الإعلام المجتمعي في الأردن: صوت من لا صوت لهم

الأحد 03 كانون الثاني 2016

قبل نحو عشرة أعوام، بدأ مفهوم الإعلام المجتمعي ينتشر في الأردن، وذلك مع انطلاق راديو البلد على شبكة الإنترنت ثم على أثير الإف إم. وفي عام 2006 عقد الاتحاد العالمي للإذاعات المجتمعية مؤتمرًا له في عمان، تلاه سلسلة من المؤتمرات المحلية والإقليمية للإذاعات المجتمعية.

خلال شهر كانون الأول الماضي أعلنت منظمة اليونسكو عن توجهها لدعم إنشاء إذاعات مجتمعية في الأردن، ودعت الراغبين إلى تقديم اقتراحات للنظر في دعمها. وخلال مؤتمر «أصواتنا» الإقليمي الرابع للإذاعات المجتمعية في شباط 2014 أعلن مدير هيئة الإعلام، أمجد القاضي، عن وجود ثمان إذاعات مجتمعية في الأردن، في حينها. وهي حاليًا 11 إذاعة مجتمعية، وفقًا لأحدث تصريحات الهيئة.

لكن مع مضي كل هذه الأعوام، ومع كل هذه النشاطات، إلا أن مفهوم الإعلام المجتمعي لا يزال ملتبسًا، وغير واضح المعالم، وربما يعود هذا اللبس إلى أسباب سياسية، أكثر مما يعود إلى عدم معرفة وسوء فهم.

إذن ما هو الإعلام المجتمعي؟ وما الفرق بينه وبين وسائل الإعلام الأخرى؟ وهل هو محصور في الإذاعات فقط؟ وما هو واقع هذا الإعلام في الأردن؟ هل يوجد لدينا إعلام مجتمعي حقًا؟

ما هو الإعلام المجتمعي؟

تشير الكثير من «التعريفات» المنتشرة على شبكة الإنترنت، على مواقع رسمية، كموقع الاتحاد العالمي للإذاعات المجتمعية (أمارك)، أو غير الرسمية كموقع ويكبيديا، إلى أن هذا النوع من الإعلام ظهر في ستينيات القرن الماضي، عندما لاحظ نشطاء من أقليات عرقية تجاهل وسائل الإعلام العامة لقضاياهم وثقافتهم، وخاصة موسيقاهم، فبدأوا بإنشاء إذاعات محلية خاصة تبث هذه الموسيقى، لتتطور هذه الإذاعات لاحقًا في مضمونها وطريقة إداراتها وتمويلها، وتنتهي إلى ما بات يعرف الآن عنها بصفتها «إذاعات مجتمعية».

إذن، وبدون الوقوع في التعريف المدرسي، يمكن القول أن الإعلام المجتمعي هو وسيلة إعلامية تعنى أولًا بهموم وقضايا منطقة محددة، كأن نقول إذاعة صوت الكرك أو صحيفة «هنا الزرقاء» أو موقع «البلقاء نت»، أو إنها تعنى بقضايا أو جماعات عرقية معينة، أو فئة كالمرأة أو الشباب، كإذاعة «فرح الناس» في الأردن، التي تعنى بقضايا النساء والشباب، دون أن تصل، بالطبع، إلى الشكل «الكلاسيكي» الذي أصبح عليه الإعلام المجتمعي في العالم، كما سنرى.

لا يكفي أن يكون هذا الإعلام مهتمًا بقضايا منطقة أو فئة ما كي يصبح إعلامًا مجتمعيًا، فبالنسبة للعاملين والمهتمين بهذا الإعلام لا بد من توفر شروط أخرى كي تصبح وسيلة إعلام ما وسيلة مجتمعية.

ولا شك أن بداية هذا الإعلام من الإذاعات، وظهور اتحاد لها، قد أظهره وكأنه إعلام محصور بالراديو، لكنه ليس كذلك، فالإعلام المجتمعي يمكن أن يستخدم أي وسائل أخرى مرئية ومسموعة ومقروءة. ويشترط لاعتبار وسيلة ما وسيلة أعلام مجتمعي توفر عدد من الشروط، على رأسها: أولا، ملكية وتمويل أي وسيلة إعلام مجتمعي يجب أن تكون من المجتمع المحلي أو الفئة المعنية نفسها، وتدار من قبل إدارات منتخبة ديمقراطيًا، إذ أن هذا النوع من الإعلام تطور بتطور دمقرطة المجتمعات والدول، ويعكس التعدد في المجتمع، ويتيح للفئات والأقليات حقها في تغطية إعلامية متوازنة.

ولقد أصبح شائعًا في أنحاء مختلفة من العالم أن وسائل الإعلام المجتمعية هذه صارت تدار من قبل منظمات المجتمع المدني. كأن يكون لاتحاد المرأة وسيلة إعلامية تعنى بشؤون المرأة…إلخ.

وفي العادة يتم تمويل هذه الوسائل من المجتمعات المحلية والفئات المعنية، ولا ينبغي لها أن تكون وسائل ربحية، وهذا ما يميزها عن وسائل الإعلام التجارية، أو حتى المستقلة، التي يمكن أن يكون لها هدف ربحي يساعد الصحفيين الذين عملوا على تأسيسها، على تدبير شؤون حياتهم.

ثانيًا، على مضمون وسيلة الإعلام المجتمعي أن يكون مكرسًا لخدمة المجتمع المحلي أو مجتمع الاهتمام المعني، يتناول في التغطية والاهتمام والتحليل شؤون هذه المجتمعات، ويتم إنتاجه من قبل أفراد من هذه المجتمعات، وبشكل تطوعي غالبًا. وفي المجمل، فإن وسيلة الإعلام المجتمعية هي التي تكون منطلقة من مجتمع محلي أو مجتمع اهتمام (نساء، أطفال، معاقين..إلخ)، تشارك هذه المجتمعات ديمقراطيًا في إدارته وتمويله وإنتاج مضمونه ويهدف، أولًا وأخيرًا، إلى خدمة هذه المجتمعات.

وبهذا المعنى فإن الإعلام المجتمعي يختلف كليًا عن مفهوم الإعلام الإجتماعي، أي إعلام شبكات التواصل الإجتماعي، كفيسبوك وتوتير وغيرها، والتي قد تكون مفيدة للإعلام المجتمعي، لكنها ليست ذات الشيء، ويختلف أيضًا عن وسائل الإعلام العامة والحكومية، التي تعنى بمضمون عام على مستوى الوطن أو الإقليم أو العالم، ويختلف عن الإعلام الخاص الذي يهدف غالبًا إلى الربح وليس شرطًا أن يكون هدفها خدمة المجتمعات، إنما وسيلة إخبار عامة.

الإعلام المجتمعي في الأردن: الواقع والإمكانات

هل يمكن التحدث عن إعلام مجتمعي في الأردن، في ضوء ما وصل إليه هذا الإعلام في العالم؟

رغم تصريحات هيئة الإعلام عن وجود 11 إذاعة مجتمعية في الأردن، إلا أن واقع الحال يشير إلى غياب لنموذج واضح من هذا الإعلام المهم جدًا، خاصة في ضوء الحديث الدائم عن الإعلام التنموي، وتهميش المحافظات، واللامركزية، والتغطيات غير الكافية لشؤون الفئات «المستضعفة» من قبل وسائل الإعلام العامة.

في الواقع هناك عدد لا بأس به من وسائل الإعلام المحلية، التي تتشارك بعض سمات الإعلام المجتمعي، خاصة من ناحية المضمون واستهداف فئة ما أو منطقة ما، أو في بعض أشكال الإدارة، لكنها لم ترتق بعد إلى أن تكون مجتمعية.

قد تعتبر إذاعة عمان نت التي انطلقت على شبكة الإنترنت في عام 2000 بدعم من اليونسكو، والتي تغير اسمها إلى راديو البلد، أول محاولة جادة لإنشاء وسيلة إعلام مجتمعية. فهذه الإذاعة التي بدأت بثها على الموجة القصيرة عام 2005، بعد حصولها على ترخيص بموجب قانون المرئي والمسموع الذي سمح إقراره بتأسيس عدد كبير من الإذاعات في الأردن، كانت من ناحية المضمون موجهة لخدمة سكان العاصمة، وامتلكت سياسة تحريرية سمحت لعدد كبير من المتطوعين بتقديم برامج «خدمية»، ولا تزال بعض هذه البرامج تذاع إلى الآن. كما تدار الإذاعة من قبل «شبكة الإعلام المجتمعي».

لكن راديو البلد، ورغم أنه يمتلك «نادي الأصدقاء»، وهو مجموعة تطوعية موالية للإذاعة، يسهم في إنتاج بعض البرامج التطوعية، إلا أنه بات يعتمد بشكل أساسي على عدد من الصحفيين المحترفين، مع تراجع ملحوظ في نسبة البرامج التطوعية والخدمية.

ومع ذلك، فإن الإذاعة، أو شبكة الإعلام المجتمعي، ساهمت، ولا تزال تساهم في نشر، مفهوم الإعلام المجتمعي، سواء من خلال تنظيمها لمؤتمر اتحاد الإذاعات المجتمعية العالمي أو الإقليمي أو من خلال مساهمتها في إنشاء إذاعات «مجتمعية» في المحافظات، وتدريب عدد كبير من المواطنين واللاجئين السوريين وقبلهم العراقيين، على مفاهيم «المواطن الصحفي».

مع إقرار قانون المرئي والمسموع عام 2002، واهتمام عدد من المنظمات الدولية بالإعلام المجتمعي، أمكن إنشاء عدد من الإذاعات المجتمعية، مثل يرموك إف.إم في جامعة اليرموك في إربد، وصوت الكرك في جامعة مؤتة، وصوت الجنوب في جامعة الحسين (معان)، وإذاعة جامعة الطفيلة التقنية وإذاعة الجامعة الاردنية، وهوا عمان التابعة لأمانة عمان، وإذاعة بلدية الزرقاء التابعة للبلدية، وصوت العقبة التابعة لسلطة منطقة العقبة الخاصة، وإذاعة «فرح الناس» التابعة لمعهد الملكة زين الشرف التنموي.

بقليل من التنازل عن مفهوم الإعلام المجتمعي، يمكن اعتبار كل الإذاعات السابقة، بما فيها «راديو البلد»، وسائل تمتلك سمات مشتركة مع مفهوم الإعلام المجتمعي، من حيث كونها أولا تهتم بمجتمعات معينة، كأن تكون مناطقية :الكرك، الطفيلة، معان، عمان، أو مجتمع إهتمام، طلاب أو نساء وشباب كما هو الحال مع إذاعة فرح الناس.

كما أن لأغلب هذه الإذاعات مجالس إدارة من المجتمع المحلي نفسه، ويشارك بعض المتطوعين في إنتاج برامجها، وتتلقى التمويل من الجامعات والدعم من منظمات دولية ولا تهدف إلى الربح، ويساهم بعضها في تدريب أفراد من هذه المجتمعات على العمل الصحفي، كما تتسم برامجها بخدمة مجتمعاتها.

الحديث عن تطوير وسائل إعلام مجتمعية في الأردن، ليس ترفًا بل هو ضرورة، إذ أن هذا الإعلام، ساهم ويسهم في تطوير الديمقراطية، سواء من خلال منح المواطن صوتًا، أو عبر الاهتمام بالجماعات التي لا تحظى بتغطية كافية

غير أن الإذاعة التي كان مأمولًا لها أن تكون وسيلة إعلام مجتمعية بالكامل، هي إذاعة صوت الأغوار التي تبث على شبكة الإنترنت، وواجهت عوائق بيروقراطية وقانونية كبيرة، لم تسمح لها بالانتقال للبث على الموجة القصيرة، كما يقول فتحي الهويمل، رئيس جمعية التأهيل المجتمعي في غور الصافي ومدير الإذاعة. فهذه الإذاعة مملوكة وتدار من قبل منظمة مجتمع مدني محلية في الأغوار، وبرامجها خدمية يساهم المجتمع المحلي في إنتاجها، وتمول من قبل المجتمع نفسه وبدعم من منظمات الدولية.

ولعل العائق القانوني، هو أول ما يواجه تطوير وسائل إعلام مجتمعية، كما يشير تقرير سابق نشر على حبر. فقانون المرئي والمسموع لعام 2000 لا يقر بحق منظمات المجتمع المدني امتلاك وسائل إعلام خاصة بها، ويشترط أن تكون مالكة الوسيلة شركة مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، ما يفقدها طابعها المجتمعي، فالشركة مملوكة بالكامل لأفراد يحق لهم التصرف برأسمال ومقتنيات الشركة.

على أن وسائل الإعلام المجتمعي في الأردن، أو القريبة من هذا المفهوم، لا تقتصر على الإذاعات وحسب، بل أن هناك وسائل أخرى منها صحيفة وموقع «هنا الزرقاء»، التي تدار من قبل شبكة الإعلام المجتمعي ومشروع تمكين «نساء الزرقاء»، وهي صحيفة تهدف إلى خدمة مجتمع الزرقاء وخاصة النساء، وأغلب مضمونها منتج من قبل موطنات تم تدريبهن على العمل الصحفي.

سمح انتشار شبكة الإنترنت في الأردن، بإطلاق عدد كبير من المواقع الإلكترونية المناطقية، التي تتشارك والإعلام المجتمعي بسمات مهمة، وتحديدًا في مجال الاهتمام وخدمة جمهور منطقة محددة، وكان من بين هذه المواقع «الزرقاء نيوز» و«قلعة عجلون» و«البلقاء نت» و«العقبة الاخباري»، لكن تم حجب أغلب هذه المواقع بناء على قرار من هيئة الإعلام تطبيقا لتعديلات قانون المطبوعات والنشر الذي فرض شروط ترخيص لم تتمكن هذه المواقع من تلبيتها، وهذا ما يؤكد العائق القانوني أمام تطور الإعلام المجتمعي.

على أنه لا تخلو وسائل الإعلام في الأردن، بما فيها التقليدية، من بعض سمات الإعلام المجتمعي، على الأقل في المضمون، فتلفزيون «عرمرم» على شبكة الإنترنت، يحتوي على برامج كثيرة تستهدف مجتمعات إهتمام، مثل المرأة أو الشباب أو البيئة، وقناة رؤيا لديها برامج تعنى بقضايا الشباب والعمل، وحتى صحيفة «الرأي» لديها ملحق للشباب.

وسائل الإعلام المجتمعية في الأردن

تشير هيئة الإعلام الى وجود 11 إذاعة مجتمعية، من بين 38 إذاعة، منها 25 إذاعة خاصة و13 إذاعة عامة. ومن بين 19 فضائية أردنية، لا توجد أي فضائية مجتمعية. وفيما توجد عشر صحف يومية، 15 أسبوعية، اثنتان شهرية وواحدة سنوية، ولا توجد غير صحيفة مجتمعية واحدة هي «هنا الزرقاء» والتي تصدر بشكل نصف شهري. ومن بين 227 موقع إلكتروني إخباري مرخص و213 موقع متخصص، بقيت قلة قليلة من المواقع المجتمعية أو المحلية التي تخدم مدن، قرى أو محافظات معينة، كانت تقدر بنحو عشرة مواقع لكن حجبت هيئة الإعلام عددًا منها لعدم قدرة هذه المواقع على تلبية شروط الترخيص، وتحديدًا شرط كون رئيس التحرير عضوًا في نقابة صحفيين لأكثر من أربع سنوات. ومنها مواقع سجلت كمتخصصة فأصبحت الآن مهددة بالحجب لأنها تنشر أخبارا سياسية خلافًا لتعريف الهيئة للموقع المتخصص.

               العلام في الاردن-02                        الإعلام في الاردن-01

في المجمل، فإن الحديث عن تطوير وسائل إعلام مجتمعية في الأردن، ليس ترفًا بل هو ضرورة، إذ أن هذا الإعلام، ساهم ويسهم في تطوير الديمقراطية، سواء من خلال منح المواطن صوتًا، أو عبر الاهتمام بالجماعات التي لا تحظى بتغطية كافية، وعبر إبراز وعكس التنوع والتعدد في المجتمع، فهو إعلام يسد الثغرة الكبيرة في تغطيات وسائل الإعلام التقليدية التي لا تعطي، عادة، اهتماما كافيا لخدمة الجمهور أو لمناطق وفئات محددة، كما يتيح للمواطن نفسه تحديد اهتماماته وأولوياته وحتى أجندات المضمون، ويساهم في إنتاج هذا المضمون وفي إدارة هذه الوسائل بشكل ديمقراطي.

والأردن وهو مقدم على الإنتخابات النيابية والبلدية وإقرار قانون اللامركزية، ومع تراجع وسائل الإعلام الورقية خاصة، يحتاج إلى تسهيل إقامة وسائل إعلام مجتمعية، سواء من خلال تعديل القانونين والتشريعات أو تبسيط إجراءات الترخيص وتشجيع منظمات المجتمع المدني على امتلاك أصواتها الخاصة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية