معلومات مصورة | نفايات المدينة: ما وراء الرائحة والمظهر

الأربعاء 28 تشرين الأول 2015

تصميم حسام دعنة

بمجرد سيرنا في شوارع محافظات مختلفة في الأردن، أو في أحياء مختلفة من عمّان، نستطيع أن نرى فروقات واضحة بين نظافة شارع وآخر. قد تترك هذه الصور انطباعات عن منطقة معيّنة تساهم في خلق صور نمطيّة سطحيّة عن سكانها، إلّا أن لمدى نظافة منطقة ما أبعادًا بنيوية أعمق بكثير مما نراه.

عند النظر في الموارد التي توفرها الدولة لعملية النظافة في مناطق مختلفة من الأردن، قد تظهر لدينا أنماط تفسر الفروقات سابقة الذكر.

ما الذي يحدد نظافة منطقة ما؟

تقوم على عملية النظافة وجمع النفايات في المملكة وزارة الشؤون البلدية المشرفة على جميع المُحافظات بالإضافة إلى ثمان بلديات في العاصمة. أمّا أمانة عمّان الكبرى التابعة لرئاسة الوزراء، فتُنظّم 22 منطقة في العاصمة.

أحد أهم العوامل وأكثرها بداهة هو عدد عمال النظافة في كل منطقة. لكن العدد لا يعكس بالضرورة صورة دقيقة حول الموارد المسخّرة لنظافة المنطقة، فأداء هؤلاء العمال يرتبط بحجم العمل المناط بهم، أي كمية النفايات التي تنتجها كل منطقة، وهو ما يرتبط جزئيًا بعدد سكان المنطقة.

فمثلًا بالرغم من أن عدد السكان في منطقة النصر أكثر من عدد سكان وادي السير إلّا أنّ عدد العمّال يزيد بـ60 عامل في وادي السير. وهذا لأنّ انتاج النفايات اليومي لوادي السير أكثر بكثير من منطقة النصر.

الرسمان البيانيان أدناه يوضحان إنتاج النفايات يوميًا في مجموعة من أحياء عمّان، ونسبة العمال في تلك الأحياء ممثلة بعدد السكان مقابل كل عامل نظافة.

النفايات جديد-03

النفايات جديد-01

إلى جانب هذين العاملين، فإن نوعية النفايات المستخرجة تؤثر كذلك على أداء الكادر. ففي منطقة المدينة وهي منطقة صغيرة وسط عمان ذات عدد سكان قليل، نجد أنّ عدد العمال أكثر من منطقة زهران رغم عدد سكانها الأكبر وإنتاجيتها الكثيفة للنفايات. والسبب في ذلك، نسبة ليوسف الدلابيح، المدير التنفيذي للبيئة في أمانة عمّان، هو أنّ عملية جمع النفايات في الوسط التجاري تتطلب جهدًا أكثر من الجمع في مناطق سكنية حتّى وإن لم ينعكس ذلك في وزن الإنتاج. فبحسب قوله إنّ الحصول على واحد طن من الكرتون يتطلب جهدًا أكبر ووقتًا أكثر من الحصول على الوزن ذاته من نفايات منزلية.

من جهة أخرى، فإن عاملًا مهمًا في الكفاءة في الحفاظ على النظافة يتمثل في عدد الآليات والمعدات المستخدمة في إدارة النفايات. الخريطة التالية توّضح نسبة عدد السكان لعدد الآليات في كل من المحافظات، باستثناء العقبة، التي تعذر الوصول للعدد الكامل لآلياتها.

Print

وتشمل الآليات المُخصصة لإدارة النفايات في المحافظات (باستثناء العاصمة)، الكابسات، والضاغطات والقلّابات، أمّا آليات العاصمة تضم أنواعًا أخرى كاللودر، ورافعة الحاويات.

يعتمد تفاوت الآليات في محافظات الأردن على قدرة واستعداد كل بلدية على توفير المعطيات اللازمة لقطاع البيئة والنظافة.  محمد الخشاشنة، مدير إدارة المواد الخطرة والنفايات في وزارة البيئة، يؤكد أنّ نوعيّة الآليات وحداثتها ثوابت تؤثر على أداء البلديّة. فيقول أنّ «أمانة عمان تُعتبر بلدية غنية لا تقارن بالبلديات البعيدة عن عمان. لقد اشترت أمانة عمان آليات بحوالي 10 ملايين دينار خلال السنتين الماضيين (..) بينما لم تُضف أيّة آلية إلى أسطول مدينة إربد، على سبيل المثال، منذ 2006، أو 2008 رغم أنّ سكان إربد ازدادوا مع اللّجوء السوري».

في المقابل ينوّه حسين مهيدات مدير المجالس المحلية في وزراة الشؤون البلديّة إلى أن مستوى الإدارة يلعب كذلك دورًا هامًا في أدائها في مجال النظافة. يقول مهيدات إنّ: «عملية جمع النفايات تعتمد على الإدارة المحليّة للبلدية وهذا يختلف من بلدية لأخرى، فنجد مستوى النظافة في بلدية ما عاليًا جدًا، وفي بلدية أخرى لها نفس الإمكانيات لكن لا نجد فيها إدارة رشيدة ولذلك يكون مستوى النظافة متدني».

ويعتقد الخشاشنة أنّ الحلّ للتقليل من حجم هذه الفجوة بين المحافظات يبدأ من تشكيل تنظيم هيكلي جديد يحتوي على جسم مؤسسي مُختص بإدارة النفايات. فما زالت إدارة النفايات في الكثير من البلديّات تتبع إلى جهات غير مختصة كإدارة العمليّات أو غيرها. ويضيف الخشاشنة أن تحسين القطاع يتطلب كذلك بناء قدرات المُوظفين من خلال توعيتهم ودمجهم في المجال، وتحسين البنية التحتيّة من حيث هندسة المكبّات، وتطوير الإطار التشريعي لتحفيز البلديّات على الاستثمار.

أين تذهب النفايات بعد الحاوية؟

بعد جمع النفايات من الحاويات، يتم نقلها إلى محطّات تحويليّة تهدف إلى تخفيض كلفة النقل من خلال توفير محطة وسيطة قد تكون أقرب من المكبات بالنسبة إلى بعض المناطق. وتدير وزارة شؤون البلديات سبع محطّات في المملكة، ثلاث محطات في إربد، وواحدة في الأغوار الشمالية، وواحدة في لواء الكورة، واحدة في عجلون، والأخيرة في الشوبك.

بعد ذلك يتم نقل النفايات من المحطات إلى أحد المكبّات الـ17 العاملة والتي تتولى وزارة الشؤون البلدية إدارتها، باستثناء مكبّ الغباوي التّابع لأمانة عمّان. ويجدر الذكر أنّه يوجد خمسة مكبّات مغلقة في الأردن.

يستقبل مكبّ الغباوي، وهو أكبر مكب في الأردن، حوالي 3000 طن يوميًّا من عمّان، الرّصيفة والزرقاء. ويُعتبر الغباوي المكبّ المُهندس الوحيد في المملكة أيّ أنّه يحتوي على خلايا مغطاة بمادّة الإيثيلين تمنع عصارة النفايات من التسرّب إلى المياه الجوفيّة التي يعتمد الأردن عليها في الشرب والريّ.

وفي محاولة لاستخلاص الطاقة من النفايات، أنشأت أمانة عمان الكبرى بتمويل من شركة الغاز الحيوي الأردنية وشركة توليد الكهرباء، مصنع غاز حيوي وتوليد طاقة في مكبّ الرصّيفة الذي أغلق عام 2002، بحيث يتم جمع غاز الميثان الصادر من التحلل اللاهوائي للنفايات العضويّة، واستخدامه لتوليد 1 ميغاوات/ساعة.

وفي السّياق ذاته، مولّت الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية عام 2009 مشروعًا تجريبيًا لغايات دراسة الجدوى الاقتصادية من إنتاج الغاز الحيوي في مكب الأكيدر، ثاني أكبر مكب في الأردن، ولكنه فشل إثر الانتهاكات والحرائق والتشققات التي تعرّض لها المكبّ، بحسب مهيدات.

يرى باسل برقان رئيس جمعيّة أصدقاء البيئة، أنّ توّلي القطاع الخاصّ لمسألة معالجة النفايات أفضل من تولّيها من قبل الحكومة، ولكنّه يشدّد على ضرورة دعم القطاع العام للشركات المعنيّة. وهذا ما يؤكده الخشاشنة. «الحكومة هدفها دائمًا التّوظيف حتّى وإن كان توظيفًا مُقنّعًا، أمّا القطاع الخاص فينظر إلى الأمر بطريقة استثماريّة»، يقول برقان الّذي لا يثق بالتدبير الحكومي الإداري في مجال الصناعة.

ويعتقد برقان أنّ الأسباب التي تُعيق تطوّر قطاع معالجة النفايات في الأردن هي جهل المواطن، وغياب القوانين الرادعة. «الناس تجهل أنّ النفايات لها قيمة عالية جدًا. [يعتقدون أنّها مُخلّفات قذرة لا غير] … مواطننا لا مبال، و غير مُكترث… وحتّى إن تواجدت القوانين الرادعة فهي لا تُطبّق».

من جهته، يعتقد مهيدات أنّ غياب خطة وطنية قد عرقل التقدّم في مجال معالجة النفايات، ولذلك يضع مهيدات آماله بالاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة والتي سيُعلن عنها عن قريب بعدما أٌقرّت من مجلس الوزراء في شهر أيلول. وتهدف الاستراتيجية التابعة لوزارة الشؤون البلدية إلى أن توقِف العمل بجميع المكبّات غير الهندسية والانتقال إلى مكبّات صحية 100% بحلول عام 2024.

* الصورة أعلاه بعدسة عامر سويدان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية