الهرب من المشنقة: إسقاط الحق الشخصي في قضايا الإعدام

الهرب من المشنقة: إسقاط الحق الشخصي في قضايا الإعدام

الأحد 11 تشرين الأول 2015

تقرير عز الدين الناطور

فيديو محمد حجازي، تصميم حسام دعنة

لم يكن يوم الواحد والعشرين من شهر كانون الأوّل عام 2014 يومًا سهلًا على عائلة المحكومة بالإعدام صباح قطيشات. وقتها اعتقدت عائلة صباح أن الدولة نفذت فيها حكم الإعدام بعد أن قيل لهم إنها من بين الأحد عشر مدانًا الذين أعدموا فجر ذلك اليوم.

يقول أنس، ابن صباح، «كان يومًا صعبًا. قالوا لنا وسمعنا بالأخبار إنه في سيدة من بين الناس اللي أعدموهم، فكرنا إنها إمي وقتها، وحاولنا نتصل فيها أو نصل إلها، بس ما قدرنا، وما اتطمنّا عليها إلا بعد ما نشروا أسماء المعدومين».

هذا الموقف التي وجد أنس وأخوته أنفسهم فيه جدّد من رغبتهم وسعيهم لتخليص والدتهم من حبل المشنقة، عبر محاولة تحقيق صلح يفضي إلى إسقاط عقوبة الإعدام عنها واستبدالها بالسجن. عائلة صباح لم تكن الوحيدة التي سعت لإسقاط الحق الشخصي والحصول على عفو خاص من الملك لتخفيف أو إبدال العقوبة. فقد سعى لذلك عدد من أهالي المحكومين بالإعدام الذين بات عددهم نحو 98 مدانًا، خاصةً بعد إعدامات كانون الأوّل من العام الماضي ثم إعدام ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي إثر مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا.

القطيشات اتُهِمت بقتل حماتها عام 2005، علمًا بأن الجثة عثر عليها بعد عام تقريبًا من حادثة القتل. وصدر بحقها عام 2006 حكم من محكمة الجنايات الكبرى بالسجن عشر سنوات، بعد إدانتها بالقتل العمد بالإشتراك، وذلك لإسقاط ورثة المجنيّ عليها الحق الشخصي. إلّا أن محكمة التمييز نقضت الحكم، لأنها اكتشفت أن شقيق المغدورة وابنتها لم يسقطوا حقهم الشخصي، لترتفع العقوبة إلى الإعدام شنقًا حتى الموت، استنادًا إلى المادة 328 من قانون العقوبات.

يدّعي أنس بأنه تعرض للتعذيب أمام والدته مع شقيقه وشقيقته من أجل أن تعترف والدتهم بارتكاب الجرم، وقد قامت والدتهم بالاعتراف في النهاية. وما زالت العائلة تصرّ على أن صباح قطيشات بريئة، إلا أن محكمة التمييز بناءً على البينات التي قدمت إليها رأت عكس ذلك.

لم تتوقف جهود أبناء صباح من أجل الحصول على تواقيع شقيق المغدورة وابنتها بالموافقة على إسقاط الحق الشخصي منذ إصدار الحكم، وتضاعفت هذه الجهود بعد عودة الإعدام، وهو ما دفعهم لمحاولة الوصول إلى ابنة المغدورة التي تسكن في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2003 بأي ثمن، إلا أن جهودهم باءت بالفشل، مما أبقى حبل المشنقة ملفوفًا حول عنق والدتهم.

«صك» النجاة من المشنقة

سليم الصرايرة المُصلِح والقاضي العشائري في محافظة الكرك يقول إن محاولات إسقاط الحق الشخصي والحصول على صك مصالحة في قضايا الإعدام زادت بوتيرة كبيرة بعد إعادة تنفيذ العقوبة.

«إعادة تطبيق العقوبة حركت المياه الراكدة ودفعت العشائر للتقارب والتصالح من أجل الوصول إلى مصالحات. ونجحت عائلتان على الأقل من عائلات المحكومين بالأعدام بالوصول إلى تسوية وصلح مع عائلات المجني عليهم في محافظة الكرك»، يقول الصرايرة.

أما في محافظة معان، فقد نجحت أيضًا عائلتان في إسقاط الحق الشخصي عن ذويهم المحكومين بالإعدام، كما نجحت ثلاث في محافظة الطفيلة، بحسب المحامي الجنائي ماهر كريشان.

إحدى أشهر القضايا التي تم إسقاط الحق الشخصي فيها في محافظات الجنوب كانت قضية قتل رئيس قسم الامتحانات بوزارة التربية في مدينة الطفيلة حمد الحمران على يد شقيقين من عائلة العودات عام 2011. ورغم أن العائلة، في الفترة التي لم تكن فيها عقوبة الإعدام مفعّلة، كانت ترفض التصالح، إلا أنها وافقت على اسقاط حقها الشخصي بداية العام.

اعدام-02
المصدر: وزارة العدل، 2015.

تتم المصالحة بين العشائر عادةً في قضايا الإعدام بعد دفع «الدية» التي  تصل إلى عشرات آلاف الدنانير في بعض الحالات، كما شهدت بعد إعادة الإعدام زيادة كبيرة في قيمتها، بحسب ما يؤكد الصرايرة.

وتعرضت بعض عائلات المجني عليهم إلى ضغوط كبيرة خلال الفترة الماضية لقبول التسوية العشائرية والوصول إلى مصالحة مع عائلات الجناة، كما حدث مع عائلة سلمان المصاروة في الكرك.

المصاروة رجل ستيني قُتل أمام مستشفى الكرك العسكري بعدد من الطلقات النارية بينها واحدة في رأسه عام 2010 على يد أحد أبناء عشيرة الزغيلات التي تسكن ذات المنطقة، ثأرًا لمقتل أحد أبناءها على يد ابن سلمان عام 2009.

قاتل سليمان حكم عليه بالإعدام شنقًا حتى الموت بعد إدانته بالقتل العمد، بينما حكم ابن سليمان بالسجن 15 عامًا، وهو ما كان يجعلهم يرفضون عقد أي تسوية مع عشيرة الزغيلات قبل إعادة تطبيق العقوبة، علمًا بأن جهود التسوية كانت قائمة.

علي، ابن سليمان، يقول بأن ضغط العشائر والوجهاء زاد بشكل كبير على عائلته بعد إعادة تنفيذ العقوبة، وهو ما جعلهم في النهاية يقبلون بالصلح وعقد تسوية مع عشيرة الزغيلات.

 

طلبت عشيرة المصاروة «دية» قدرها 80 ألف دينار من أجل أن تعقد الصلح مع عشيرة الزغيلات، لكن العائلة رفضت أخذ المبلغ. يقول علي: «ما أخذنا الدية، يمكن العشيرة الثانية لمت المصاري من البنوك الربوية أو من اقساط طلاب الجامعات. إحنا تبرعنا فيها لوجه الله».

المصالحة التي عقدتها عشيرة المصاروة مع الزغيلات لم تُعِد الأمور إلى ما كانت عليه، فعشيرة الزغيلات «جلت» من الكرك إلى مادبا ولم يعودوا حتى الآن ولا ينوون ذلك، كما كان المصاروة قد جلوا من الكرك قبل ذلك بعد حادثة القتل الأولى التي ارتكبها ابنهم، ليعود بعدها بشهر معظم أبناء العشيرة إلى الكرك وتبقى عائلة سلمان خارجها.

يقول علي واصفًا الجلوة: «مش سهل إنك تجلي، بدك تنتقل لمكان جديد وتحاول تتأقلم فيه ومعك عشرات العائلات والسيدات، تجربة صعبة». وقد تطال الجلوة كل أقرباء الجاني حتى الجد الثاني، بحسب الوثيقة التي وقعتها العشائر عام 1987، علمًا بأنها لا تطبق إلا في جرائم القتل و «العرض».

رغم الحديث عن زيادة محاولات التصالح العشائري في قضايا الإعدام، إلا أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة العدل والتي حصلت عليها «حبر» بعد تقديم طلب حق الحصول على المعلومة تشير إلى أن عدد محاولات حالات إسقاط الحق الشخصي والحصول على عفو خاص التي وصلت إلى وزارة العدل وصل عددها إلى 13 فقط، حصل 3 منها إلى الآن على عفو خاص من الملك.

ولا يمكن القول بأن الحصول على إسقاط حق شخصي أمرٌ كافٍ للحصول على عفو خاص، فمن الممكن أن ترى وزارة العدل أو رئاسة الوزراء أو الملك أن المجني عليه لا يستحق عفوًا خاصًا.

اعدام-01المصدر: وزارة العدل، 2015.

إنقاذ أرواح أم امتياز عشائري؟

رغم التأكيد على أن اسقاط الحق الشخصي يساهم في التقريب بين العشائر الأردنية وإنهاء الخلافات التي قد تنجم عن جرائم القتل والتي قد تتبع بجريمة ثأر، إلا أن بعض الأصوات الحقوقية تقول إن إسقاط الحق الشخصي يميز بين المواطنين في الأردن لأنه محصور «بأبناء العشائر المقتدرين ماديًا».

المحامية والمستشارة القانونية هالة عاهد تقول «إن إسقاط الحق الشخصي في جرائم القتل في الأردن لا يستفيد منه إلا الأغنياء وأبناء العشائر في الأردن، بينما من الصعب أن يستفيد منه الفقراء والمهاجرون».

وتتابع عاهد بالقول: «إسقاط الحق الشخصي يكون معقدًا عندما يكون أحد أطراف القضية امرأة، كما أنه لا يطبق في قضايا العنف ضد المرأة والأطفال». كما ترى عاهد أن خيار إسقاط الحق الشخصي شجع الممارسات العشائرية في المجتمع الأردني، ومنح ممارساتها صبغة قانونية.

بالمقابل يرى المحامي المختص في القضايا الجنائية زياد النجداوي إن اسقاط الحق الشخصي في قضايا الإعدام يقضي على الثأر في المجتمع الأردني.

النجداوي، المعارض للإعدام إلا في قضايا المخدرات والتجسس، يقول: «لا أحد يريد أن يعدم، وقد يكون إسقاط الحق الشخصي ضمانة لحقن الدم في المجتمع ومنع جرائم الثأر التي قد تقع بحق أطراف بريئة لا علاقة لها بجرائم القتل»، كما يدعو النجداوي السلطات المحلية والإدارية في مثل هذه الحالات إلى التدخل وإلى عقد الصلح بين العشائر.

«عقوبة مزاجية»

المركز الوطني لحقوق الإنسان قال إن العودة إلى تطبيق الإعدام بطريقة مفاجئة كما حدث يوم الواحد والعشرين من كانون الأوّل من عام 2014 جاء مخالفًا للمعايير الدولية لتطبيق العقوبة ومعارضًا لقرار لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الصادر عام 2005.

يستبعد مدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة العدل، محمد النسور، تنفيذ عقوبة الإعدام بالمدانين خلال الفترة المقبلة، قائلًا: «لا شيء يلوح في الأفق بما يتعلق بالإعدام في القريب المنظور».

وقد وصفت مؤسسات المجتمع المدني وقتها، العودة إلى تطبيق العقوبة بهذه الطريقة، على أنها «انتكاسة لحقوق الإنسان في الأردن»، مؤكدين أن إعدام المتهم بعد حبسه لمدة طويلة يعارض مبدأ المحاكمة العادلة الذي يمنع تنفيذ عقوبتين لجرم واحد.

وبرّرت الحكومة العودة إلى تطبيق العقوبة وقتها إلى الزيادة في معدل الجرائم، علمًا بأن معدل جرائم القتل العمد في الأردن لم يشهد زيادة كبيرة خلال السنوات الأربعة الأخيرة، ففي العام الماضي وصل عدد جرائم القتل العمد التي يعاقب عليها بالإعدام في الأردن إلى 80 جريمة، بينما كانت 74 في العام 2013، و82 في العام 2012، و87 في العام 2011.

أما عدد مرّات إصدار الحكم بالإعدام خلال السنوات الثلاث الماضية فكان؛ خمسة أحكام عام 2013 وستة عام 2014 وسبعة أحكام قطعية حتى نهاية أيلول من العام الحالي 2015.

ومع ذلك يستبعد مدير مديرية حقوق الإنسان في وزارة العدل، محمد النسور، تنفيذ عقوبة الإعدام بالمدانين خلال الفترة المقبلة، قائلًا: «لا شيء يلوح في الأفق بما يتعلق بالإعدام في القريب المنظور».

النجداوي يرى أن على الدولة الأردنية أن تحسم بشكل قاطع موقفها من الإعدام. «على الدولة إما أن تعيد الإعدام بشكل واضح وصريح وتنفذه بشكل دوريّ أو أن توقفه بشكل تام»، رافضًا إبقاء الوضع عما هو عليه.

ويقول النجداوي «لا يمكن الاستهانة بالوضع النفسي الذي يعيشه المحكومين بالإعدام. هؤلاء يموتون كل يوم، علينا أن نريحهم ونحترم حقوقهم (..)  من الممكن أن تبقي الدولة الإعدام في نص القانون وأن توقفه بالإجراءات الداخلية كما كانت في السابق، على هذا الموقف أن يكون معلنًا وواضحًا».

«الإعدام عقوبة غير رادعة، فكلما زادت المنظومة الأمنية إبداعًا يزيد العقل الإجرامي إبداعًا»، يقول النجداوي. «علينا البحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل الناس يتجهون للجريمة».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية