سياسة

الولد المدلل في أزمة

حوار مع الباحث في الشؤون الإسرائيلية شادي الشرفا، حول أزمة حكومة نتنياهو مع إدارة ترامب، وتفاعل الأطراف المختلفة داخل «إسرائيل» معها، وتأثيراتها المحتملة على غزة.
حبر
14 أيار 2025

بعد أسابيع على إعلانه خطة تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، الخطة التي استقبلت بكثير من الترحاب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأطراف حكومته، يبدو اليوم أن المشهد الحميميّ قد انتهى، وأن ما كانت توصف على أنها علاقة خاصة بين الرجلين قد انقلبت بشكل كبير، وباتت التسريبات الصحفية تشير إلى أن العلاقة بينهما قد انقطعت بشكل شبه كامل. تسريبات دعمها استدعاء نتنياهو للبيت الأبيض لإعلامه ببدء المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وهي مفاوضات لم تكن «إسرائيل» راضية عنها أبدًا، بل وكانت على العكس، ترغب بقيادة الولايات المتحدة لضربة ضد إيران. تلا هذه الخيبة الإسرائيلية خيبة أخرى بعد وقف الولايات المتحدة عدوانها على اليمن، وهو ما عنى ترك سفن كيان الاحتلال لمواجهة مصيرها في البحر الأحمر. وكانت أحدث الخيبات الإسرائيلية تجاه علاقتها بالولايات المتحدة الاتفاق الذي حصل بينها وبين المقاومة في غزة، والذي أفرجت بموجبه الأخيرة عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر. كل هذه الأحداث التي حصلت تباعًا، تدفع للتساؤل حول أسباب هذا التغير في العلاقة بينهما، وهل يمكن لهذه القطيعة غير المعلنة رسميًا أن تؤثر على مسارات الحرب على غزة؟ 

لمناقشة هذه القضية وجذورها، وتأثيرها على مستقبل الحرب على غزة، طرحنا هذه الباقة من الأسئلة على الباحث في شؤون كيان الاحتلال شادي الشرفا، لنفهم أكثر هذه الأزمة الجديدة التي وجدت حكومة نتنياهو نفسها فيها، وكيف تتفاعل الأطراف المختلفة داخل «إسرائيل» معها، وهل بالفعل يمكن لأزمة مثل هذه أن تؤثر على مستقبل الائتلاف الحكومي وتماسكه؟

حبر: هنالك الكثير من الكلام حول خلاف حاد بين نتنياهو وترامب، ما الإشارات على وجود هذا الخلاف، وما السبب وراءه؟ 

شادي الشرفا: الخلافات بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والإدارة الأمريكية كانت موجودة دائمًا، ولكن في النهاية يسود الموقف الأمريكي. منذ أن استلم نتنياهو الحكم في «إسرائيل» تصادم مع كل الإدارات الديمقراطية، فتصادم مع كلينتون وأوباما وبايدن. تصادم مع كلينتون حول الانسحاب من الخليل وفي النهاية خضع وانسحب. وتصادم مع أوباما حول الاتفاق النووي مع إيران، بل وذهب أبعد من ذلك فخطب بالكونغرس رفضًا للاتفاق، وتصادم مع بايدن. وهو في هذه الحالات كان يستند لدعم من الحزب الجمهوري. 

الآن يختلف نتنياهو مع الإدارة الأمريكية ولكنه لا يتجرأ على أن يخوض الصراع الذي كان يخوضه ضد بايدن أو أوباما بشكل علني ومباشر. هناك الآن خلاف حقيقي بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية نتيجة تبلور رؤية لدى الحكومة الأمريكية مفادها أن الحرب على قطاع غزة عبثية، وأن الحرب ضد اليمن التي جرّ نتنياهو الولايات المتحدة إليها هي الأخرى عبثية وتُكلف الولايات المتحدة الكثير من الأموال. 

هنا شعرت الإدارة الأمريكية أن نتنياهو يريد توريط الولايات المتحدة في حربه المستدامة في الشرق الأوسط. 

الآن يمكن الاستدلال على وجود تباين بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية من خلال مجموعة قضايا؛ أولًا الاتفاق الذي حصل مع الحوثيين و«إسرائيل» خارج المعادلة تمامًا. ثانيًا المفاوضات التي تجري مع السعودية بما يتعلق بالملف النووي السعودي للأغراض السلمية و«إسرائيل» خارج هذه المعادلة، وأُسقطت فكرة الربط بين الموافقة الأمريكية على النووي السعودي والتطبيع مع «إسرائيل». ثالثًا المفاوضات المباشرة مع الإيرانيين و«إسرائيل» هنا أيضًا خارج المعادلة. كما يدرك الإسرائيليون أن ملف الصواريخ الإيرانية على ما يبدو أُسقط في المفاوضات؛ أي لم تعد هناك مطالب أمريكية ذات علاقة بتفكيك البرنامج الصاروخي الإيراني، وكلّ هذا مخالف للرؤية الإسرائيلية.

رابعًا وأخيرًا، المفاوضات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحركة حماس. والتي جرت من دون علم الإسرائيليين. الأمر الذي أثار قلقهم، تحديدًا بعد أن أُبلغت «إسرائيل» قبل يوم واحد فقط من موعد الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر. 

كل هذا يشير إلى تباينات بين الولايات المتحدة وحكومة نتنياهو. لكن بالطبع علينا ألّا نبالغ في التفاؤل. الولايات المتحدة شريكة أساسية حرب الإبادة المستمرّة في غزة اليوم. لكن يبدو أن إدارة ترامب تدرك اليوم أن استمرار الحرب إنما يخدم نتنياهو واستمراره في الحكم فقط، ولا يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة. رفعَ ترامب شعار «أمريكا أولًا» واستمرار الحرب يتعارض مع هذا الشعار.

كيف تقرأ الأوساط السياسية الإسرائيلية، وكذلك المجتمع الإسرائيلي هذا الخلاف مع الولايات المتحدة، وهل تحمّل نتنياهو مسؤولية هذا التأزم في العلاقة؟

هناك زوايا نظر مختلفة؛ تسخر أهمّ وسائل الإعلام الإسرائيلية وشخصيات وازنة في «إسرائيل»، سواء كانت عسكرية أو إعلامية أو اقتصادية، من نتنياهو. وتتّهمه بالفشل في اتخاذ موقف مؤثر على الولايات المتحدة، في صورة تتناقض مع تلك التي سوّقها نتنياهو لنفسه طويلًا، إذ لطالما تحدث عن أنّه الشخص الوحيد القادر على التأثير على رئيس الولايات المتحدة، وأنه يمتلك علاقات مع شخصيات أمريكية مهمة، وأنه هو صاحب القرار الأول والأخير. 

أما قوى المعارضة فتخشى أن المسار الذي يتخذه نتنياهو من أجل مصالحه الشخصية يمكن أن يزعزع العلاقة مع الجمهوريين وإدارة ترامب، ويخشون من أن ينقلب ترامب على إسرائيل كما فعل سابقًا مع حلفائه الكنديين والأوروبيين، وهو ما سيشكّل ضربة قاسية لإسرائيل التي ما كان لها أن تستمرّ بالحرب لولا الدعم الأمريكي. تعرف المعارضة أن أمريكا تملك القرار بإيقاف الحرب على غزة، وهم لا يريدون لها أن تتخذ هذا القرار كما حدث مثلًا في 1982 عندما اتصل بهم ريغان طالبًا وقف الحرب، وقد توقفت الحرب فعلًا وتم التوصل لتسوية. كما تخشى زيادة الشرخ مع الولايات المتحدة، والذي يتوسع يومًا بعد آخر، فمثلًا يمكن القول إن ثلث الحزب الديموقراطي معادٍ لإسرائيل ولسياسات نتنياهو. 

بالنسبة للائتلاف الحاكم يمكن تقسيم مواقفهم على النحو التالي: يرى سموتريتش أن على نتنياهو المراوغة مع الاستمرار في خطة الحرب، أمّا بن غفير فبشعبويته المعهودة يريد من نتنياهو أن يتحدى الإدارة الأمريكية.

الموقف الآخر المهم في الائتلاف الحكومي هو موقف الحريديم وهم الفئة الوحيدة داخل الائتلاف التي تريد إنهاء الحرب، وتعتقد أنه من الضروري أن تتدخل الولايات المتحدة لإنهائها، ليس حبًا بالفلسطينيين أو رغبةً بوقف الإبادة، إنما لأن استمرار الحرب يعني ارتفاع الأصوات التي تطالب بتجنيدهم، وهو ما لا يريدونه، وقد هددوا بإسقاط الحكومة في حال اعتقل الأفراد الذين يستدعيهم الجيش للتجنيد.

أما الشارع الإسرائيلي فغالبيته العظمى ترى أنه من الواجب استعادة الأسرى حتى لو كان الثمن وقفًا للحرب، ويعتقدون أن الحل الوحيد لإنهائها يكمن في مخاطبة ترامب، ولذا بتنا نرى لافتات أكثر في المظاهرات باللغة الإنجليزية. ليس هذا فحسب، وإنما ترافق عائلات الأسرى الوفود الإسرائيلية إلى قطر للقاء مبعوث ترامب ويتكوف ويطالبون ترامب بإنهاء الحرب مع رسالة مفادها أن نتنياهو يراوغ وأن لا سبيل إلا أن تفرض عليه الذهاب إلى صفقة.

يرى بعض الإسرائيليين أن هناك سعيًا أمريكيًا لإضعاف نتنياهو وأن هناك شكلا ما من أشكال التآمر عليه، إلى أي حد تنتشر هذه الفكرة لدى المجتمع الإسرائيلي؟ 

تقول التسريبات الصحفية إن إدارة بايدن رأت فرصة في الحرب للتخلص من نتنياهو، لكنها لم تتمكن من ذلك. لكن ليس هذا الحاصل اليوم. 

حتى الآن لا توجّه لدى الحزب الجمهوري نية للتخلص من نتنياهو، خصوصًا أن فيه أطراف تقف على يمين بن غفير، مثل ماركو روبيو. الحزب الجمهوري يرى أن الحليف الأساسي له في «إسرائيل» هو حكومة اليمين، وأن الشخص الوحيد اليوم الذي يستطيع أن يقود هذه الحكومة هو نتنياهو، ولا بديل عنه حتى في حزب الليكود إذ قضى نتنياهو على كل منافسيه. لذلك ما زال مبكرًا الحديث عن سعي الأمريكيين لتغيير نتنياهو. 

يصرّح ترامب بشكل مستمر برغبته في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتوسيع اتفاقات أبراهام، كما أنّ لديه اتفاقيات اقتصادية كبيرة في المنطقة، وهذا كلّه يتصادم مع استمرار الحرب على غزة، وبالتالي المصالح هنا بدأت تختلف إلى حد ما، مع إدراك الإدارة الأمريكية أن استمرار الحرب لن يحقق النصر المطلق ولا القضاء على حماس. فكرة القضاء على حماس وهم. «إسرائيل» تحارب حماس منذ أكثر من ثلاثين عامًا ولم تستطع القضاء عليها. 

بالنسبة لنتنياهو، الحرب قائمة لأجل الحرب، حتى لا تسقط حكومته، لأنه بسقوطها لن يعود في أي انتخابات مقبلة، إذ بحسب كل استطلاعات الرأي لن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة مستقبلًا، كما يعني إنهاء الحرب تسريع محاكماته في قضايا الفساد، ولديه ست قضايا فساد هامة وكبيرة آخرها ما يسمى بـ«قطر غيت»، فضلًا عن النقطة الفاصلة وهي لجنة التحقيق الرسمية في إخفاق السابع من أكتوبر. هذه اللجنة بالتأكيد ستحمّله المسؤولية الأولى وبالتالي سيصير ملاحقًا. بإيجاز، نتنياهو يخوض حرب حياة أو موت شخصي. 

هل يمكن أن يؤدي الخلاف في وجهتي النظر بين ترامب ونتنياهو إلى صدام بينهما، وكيف يمكن أن نفهم التصعيد الأخير الذي تقوم به إسرائيل، وكأنها ترفض الاستجابة للطلب الأمريكي الذي تمت الإشارة إليه في الإعلام، إذ تسرّب أن الأمريكيين طلبوا من الإسرائيليين ألّا يفاجؤوهم بشيء خلال زيارة ترامب للمنطقة. 

لا أستطيع القول إن ما يحصل هو صدام يمكن أن يزعزع علاقة «إسرائيل» بالولايات المتحدة، إذ أن «إسرائيل» هي البنت المدللة للولايات المتحدة، وهي التي تنفذ المشاريع الأمريكية في تقسيم العالم العربي وإضعافه.

حسنًا، ما الذي يجري إذًا؟ 

بداية، أخذت الولايات المتحدة انعطافة بما يتعلق بملفات هامة جدًا أبرزها قضية تهجير أهالي قطاع غزة، وهنا حدث صدام دفع نتنياهو للتجرؤ على توجيه انتقاد وحيد لإدارة ترامب عندما اعتبر -بحسب تسريبات- أن الولايات المتحدة لا تضغط كفاية على الدول من أجل استقبال اللاجئين الفلسطينيين. 

الأمر الآخر أن الولايات المتحدة تنازلت عن فكرة «الريفييرا»، وهذا دليل أن ترامب متقلب، وتخشى إسرائيل ونتنياهو أن يطالهم هذا التقلب.

الآن نحن أمام مشهد جديد. الإدارة الأمريكية تريد إنهاء الحرب على قطاع غزة ولكنها في الوقت نفسه لا تريد الدخول في صدام مباشر وعلني مع إسرائيل، الشيء نفسه مع نتنياهو فهو يريد الاستمرار في الحرب دون الدخول في صدام مع إدارة ترامب. 

ما الجديد الذي حصل؟ ويتكوف -بحسب ما تسرب في الإعلام الإسرائيلي- أخبر نتنياهو أن لديه خطة جديدة. حتى الآن لا نعلم تفاصيل الخطة، ولكن نتنياهو يصر على خطة ويتكوف السابقة؛ وهي خطة إسرائيلية تبناها ويتكوف وأفشلت الهدنة الأخيرة، الخطة كانت تتحدث عن هدنة لمدة 40 يومًا يفرج خلالها عن عشرة أسرى إسرائيليين مقابل إدخال مساعدات، وبعد الـ40 يومًا تستأنف «إسرائيل» الحرب، يعني أعطونا الجنود وسنقتلكم لاحقًا. الآن هناك خطة جديدة لويتكوف وهي بحسب ما تسرب من معلومات جزء من رؤية مصرية وقطرية تبنتها الإدارة الأمريكية وعلى ما يبدو سوف يتم فرضها على «إسرائيل». لكن التصعيد الإسرائيلي يأتي من أجل إفشال أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق.

الخطة الإسرائيلية المسماة «مركبات جدعون» خطة شيطانية تقضي بتجميع مليوني إنسان في بقعة صغيرة وتحويلها إلى معسكر اعتقال على غرار معسكرات الاعتقال النازي لكن بأعداد كبيرة. هذا هو المخطط الإسرائيلي من أجل تحقيق الأحلام في السيطرة على قطاع غزة والاستيطان، وهي خطة جاهزة جنّد من أجلها 60 ألف جندي احتياط، ولكن إشكالية الجيش الإسرائيلي اليوم أنه لا يستطيع تجنيد المزيد من الجنود لأن الأغلبية لا يريدون الامتثال لأوامر التجنيد مرة أخرى بعد أكثر من عام على الحرب وتعرضهم للإرهاق والمشاكل الاقتصادية، لذلك لا يستطيع الستون ألف جندي البقاء في قطاع غزة. كما يصطدم نتنياهو مع الجيش الإسرائيلي الذي يقول له لن نستطيع تحقيق السيطرة الدائمة على قطاع غزة لأن ذلك سيكون مكلفًا وليست لدينا القوات الكافية. لذا يحاول نتنياهو التصعيد عبر القصف الشديد.

ستبين الأيام المقبلة ما إذا كنا نتجه لصفقة تنهي الحرب أم استمرارٌ لحرب الإبادة العشوائية الممنهجة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ما يريده نتنياهو حاليًا هو تمرير زيارة ترامب للمنطقة. لكن هل ستقبل الإدارة الأمريكية بذلك؟ الأمريكيون ليسوا معنيين بحياة الفلسطينيين في غزة، كل الفلسطينيين يُقتلون بسلاح وطائرات أمريكية، لكن نأمل أن يكون الموقف الأمريكي الجديد انعطافة تؤدي لإنهاء الحرب على القطاع. 

نعم هناك خلاف، ولكن لا زالت هنالك في جعبة نتنياهو مجموعة أدوات للمراوغة، بينها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وكذلك محاولة استمالة ترامب عن طريق اللعب على وتر المقارنة مع بايدن، ودوام انتقاد بايدن وكيف أن ترامب مختلف عنه. كما أن هنالك ورقة ضغط خطيرة للغاية وهي افتعال حرب إقليمية عن طريق ضرب إيران، وهي مسألة مطروحة على الطاولة، وكلّ الجهات الأمنية والعسكرية في «إسرائيل» ترى أن الفرص مواتية اليوم لهذا. ضرب إيران يمكن أن يشعل المنطقة لكن من الواضح كذلك أن الإدارة الأمريكية غير معنية بهذه الحرب. 

يمتلك نتنياهو أوراق ضغط، لكن مساحة المناورة المتاحة له تقلّ يومًا بعد يوم. 

اليوم في ظل هذا الخلاف الحاصل بين ترامب ونتنياهو، كيف ينظر لرئيس الوزراء، وكيف نفسّر تراجع شعبيته بشكل فادح، وهل يمكن لما يحصل أن يلعب دورًا في انهيار الائتلاف الحاكم؟ 

اليوم يُنظر لنتنياهو على أنه عبء حقيقي على المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تدركه الإدارة الأمريكية، وكثيرون يعتبرون أن نتنياهو أحدث شرخًا أفقيا وعاموديًا في المجتمع الإسرائيلي. ولا يمكن أن يعزى هذا الشرخ اليوم إلى مجرد تصدعات ما بين الشرقي والغربي أو ما بين الأحزاب. الصراع الداخلي في «إسرائيل» اليوم صراع صفري؛ إمّا نحن وإمّا أنتم. صحيح أنه لم يدخل مرحلة العنف بعد، لكن يمكن أن يؤدي في مرحلة ما للحرب الأهلية، وهو كلام نسمعه من قادة أمنيين ورؤساء وزراء سابقين. 

أما حول الائتلاف الحكومي فهو ليس مهددًا بالانهيار إلا في حال انسحب الحريديم بسبب قضية التجنيد، أو إذا انسحب كل من بن غفير وسموتريتش بفعل إنهاء الحرب. 

أخيرًا، كيف قرأ المجتمع الإسرائيلي بأطيافه المختلفة مسألة الإفراج عن عيدان ألكسندر فقط لأنه يحمل الجنسية الأمريكية؟

هذه من أكثر القضايا التي تناقش الآن في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويشعر الإسرائيليون إزاءها بالقلق الشديد. ما هو المشروع الصهيوني في الأساس؟ إن فكرته الاستعمارية تقوم على زعم أن «إسرائيل» هي المنطقة الأكثر أمانًا ليهود العالم بعدما حدث في الهولوكوست. دعت الصهيونية اليهود إلى «إسرائيل» قائلة إنها ستحميهم وتدافع عنهم ولن تترك خلفها أسرى، وما شابه من الديباجات التي تراكمت على مدار العقود في العقل الجمعي الإسرائيلي. لكن المسألة الآن صارت مختلفة. الآن تتساءل بعض الشخصيات الإسرائيلية حول الجدوى من حمل الجنسية الإسرائيلية والاعتقاد بأن من المجدي أكثر الحصول على جنسية دولة أخرى تدافع عنهم، وأن «إسرائيل» لم تعد تحمي المجتمع. قرأت كتابًا بعنوان «لننتصر على هتلر» لرئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ يقول فيه إن «إسرائيل» بُنيت لتكون المنطقة الأكثر أمانًا ليهود العالم، لكن أيهما أكثر أمانًا؛ دولة اليهود في «إسرائيل» أم تلك الموجودة في نيويورك؟ في إشارة إلى وجود ملايين اليهود في نيويورك. ما يعني أن اليهودي في نيويورك أكثر أمانًا من المستوطن في فلسطين بسبب عمليات المقاومة. 

في الأيام الأخيرة رفعت والدة أحد الأسرى جوازها الإسرائيلي قائلة إنها ستمزقه وأنه كان من الأفضل لو كان ابنها يحمل جواز سفر غربي حتى تدافع عنه هذه الدول بدلا من «إسرائيل» التي لا تدافع عن أبنائها. 

بالتالي فكرة الحماية التي وعدت الصهيونية بها بدأت تتزعزع، وهذه إحدى الأفكار الأساسية في الصهيونية، وضربها يعني ضربًا للعقل الجمعي الإسرائيلي ولمستقبل المشروع الصهيوني، بشكل أو بآخر.