المدونات في فلسطين

الإثنين 20 تموز 2009

opinion


بقلم: محمد أبو علان

المدونات في العالم العربي كما هي في بقية أنحاء العالم باتت ظاهرة واسعة الانتشار، وجاء تطور هذه الظاهرة بفضل التطور التكنولوجي في مجال الاتصال والتواصل الذي حول هذا العالم إلى قرية صغيرة في ظل إمكانية نقل المعلومة بثوان لشتى بقاع الأرض وبلغات عدّة.

ولكن لمصطلح المدونة في العالم العربي معنى آخر مختلفا عنه في أي مكان آخر من هذا العالم، كون ظاهرة المدونات في العالم العربي ارتبطت بشكل رئيسي بحالة القمع وتكميم الأفواه في بيئة غابت عن أركانها الديمقراطية الحقيقية التي لا تعطي الفرد دوره في المجتمع ولا حقه في الكلام والتعبير عن الرأي وحرية الاختيار.

كما كان لغياب الإعلام الحر في العالم العربي دور أساسي في انتشار ظاهرة المدونات، حيث كان الإعلام ولا زال جزء كبير منه حكرا على السلطة الرسمية، أو على مجموعات من المتنفذين التي تتلاقى مصالحها بشكل مباشر أو غير مباشر مع المؤسسة الرسمية في نظم الحكم العربية، بالتالي شكل غياب النظم الديمقراطية، وانعدام الإعلام الحر دورا في تعزيز ظاهرة المدونات. ومن خلال الأسماء التي تحملها بعض المدونات نستشف منها أن هذا الموضوع فعلاً هو نتاج للقمع وكبت الحريات، فتجد من أطلق على مدونته اسم” مدونة الحق لا يمحوه الباطل”، وهناك من أطلق عليها ” مدونة الأغلبية الصامتة”.

أما على المستوى الفلسطيني فيمكن الحديث عن الموضوع باتجاهين، الأول: الفلسطينيون كمدونيين، والثاني المدونات في فلسطين، وفي الموضوع الأول نجد هناك مئات المدونيين الفلسطينيين من بدأوا بموضوع المدونات عبر مواقع عربية منها موقع “مكتوب” على سبيل المثال لا الحصر، ومنهم من بدأ على مواقع أجنبية مثل موقع (blogspot).

أما فيما يتعلق بالجانب الثاني وهو المدونات كتجربة فلسطينية بحتة، فلم يتحول الأمر إلى ظاهرة بعد، بل كان هناك تجربة واحده في هذا المجال وهي تجربة “شبكة أمين الإخبارية”، والتي استطاعت خلال عام تقريبا جذب ما يقارب الثمانمائة مدون من فلسطين وخارجها، ولكن هذه التجربة لم ترق لجهة ما أو عدة جهات، فتعرض موقع الشبكة والمدونات لاختراق أدى لفقدان هذه المدونات وأرشيفها، كما أدت عملية التخريب هذه لتعطيل الموقع لشهورٍ عدة.

ونحن على أبواب إعادة إطلاق “شبكة أمين الإخبارية” للمدونات من جديد على موقعها الإلكتروني خلال الفترة القريبة القادمة، لا بد من نقاش الموضوع بشكل موسع سواء بين الإعلاميين بشكل خاص، أو بين شرائح المجتمع المختلفة من كُتاب وأدباء وفنانين كون موضوع المدونات هو موضوع إعلامي يدل على ترابط قوي بين كل هذه الشرائح، وتعطي صاحبها ميزات عدة قد لا توفرها له وسائل الإعلام المختلفة في فلسطين في ظل خضوع هذا الإعلام بمعظمه لتوجهات سياسية بالدرجة الأولى وليس لمعايير مهنية بحته، ولضيق مساحة الحرية فيه.

كما توفر المدونات الحرية المطلقة للمدون في نشر ما يشاء ومتى يشاء دون رقابة مباشرة أو غير مباشرة على نتاجه الفكري بغض النظر إن كان سياسياً أو اجتماعياً أو أدبياً.

وللنهوض بالمدونات في فلسطين وجعلها جزءا رئيسيا ومؤثرا من النسيج الإعلامي، لتلعب دوراً في خلق الرأي العام وتوجيهه، لا بد من تحقيق مجموعة من العوامل.

أولها، لا بد من حملة توعية وتثقيف حول موضوع المدونات وأهميتها بين كافة الشرائح الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، ومرافقة هذه الحملة بحملة تدريبية حول آلية عمل المدونات وكيفية التعامل معها والنشر من خلالها، وهنا قد يكون لكليات الإعلام والصحافة في الجامعات الفلسطينية دور كبير في تعزيز هذا الموضوع بين جيل الشباب كونها الشريحة الأوسع في مجتمعنا الفلسطيني.

ثانيها، توفير الإمكانيات الفنية والتكنولوجية التي تحمي مثل هذه المدونات على المدى البعيد، ووضع كافة الإجراءات التي تمنع اقتحامها وتدميرها لكي يكون المدون على ثقة بأن جهوده ونشاطه التدويني لن يذهب هباءً منثورا في لحظة من اللحظات نتيجة أية عملية عبث أو تخريب مستقبلية.

ثالثها، مساهمة “شبكة أمين الإخبارية” في توسيع عملية النشر والتعريف بالمدونات والمدونيين في فلسطين على المستوى العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص مما يساهم في تعزيز موضوع المدونات ويحوله لظاهرة واسعة الانتشار وعدم بقائه محصوراً في شريحة دون غيرها.

رابعها، تشجيع التدوين في فلسطين بلغات عدة من أجل ضمان وصول الرسالة الفلسطينية لأكبر عدد من القراء والمهتمين في العالم.

خامسها، ضرورة العمل باتجاه خلق إطار جامع للمدونيين في فلسطين، ووضع نظام داخلي لمثل هذا الإطار يعزز وجوده وقوته.

والنقطة الأخيرة من مجموع هذه العوامل هي محاولة الوصول للفئات الاجتماعية المهمشة ومحاولة جعلها جزءا من النسيج الإعلامي الفلسطيني عبر إشراكهم في موضوع المدونات كون الفئات الاجتماعية المهمشة هي الأوسع في مجتمعنا سواء كانت من النساء أو العمال، وعدم حصر الموضوع في شرائح المثقفين والإعلاميين فقط.

وقد يكون لموضوع المدونات خصوصية من حيث أهميتها لنا نحن الفلسطينيين نتيجة الوضع السياسي الذي نعيش فيه تحت الاحتلال، ونعاني في الوقت نفسه من آفة الانقسام والتشرذم الداخلي، فيمكن لهذه المدونات أن تكون أداة للتوعية بقضيتنا الوطنية في ظل تحيز الإعلام والعالم الرسمي لدولة الاحتلال، وتأثير المدونات ينبع من كونها إعلاما شعبيا واسع الانتشار.

في المقابل يمكن أن يكون للمدونات والمدونيين دور في تعزيز ثقافة الوحدة الداخلية الفلسطينية، والعمل باتجاه خلق رأي عام وحدودي في الوقت الذي يعمل الإعلام الرسمي والحزبي وجزء كبير من الإعلام العربي على تعزيز سياسية الاستقطاب السياسي والانقسام الداخلي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية