رأي

هل تخرج داعش حقًا من مدارسنا؟

الأربعاء 11 تشرين الثاني 2015

في محاولات لفهم وتحليل الأسباب التي تدفع الشباب للالتحاق بالجماعات الإسلامية المتطرفة، ظهرت أصوات عديدةٌ مؤخرًا تلقي اللوم على المناهج الدراسية كسبب رئيسي في إعلاء الفكر المتطرف في الأردن. وقد ظهرت هذه الأصوات على شكل دراسات وبحوث بالإضافة إلى العديد من المقالات والمواد الصحفية التي سعت لإثبات هذه النظرية، محاولات لا أراها إلا بعيدة عن أرض الواقع ولا تعطي القضيّة حقّها.

غالبية من كتب في هذا الشأن درسوا المناهج الأردنية خلال فترة تعليمهم الأساسيّ والثانويّ لهم وحالي كحالهم، فلماذا لم نتحول إلى دواعش جميعًا؟ ألم نتعرّض جميعًا للمناهج التي تدرّس في المدارس الأردنية؟ لقد تعرضنا لذات التجربة التي يتم إرجاع التطرف لها، لكن لم يكن لهذه المناهج الأثر الموحد على الجميع بسبب اختلاف الظروف من جهة، ومن لحاجة التطرف إلى ما هو أكبر من النصوص والمناهج كي ينمو ويزدهر.

إرجاع سبب تنامي الفكر المتطرف للمناهج الدراسية هو تفسير «هيجلي»  يعتبر أن الوعي يسبق المادة، وعليه فإن المناهج والتعاليم والنصوص الدينية هي التي خلقت تطرّفًا لدى الأشخاص الملتحقين بداعش، لكن الحقيقة غير ذلك، فالكثير من الملتحقين بداعش ليسوا مطّلعين بما فيه الكفاية على التعاليم الدينية ولم تكن النصوص الدينية في الكتب المدرسية كافية لخلق هذا التطرف والوعي المتشدد لديهم.

من المجحف أن يُلقى اللوم على المناهج الدراسية دون النظر إلى قضايا الفقر والبطالة التي تشير أرقام منظمة العمل الدولية إلى بلوغها نسبة 30%

الواقع يتحدث عن أمر مختلف عن التفسير الهيجليّ، فبالنظر إلى أسماء القتلى الأردنيين في سوريا نجد أن أغلبهم يتمركزون في كل من معان والزرقاء ومخيم إربد وحي نزّال في عمّان، فلماذا تأثر هؤلاء بالنصوص الموجودة في الكتب الدراسية أكثر من غيرهم؟ وما هي الروابط بين تلك المناطق سوى أنها جيوب فقر وتهميش وحرمان، تتعامل الدولة معها على أنها خارج حدود الوطن؟

من المجحف أن يُلقى اللوم على المناهج الدراسية دون النظر إلى قضايا الفقر والبطالة التي تشير أرقام منظمة العمل الدولية إلى بلوغها نسبة 30%، ولذا أصبحت التيارات المتطرفة مكانًا لتفريغ الضغوطات التي تخلقها الأزمات الاقتصادية، والمناهج الدراسية ليست وحدها المسؤولة عن تهميش الشباب الذي عزز شعورهم بأنهم بلا قيمة أو تأثير في مجتمعاتهم، ليبحث الشباب بعدها عن ذاتهم في مكان يعلي من قيمة الفرد داخل الجماعة.

لم يكن الكثير من الشباب الذين خرجوا مع التيارات المتطرفة يفكرون بهذا الخيار عام 2011 عند بداية «الربيع العربي»، لكن مع زوال الربيع واختفاء الإيمان بقدرة الإصلاح السلمي والمشاركة السياسية على التغيير، حل السلاح سريعًا مكان كل القناعات الأخرى كوسيلة للتغيير ورد الاعتبار.

الاقتباسات الموجودة في الكتب المدرسية ليست هي الأجزاء المتطرفة الوحيدة في الدين الإسلامي، مع ذلك لم يكن أي من أصحاب نظرية التطرف في المناهج واضحًا بقضية احتواء الدين ذات نفسه على التطرف، حيث اكتفوا بالهجوم على بعض الدروس في كتب التعليم دون التطرق إلى ضرورة إعادة النظر بالمفهوم الديني أو إعادة صياغة الخطاب الديني إلى جانب السعي لتغيير الواقع الذي منح الفكر المتطرف الظروف الملائمة ليتكاثر فيها.

المناهج ليست مسؤولة عن فتح الحدود أمام الشباب الأردني للذهاب إلى سوريا، ضمن ما يعرف بالتخلص من المتطرفين عبر تسهيل خروجهم إلى سوريا ليموتوا في «محرقة السلفيين»، إنما هي مسؤولية الدولة التي تتفاخر بتقديم المعلومات الاستخباراتية لقوات التحالف. وإن كانت هذه الاستخبارات قادرة على اختراق داعش، فمن باب أولى أن تعلم عن كل شخص خرج من البلاد ليلتحق بالتنظيمات المتطرفة، ومع ذلك لم يتم منعه ولم يتم التعامل مع الأمر بجدّية على الرغم من تجاوز أعداد المقاتلين الأردنيين في سوريا أكثر من 3000 شخص وفقًا لأرقام التيار السلفي الجهادي في الأردن.

المناهج لم تكن السبب بخلق ظروف مناسبة لتنامي الفكر المتطرف في العديد من الحواضن على مستوى الأردن، تلك التي تتقاسم فيما بينها ظروف انعدام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانغلاق الأفق السياسي والسلطوية، وانتشار الظلم والفساد.

بالنسبة للنخب السياسية التي هاجمت المناهج، فإن الحل هو دولة مدينة ديمقراطية. لكن لا أحد يسأل هذه النخب أين كانت هذه الدولة عندما كانوا في موقع المسؤولية.

على العموم، فإن الحكومة لم تعدّل المناهج ولم تجد حلولًا اقتصادية أو اجتماعية للمشكلة، وذهبت تجاه الحلول الأمنية في وجه المناصرين لداعش، مما أدى إلى تضخيم الإشكالية وتسليط الضوء عليها وجعلها أكثر بريقًا وجذبًا للكثير من الشباب. وفي حال كانت الدولة الأردنية جادة في البحث عن الحل، فإنها لن تجده حتى يتم الاعتراف بالمشكلة من جميع جوانبها، دون أن يتم تسطيحها في محاولة للهرب من الأزمة الحقيقية تجاه أسباب ثانوية لم يكن لها أن تحمل هذا التأثير لو حلّت العقدة الرئيسية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية