الخيار الأردني

الأحد 22 شباط 2009

palestine

محمد عمر




زارنا في المكتب قبل أربعة أيام السيد سعد المجالي، ابو تميم، وكيل وزارة الداخلية في السلطة الوطنية الفلسطينية. وهو بالمناسبة من مدينة الكرك. حمل ليّ ابو تميم دراسة بعنوان “الأمن أولا، أولويات الولايات المتحدة في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”
صدرت الدراسة عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، يوصف هذا المعهد بأنه الإدارة شبه الحكومية للسياسة الأميركية في منطقتنا. أما الدراسة التي أعدها خبراء امنيون فقد صدرت نهاية عام 2008 وترجمت إلى العربية حديثا ويتم تداولها على نطاق واسع بين المسوؤلين في السلطة والأردن على حد سواء.

قرأت الدراسة بتمعن شديد، لم أجد فيها ما هو جديد في الأطروحة العامة، أو الاستنتاجات الرئيسية لمعديّها، وهي تتلخص في :”…أولا: يمكن ان تنجح العملية السلمية فقط عندما تصبح قوات الأمن الميدانية التابعة للسلطة الفلسطينية على استعداد لمحاربة الإرهاب وقادرة على ذلك، وهو ما سيرزع الثقة بإسرائيل ويشجعها على سحب قواتها من الضفة الغربية. ثانيا: ينبغي للجهود الأميركية الهادفة إلى دعم السلام أن تتضمن بالتالي استثمارا جوهريا في تدريب هذه القوات وتجهيزها. ثالثا: لا يمكن لأية عملية انتشار لقوات تابعة لطرف ثالث، بما في ذلك قوات الناتو، أن تعفي الفلسطينيين من تأمين أراضيهم الخاصة…”

سوف أحاول هنا تلخيص وعرض ما جاء في الدراسة حول الدور الأردني في المسألة الأمنية الجارية الآن في الضفة الغربية، وموقف الدراسة من البديل الأردني أي الدعوات إلى أن يلعب الأردن دورا امنيا مباشرا من خلال تواجد امني مباشر في الضفة الغربية.
تناقش الدراسة ثلاث خيارات للتوفير الأمن في الأراضي الفلسطينية وحماية امن إسرائيل بحجة تشجيعها على الانسحاب:
– استمرار الاحتلال.
– البديل الأردني.
– تقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

الجديد في الدراسة هو التوصيات المحددة لتدريب وتجهيز هذه القوات والتوصيات المتعلقة بالتعاون او التضارب بين مهمات الفريق كيت دايتون الذي عينته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس منسقا امنيا لبلادها في أراضي السلطة وبين الجنرال وليم فرايز الذي تم تعينه لمراقبة التعهدات المنصوص عليها في “خطة خارطة الطريق” وبين الجنرال جيمس جونز المبعوث الخاص لرايس في الأراضي الفلسطينية وبين كل هؤلاء والقنصلية الأميركية في القدس.

ومن ضمن هذه التوصيات فان فريق الدراسة يقترح أن يتم إلحاق مكتب “دايتون” بوزارة الدفاع “البنتاغون” ومنحه صلاحيات أوسع وموازنة اكبر. وحرية الإشراف على “مراكز تدريب الشرطة” في الأردن.

ما علينا

ممكن مراجعة أو قراءة كامل التوصيات هذه في الدراسة التي أصبحت متاحة إلى الانترنت مؤخرا…ما يعنينا هنا هو ما جاء في الدراسة حول “الخيار الأردني”، هذا الخيّار الذي أصبح مثار جدل واسع في البلد منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وحتى الآن، والذي رفع وتيرة النقاش و “الهوس” بموضوعة الوطن البديل والمؤامرات ودور الأردن في الحل

الدور الأردني

لا بد من الإشارة إلى أن كل ما ورد في الدراسة من توصيات وتوجهات هو عمليا ما يجري على ارض الواقع في الضفة الغربية بدون أي تغيير. وكل ما تهدف إليه الدراسة هو تقوية هذا الفعل وتقديم مقترحات إضافية تعزز المسألة الأمنية الجارية منذ مؤتمر “انابوليس” مطلع العام 2008.

في التوصيات “التقنية” الخاصة بدور الأردن لناحية تدريب قوات الأمن الفلسطينية، تشير الدراسة إلى انه حتى تاريخه تم تدريب 420 عنصرا من الحرس الرئاسي وكتيبة مؤلفة من 640 عنصرا من قوات المن الفلسطينية في الأردن حيث يتم إعطاء المقرر التدريبي الذي يستغرق أربعة أشهر في المركز الأردني الدولي لتدريب الشرطة. وهناك قوة أخرى قوامها 500 رجل تتلقى التدريب حاليا في المركز.

وتقول الدراسة انه تم “…إنفاق ما مجموعه 89 مليون دولار لتدريب وتجهيز الكتيبة الأولى التابعة لقوات الأمن على يد مدربين أردنيين..كما تم تأمين مبلغ إضافي مقداره 75 مليون دولار لتدريب كتيبتين إضافيتين بشكل أساسي…”.

في التوصيات

توصي الدراسة بان يتاح للمنسق الأمني الأميركية “كيت دايتون” إجراء مراجعة شاملة لبرامج التدريب في المركز الدولي الأردني، رغم سمعته الحسنة بحسب الدراسة، كما توصي أن يقوم هذا المنسق بمراجعة برامج التدريب من حيث قابليتها للتطبيق في مهمات القوات الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، “..ينبغي لهذه المراجعة دراسة أن كانت مدرة الأربعة أشهر فترة التدريب كافية وما إذا كان المنهاج يتضمن تكتيكات وتقنيات لمحاربة الإرهاب أو مجرد تدريب روتيني..”.

البديل الأردني

من بين البدائل الثلاث تركز الدراسة على “البديل الاردني” او الخيار الاردني بما قد يشكل مدخلا او بديلا لمفهوم الحل القائم على اساس دولتين. هذا الخيّار، بحسب مؤيديه وخاصة بعض قادة إسرائيل، يقتضي توسيع الدرو الامني الاردني في الضفة الغربية.

هذا الخيّار الذي يقترحه اشخاص كرئيس الوزراء الاردني السابق عبد السلام المجالي، بحسب الدراسة دائما، يفضي الى تأسيس فيدرالية سياسية بين الأراضي الفلسطينية والاردن يرأسها الملك وتحكمها تركيبة برلمانية يتبادل فيها الاردنيون والفلسطينيون منصبي رئيس الوزراء ورئيس النواب. هذا على الصعيد السياسي.

لكن امنيا فان توسيع الدور الأردني سوف يعني: تولي الجيش الأردني المسؤولية الأمنية الأساسية في الأراضي الفلسطينية، وثانيا: توفير صيغة لدمج القوات الفلسطينية في الهيكلية الأمنية الاردنية، وثالثا تكليف الأردن بمهمات اكثر من مجرد تدريب قوات الأمن الفلسطينية.
يعتقد معدو الدراسة ان اصحاب هذا البديل يرون فيه مخرجا من المأزق الأمني الحالي، اذ سيكون دور الجيش الاردني في العملية ادعى للقبول من نشر قوات دولية، بخاصة اذا تم هذا الدور في اطار اتفاقية سياسية تحقق السلام وتؤسس لدولة كونفدرالية تجمع الأردنيين والفلسطينيين. هذه الكونفدرالية التي سوف توفر، بحسب مروجيها، ميزة للأردن تتيح له مساهمة فاعلة في حل النزاع وتقوي مركزه ودوره الإقليمي وتمنع عنه مخاوف قيام دولة مجاورة له بقيادة حماس.

غير ان معدي الدراسة يعتقدون ان هناك عدة محاذير لهذا “البديل الاردني”، تجعله بديلا غير واقعي، وهذه المحاذير تتمثل في

اولا: جهل القوات الامنية الاردنية حاليا بالطبيعة السكانية والجغرافية والظورف العملياتية بالضفة الغربية. واي تطوير لهذا الامر سوف يتطلب موارد كبيرة وجهود ووقت

ثانيا: أي توسيع لدور الاردن الامين هناك قد يخلق توترات محتملة وربما مواجهات معالجيش الاسرائيلي قد تهدد مجمل العلاقات الاسرائيلية الاردنية

ثالثا: ستتحول قوات الامن الاردنية الى هدف جديد للمنظمات الارهابية الفلسطينية

رابعا: “يمكن ان ينظر سكان الضفة الى هذا الوجود الأردني باعتباره “احتلالا” جديدا ما قد يهدد بقلاقل في الضفة الغربية والاردن على حد سواء

خامسا: “من غير الواضح ان لدى القوات الأردنية الإرادة والقدرة او الحافز لتنفيذ عمليات محاربة الارهاب في الضفة وتكون قوة قادرة على حماية امن إسرائيل. ومن غير الواضح ان كان الاردن سيخصص قوات كافية للقيام بهذه المهمة من غير ان يعرض أمنه الداخلي نفسه للخطر”.

تخلص الدراسة الا ان “ايا من هذه المساويء لا يحول دون دور اردني محتمل…” الا ان تولي الاردنيين مسؤولية امنية سيكون عملا طائشا في غياب تعاون مع السطلة الفلسطينية لكي تحظى العملية بالشرعية، والتعاون مع اسرائيل من اجل تقليل فرص الاحتكاك مع الجيش الاسرائيلي”…وتنتهي الدراسة في هذا السياق إلى القول، :” وفي ظل غياب هذه الظروف وبناء على التقييم الدقيق لتأثير الانتشار الأردني في السياسة المحلية الأردنية، ينبغي عدم اللجوء الى هذا الخيّار.

وترى ان على واشنطن في ظل وجود أقلية قليلة جدا في الأردن وفلسطين، تدعم الكونفدرالية او الخيار الاردني بأنه “…في حال وافق الفلسطينيون والأردنيون والإسرائيليون على دور امني أردني موسع في الضفة الغربية، برغم انه هذا مستبعد جدا، ينبغي على الولايات المتحدة ان تكون على استعداد لمساعدة هذا الجهد بالمال وتوفير مساعدات عسكرية واقتصادية إضافية للأردن لكي تجعل هذه المهمة أكثر سهولة. كما يمكن ان تترأس الولايات المتحدة لجانا أمنية ثلاثية بين القوى الأمنية الإسرائيلية
والأردنية والفلسطينية من اجل المساعدة على حل النزاعات وإجراء مراجعات الأداء. لكن سيكون من غير المجدي بالنسبة للولايات المتحدة دفع الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى تأسيس كونفيدرالية أردنية فلسطينية”

هذا هو ملخص رؤية هذه الدراسة للبديل الأردني خاصة ما يتعلق بالموضوع الأمني وهو الأخطر حاليا اذ هو ما يتم تنفيذه على الأرض

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية