أول من سجل الحكاية الفلكلورية الأصل هو كاتب مجهول في القرن الرابع عشر، سجلها في كتاب perceforest  الذي يحكي قصة بريطانيا ما قبل الملك آرثر، ويحتوي على معظم الحكايات الفلكلورية، وفيه حكى قصة «زيلانديني وترويلس». 

عندما ولدت زيلانديني جاءت ثلاثة آلهة للاحتفال، لوسينا إلهة الولادة، ثيميس إلهة القانون والنظام، وفينوس إلهة الحب والجمال، لوسينا أهدت الفتاة الصحة والسمعة الطيبة، لكن ثيميس كانت غاضبة لأنها أعطيت سكينا سيئًا فقررت أن تلعن الفتاة، كانت اللعنة تنص على أن الفتاة ستجرح نفسها وهي تغزل، لتقع في النوم، نوم لا تصحو منه أبدًا، فينوس والتي لم تكن وهبت الفتاة شيئا بعد، قررت أن يكون إنقاذها من اللعنة مسؤوليتها دون أن تعلن كيف.

كان ينبغي على الطفلة أن تتعلم المشي والكلام وأي فردة حذاء تلبسها في كل قدم، وأمور اللياقة وأشياء كثيرة، فلِمَ لمْ يعلمها أحد أن الأقتراب من غزل الكتان خطر؟ لربما كانت ستتجنب حينها تلك الحادثة، للأسف جرحت زيلانديني نفسها في أحد الأيام وتحققت اللعنة، نامت ولم يستطع أحد إيقاظها، أخذها والدها آسفا حزينًا إلي أحد القصور، تركها ورحل.

هنا يظهر «ترويلس»، الأمير ترويلس الذي قابلته زيلانديني قبل الحادثة وأغرما ببعضهما، كان عليه أن يخوض مغامرة ما ويعود، الآن عاد ليجد محبوبته نائمة في قصر لا يستطيع أحد دخوله إلا من خلال نافذة واحدة، ساعده إله الريح «زفير» للدخول، حاول أن يوقظها فلم يفلح، كان ينبغي له كحبيب مخلص أن يفعل كل ما يستطيع كي تفيق، أن يذهب لساحر ليكسر اللعنة، أن يرجو ثيميس لكسر اللعنة، أن يهب روحه للشيطان كأي بطل قصة خرافية طبيعيّ، لكن ترويلس لم يفعل كل هذا، فعل الأسوأ، قام بمعاشرة الأميرة خلال نومها، مبررًا ذلك بأسفه وبأن الرغبة التي زرعتها فينوس فيه كانت أقوى منه، ثم ألبسها خاتمًا ورحل.

حملت زيلانديني وولدت طفًلا، لكن الطفل ذا الأم النائمة لم يعرف كيف يرضع، فبدلًا من أن يمص اللبن من ثديها مص أصبعها والذي كانت قد علقت به قطعة كتان فأخرجها، وهنا استيقظت زيلانديني، بكت وشعرت بالخزي من فقدانها عذريتها، لكن الأميرة لم تنته مصائبها عند هذا الحد، فحتى طفلها حرمت منه بعد أن أختطفه طائر ما، وبينما كانت تبكيه لاحظت الخاتم بأصبعها وعرفت أن ترويلس هو من سلب عذريتها، لتنتهي القصة بعد أن يعود لها ترويلس كي يأخذها إلى ممكلته ليجدها قد استيقظت، وتذهب معه.

تاليا
أما في القرن  السابع عشر فرويت قصة «الشمس، القمر، وتاليا»، وكتبها الإيطالي جيامباتستا باسيل. وفيها أنه عندما ولدت الأميرة تاليا ذهب أبوها الملك إلى حكيم ليتنبأ بمستقبلها، فرأى أن الأميرة ستتعرض لخطر شديد من قطعة كتان، فزِع الملك و أصدر قرارًا بأن تمنع كل مواد النسيج من دخول القصر، وعاش مطمئنا إلى زوال  الخطر، لكن الملك ارتكب الحماقة ذاتها ولم يحذر ابنته، وعندما رأت آلة الغزل أول مرة مع عجوز مارة من أمام القصر، نادتها واستخدمتها، وكانت النتيجة أن نامت الأميرة، حملت تاليا لقصر بعيد وتركها الكل هناك و ذهبوا كي لا يتذكروا المأساة.

اكتشف وجود الأميرة في هذا القصر ملك مملكة مجاورة، كان في رحلة صيد لمكان قريب منه، فسحر بجمالها وللأسف قام باغتصابها في نومها وعاد إلى مملكته متناسيًا أمرها تمامًا، حملت الأميرة وأنجبت طفلين، الشمس والقمر، وكما حدث لزيلانديني مص أحد الطفلين قطعة كتان عالقة بإصبعها، فاستفاقت لتجد نفسها أمًّا، تذكرها الملك بعد فترة وزارها ووعدها أن يأخذها والطفلين معه يومًا ما، وهي بدورها وثقت به.
جيامباتستا باسيل كان قاسيًا جدًا مع بطلته، فهو لم يكتف بجعل بطلته شديدة السلبية والسذاجة، بل تمادى فنكتشف أن بطله الملك متزوج، وزوجته تشك في سفره فتراقبه لتعرف بأمر تاليا، وترسل لتجلب الطفلين دون علم زوجها، تترك الأميرة الساذجة طفليها مع الرسول على أمل أن يعود ليأخذها هي الأخرى كما وعدها حبيبها الملك.

أمرت الزوجة طاهي الملك بأن يقوم بذبح الطفلين وطبخهما، ليقدمهما للملك، لكن الطاهي لم يستطع القيام  بذلك، وذبح خروفين وقدمهما للملك، كان الطهي لذيذًا حقًا، وعندما أعلن الملك عن إعجابه كانت زوجته ترد: «كل، كل، فإنك تأكل مما يخصك»، كررت ذلك حتى غضب الملك وقال أنه يعرف ذلك فإنها لم تجلب شيئًا لهذا المنزل، ترك القصر غاضبًا ورحل لقصر مجاور.

وهنا أرسلت لجلب تاليا، كانت تخطط للانتقام منها بحرقها، لكن قبل أن تضعها في النار حاولت الأميرة أن تشرح أن الخطأ لم يكن أبدًا خطأها، لكنها لم تبال، فطلبت تاليا أن تخلع ملابسها كي لا تحرق، ومع كل قطعة كانت تخلعها كانت تصرخ بشدة حتى جاء الملك، وأنقذها، تعرضت الزوجة للحرق كعقاب على فعلتها، وعرف الملك بأمر الطفلين، وعاشوا جمعيا في سعادة دائما وأبدًا!

كيف لقصة تحوي هذا القدر من المأساة أن تصبح قصة أطفال عذبة، وإحدى أشهر القصص الذي ينتصر فيها الحب وقبلته الأولى على الشر؟ يعود الفضل في هذا لشارل بيرو والأخوان جريم

في 1697 نشرت قصة «الجميلة النائمة في الغابة» لشارل بيرو، لم يطلق بيرو اسمًا على أميرته، ولدت الأميرة بعد محاولات عدة لوالديها للإنجاب، ولذلك قررا إقامة حفلة تعميد للأميرة يعقبها حفلة بالقصر، وأمر الملك أن يجمعوا كل العرّابات الجنّيات للحضور ومباركة الأميرة، وإعطائها هبات، كن سبع جنّيات، صنع لكل واحدة حقيبة من الذهب الخالص تحتوي سكينا، وملعقة، وشوكة أيضًا من الذهب الخالص، فجأة ظهرت جنية ثامنة وقت الاحتفال، كانت عجوزًا وكان الجميع يظنها ميتة، ولذا لم تكن هناك حقيبة ثامنة لها، فغضبت و قررت أن تهدي الطفلة شيئًا سيئًا، سمعتها إحدى الجينات فقررت أن تأتي بعدها وقت الهبات حتى تصلح ما قد تفسده الجنية الغاضبة.

عندما حان وقت الهبات، كانت هبة الجنية الأولى: أن تكون الأميرة أجمل شخص في الكون، والثانية: أن يكون لها رحمة على كل شيء، والثالثة: أن يكون لها روح ملاك، والرابعة: أن ترقص ببراعة ، والخامسة: أن تغني بصوت عندليب، والسادسة: أن تعرف العزف على كل الآلات الموسيقية، والهبة السابعة كانت للجنّية العجوز، التي قررت أن الفتاة سوف تجرح يدها بآلة غزل النسيج وستموت من الجرح، صعق الجميع مما فعلته، ووقتها تدخلت الجنية الأخيرة وقالت أن الأميرة لن تموت من الجرح بل ستنام مئة عام إلى أن يوقظها أمير ما. وكإجراء احترازي تم حظر كل آلات غزل النسيج، لكن عجوزًا لم تسمع بذلك قط، ورأت الفتاة الآلة عندها، وجرحت يديها، فنامت.

استدعى الملك الجنية التي خففت اللعنة كي تساعدهم، فاقترحت أن الفتاة عندما تصحو ينبغي ألا تجد نفسها وحيدة، فجعلت كل من في القصر ينامون عدا الملك والملكة، كل شيء حتى النيران والشجر، ودّع الوالدان ابنتهما وتركاها، ولمزيد من الحماية أنمت الجنية الشجر حول القلعة ولم يعد يظهر منها سوى قمة برج.

بعد مئة عام جاء الأمير المنتظر، من نسل ملوك غير الملك والد الأميرة، وبينما كان يصطاد في الغابة رأى قمة البرج وسأل عنه، اختلفت الأقاويل عن البرج، بعضها كانت حكايات مخيفة، إلى أن حكى له رجل عن حكاية الأميرة النائمة التي تنتظر أميرها، فذهب إليها، دخل من مدخل في الغابة، والذي أغلق خلفه، ولم يستطع أحد الدخول سواه، دخل القصر ووجد كل ما فيه نائم، دخل الغرف حتى وصل لغرفة الأميرة، ذهب جمالها بعقله و قلبه، سحر تماما وجلس جاثيا على ركبتيه بجوارها، فاستيقظت واستقيظ القصر جميعا. أغرما ببعضهما تماما، وجلسا يتحدثان لأربع ساعات كاملة، ليتزوجا على «وعاشا بسعادة دائما وأبدا»، ربما لتكون هذه أكثر النهايات المنطقية للحكاية العذبة، لكن بيرو أبى إلا يجعل لها جانبًا مظلمًا كالحكايات السابقة.

في اليوم التالي لزواجهما كان على الأمير أن يعود لقصر أبيه الملك، أخبر والديه أنه فقد طريقه في الغابة و نام في منجم فحم، بعد عدة زيارات مماثلة بدأت أمه الملكة تشك بأن الأمير متزوج، كان قد مر عامان على ذلك ومات الملك الأب، فاضطر الأمير الذي أصبح ملكًا لإعلان زواجه، وجاءت الأميرة مع طفليه الصباح والنهار للعيش معه، الملكة الأم كانت غولة وكرهت الأميرة وطفليها، لذا استغلت وجود الملك في الحرب وأرسلت الأميرة لقصر آخر، واستدعت الطاهي، قالت بأنها تريد أن تتناول الطفلة «الصباح» على العشاء وإلا قتلته، لم يستطع فعلها وقدم لها خروفًا بصلصة لم تتذوق مثلها قبلا، وأخذ الطفلة لمنزله، أيام أخرى وطلبت أن تتناول الطفل  «النهار» على العشاء، وهنا ذبح خروفًا آخر، وبعد ليالي طلبت الأميرة كوجبة، هنا وقع الطاهي في ورطة، فاعترف لها، أرادت الأميرة الموت بعد موت ولديها لكنه أخبرها بأنهم في منزله.
لم يكن الملك قد عاد بعد عندما سمعت الملكة الأم صوت الأميرة وطفليها، فقررت أن تقتلهم بجمع الأفاعي والثعابين ورميهم، لكن الملك قد وصل بعد، فرمت الملكة نفسها وماتت، وعاش الناجون في سعادة دائمًا وأبدًا.

وعندما روى الأخوان جريم القصة التي ستحمل اسم «بريير-روز الصغيرة» عام 1812 توقفا عند النصف الأول العذب، وكذلك فعلت ديزني، البدايات تشبه قصة شارل بيرو فيما عدد عدد الجينات والهدايا المقدمة، وفيها عندما أصبحت الأميرة التي  اسمها هنا بريير-روز في الخامسة عشر، وبينما كانت تتجول في القصر دخلت غرفة قديمة في برج مهجور لتجد آلة الغزل وتجرح يديها، فتنام، وينام معها كل ما في القصر، وظل الأمراء يأتون لإنقاذ بريير-روز الجميلة والقصر أعوامًا، لكنهم جميعا لقوا حتفهم وهم يحاولون الدخول، حتى مرت مئة عام ليأتي الأمير المنتظر، ويدخل حيث تنام الفتاة، فقط يقبلها، قبلة الحب الحقيقي الشهيرة، لتستيقظ.

*الصورة المرفقة هي جزء من لوحة «الجميلة النائمة» جون مالير كولير 1921

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية