رأي

أعتذر لأني خذلتكن

الأربعاء 09 كانون الأول 2015

«ما تم كان مجرد سبق صحفي، أما أنا فسأخسر ابني». كانت هذه الكلمات الأكثر تأثيرا من كل التعليقات التي وصلتني حول تقرير «عندما يكون تغيير الديانة وسيلة للهرب من قضايا كنسية»، والذي نشرته حبر قبل نحو ثلاثة أسابيع.

غالبًا ما تكون تعليقات القراء وردودهم، خصوص أصحاب القرار والعلاقة، مؤشرًا على مدى أهمية الموضوع الذي يتناوله أي تقرير صحفي، لذلك يبدي الصحفيون وأنا منهم اهتماما بتوثيق تلك الردود وتصنيفها. أستطيع القول أن هذا التقرير كان الأكثر إثارة لردود الفعل بين جميع المواد والتقارير الصحفية التي قمت بإعدادها خلال 12 عاما من العمل في مجال الصحافة. وجاءت ردود الفعل هذه متباينة.

البعض رأى في التقرير أنه «حرك مياها راكدة وتحدث صراحة عن التمييز الذي يعانيه المواطن المسيحي في التشريعات الأردنية بدءًا من الدستور إلى قانون الاحوال الشخصية وتغول هذا القانون على صلاحيات المحاكم الكنسية». كثيرون دعوا إلى ضرورة ايجاد قانون مدني موحد، منتقدين في ذات الوقت التعقيدات في قانون الاحوال الشخصية للمسيحيين والتي تدفع بأبناء الطوائف المسيحية للبحث عن حلول خارج ملتهم.

البعض اعتبر أن التقرير فيه «جرأةً وكسر للمحرمات كونه يلامس في جزء كبير منه مسألة الدين وحرية المعتقد». وانتقد البعض الأخر طرح هذه المسألة في الوقت الحالي لأن «وضع البلد والاقليم لا يحتمل الخوض في قضايا الحريات الدينية».

بالنسبة للمرجعيات الدينية، حظي التقرير باهتمام كبير من رجال الدين المسيحي وتحديدا القضاة الكنسيين الذين ورغم إقرارهم بوجود «ثغرات ومشاكل في عمل المحاكم الكنسية وقوانينها» لكنهم في ذات الوقت لطالما عانوا من «ابتزاز بعض الرعايا للثغرات القانونية المتعلقة بتغيير الديانة للحصول على مكاسب أكبر على حساب الطرف الآخر».

في مقابل ذلك يبقى الموقف الأكثر إحباطا هو موقف دائرة قاضي القضاة التي لم ترد بعد نشر التقرير على الدعوة التي وجهها موقع حبر للدائرة للمشاركة في الجلسة الحوارية التي تم تنظيمها حول الموضوع، وكأن لسان حالهم أنه «ليس هناك ما يتوجب الحديث عنه».

لكن تبقى ردود فعل المتضررات والضحايا هي الأكثر تأثيرًا والتصاقا بالواقع، وهنا أورد تفاصيل المكالمة الاولى، إذ اتصلت بي إحدى السيدات اللواتي قابلتهن أثناء اعداد التقرير، لم أقم بإدراج قصتها حينها كونها تتشابه في التفاصيل مع قضايا النساء الآخريات.

لجأ زوج هذه السيدة إلى الإسلام للحصول على طلاق بعد زواج استمر ست سنوات نتج عنه إنجاب طفل يبلغ من العمر اليوم أربع سنوات.

يقيم الزوج خارج الأردن ويسير حاليا في إجراءات الهجرة إلى أستراليا. استخدم الإسلام كوسيلة للخلاص من زواجه وانتزاع طفله من زوجته، التي تقول أنه «رغم انفصالنا الفعلي لنحو عامين لكنه لم يلجأ للمحكمة الكنسية، لانه يدرك تماما أن قرار المحكمة في الحضانة سيكون لصالحي لحين وصول الطفل لسن البلوغ».

وتتابع «أنا على يقين انه لم يعتنق الإسلام قناعة، حال بلوغ طفلي السابعة سيأخذه من حضني إلى بلاد لا تكتب بها خانة الدين على الهوية، وسأخسر كل شيء وأهم ما في حياتي سأخسر الطفلي».

توجهت السيدة لي بسؤال «هل هناك أمل في التغيير؟» كانت إجابتي أن أي تغيير يتوجب تعديل قانون الاحوال الشخصية

توجهت السيدة لي بسؤال «هل هناك أمل في التغيير؟» كانت إجابتي أن أي تغيير يتوجب تعديل قانون الاحوال الشخصية، لكن دائرة قاضي القضاه لم تبد أي اهتمام. «لعل الأمل بتغيير ضعيف»، قلت لها.

فردّت علي: «يعني ما تم سبق صحفي لا غير، أما أنا سأخسر طفلي».

مكالمة أخرى وصلتني من إحدى النساء المتضررات الواردة قصتهم في التقرير، اعتنق زوجها الاسلام الصيف الحالي بعد نحو شهر ونصف من تحريك الزوجة قضية نفقة على زوجها.

أخيرًا تمكن الزوج من تغيير خانة ديانة الطفل البالغ من العمر عامين من المسيحية الى الإسلام، رغم وجود تعليمات موجبة قانونا وصادرة من وزارة الداخلية في العام 2009 تؤكد أن تغيير الديانة يتم على الشخص الذي اعتنق الإسلام فقط، ولا تتم على أفراد الأسرة المولودين بما فيهم الأبناء بغض النظر عن السن، لكن وبمجرد إبراز الأب لحجة ولاية صادرة من المحكمة الشرعية وإظهار رغبته بتغيير الديانة الطفل استجاب موظف الأحوال المدنية للطلب متجاهلًا التعليمات الصادرة عن الوزارة التي يتبع لها.

تغيير ديانة الطفل، والتقدم بشكاوى كيدية بالإساءة والإهمال إلى إدارة حماية الأسرة ضد الأم، ليست سوى جزءا من سلسلة أفعال قام بها الأب في معركة انتزاع حضانة الطفل قبل بلوغ سن السابعة، تسأل الأم «هل تنفي مسيحيتي أمومتي؟ هل يعقل أن أتعرض لكل هذا الظلم؟».

بعيدًا عن آراء رجال الدين والمحامين والمهتمين بقضايا حقوق الانسان، فإن هاتين المكالمتين دفعتا بي لطرح العديد من الأسئلة حول مفاهيم المواطنة، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والمساواة، وحماية الاسرة ومصلحة الطفل الفضلى. وجدت نفسي عاجزة عن الإجابة عليها وعاجزة عن المساعدة.

لهاتين السيدتين أقول: أعتذر، لقد خذلتكن فعندما يحضر قانون الأحوال الشخصية يغيب حقك بالأمومة والمواطنة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية