قمة نيويورك الثلاثية لتحريك عملية السلام أم عملية المفاوضات؟

الجمعة 04 أيلول 2009

UN ASSEMBLY/COUNCIL


بقلم محمد أبو علان

دولة الاحتلال الإسرائيلي القائمة سياستها على رفع وتيرة الاستيطان وتهويد القدس، والولايات المتحدة الأمريكية وعدم جديتها لتحقيق سلام عادل وحقيقي تشير بوضوح مكتمل الرؤيا أن الحديث عن بدء مفاوضات حقيقية وجدية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية أمر ليس بالإمكان تحقيقيه في ظل حكومة “نتنياهو”، ولا حتى في ظل حقبة “باراك أوباما” الأولى على الأقل.

بالتالي يمكن اعتبار سعي الرئيس الأمريكي لعقد قمة ثلاثية على هامش الدورة 64 للأمم المتحدة بحضور كل من “نتنياهو” والرئيس الفلسطيني “محمود عباس” في الثالث والعشرون من الشهر الحالي عبارة عن نشاط علاقات عامة يعلن خلاله عن تجدد عملية المفاوضات بين “نتنياهو” والرئيس أبو مازن.

الثمن المتوقع أن يكون بعض الإجراءات الإسرائيلية تحت عنوان مزيد من التسهيلات لصالح الفلسطينيين، أو يسميه “نتنياهو” بالسلام الاقتصادي، وقد تشمل العملية إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة لتنازل “نتنياهو” عن شرطة المسبق للمفاوضات والمتمثل بالاعتراف المسبق بيهودية الدولة.

هذه القمة أن قدر لها الخروج لحيز الوجود في ظل استمرار المواقف الإسرائيلية تجاه الاستيطان، وتجاه عملية السلام برمتها ستعتبر تنازلاً لما أعلنه الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي أفرزت حكومة نتنياهو – ليبرمان أن لا تفاوض مع أية حكومة إسرائيلية قادمة، كان من كان على رأسها ما لم تلتزم بثلاثة مطالب أساسية، أولها وقف الاستيطان، ثانيها التفاوض على أساس حل الدولتين، وثالثهما الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بما فيها مقررات اجتماع أنابولس.

وبعد أقل بقليل من نصف على عام على تشكيل الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو لا زالت السلطة الوطنية الفلسطينية ملتزمة بما قطعته على نفسها من عدم التفاوض ما لم تلتزم الحكومة الإسرائيلية بمطالبها.

لكن الأمر بالنسبة للإسرائيليين لم يتوقف عند عدم الالتزام بالمطالب الفلسطينية فحسب، بل أخذت وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس ترتفع بشكل يوحي أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي في سباق مع الزمن في قضية الاستيطان وتهويد القدس في ظل الإدعاءات بوجود ضغوط أمريكية لوقفها أو تجميدها على الأقل.

الإدارة الأمريكية برئاسة “براك أوباما” تحاول أن تعطي الانطباع بأنها شيء مختلف عن سابقاتها من الإدارات الأميركية، وأن بحثها عن حل مقبول لكافة أطراف النزاع في المنطقة العربية بما يخص القضية الفلسطينية أمر جدي، ومطالبتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بوقف الاستيطان تهدف من ورائه إعطاء مؤشرات على جديتها وتوازنها تجاه عملية السلام.

الحكومة الإسرائيلية لم تعر المطالب الأمريكية أية اهتمام في موضوع وقف الاستيطان، والأكثر من ذلك أنها بدأت تجنيد جماعات الضغط الأمريكية لإجبار الإدارة الأمريكية التراجع عن مطلبها بوقف الاستيطان، وأخذت تتحايل على الموضوع عبر اللعب بالمصطلحات والمفاهيم، فتارةً تتحدث عن عدم إمكانية وقف التوسع الاستيطاني الناتج عن الزيادة الطبيعية في المستوطنات، وأحياناً أخرى استعدادها لإزالة البؤر الاستيطانية “غير الشرعية”، وآخر المواقف في هذا المجال كان أن مدينة القدس هي عاصمة دولة الاحتلال وليست مستوطنة بالتالي التوسع العمراني والبناء فيها لا يدخل في مجال وقف أو تجميد الاستيطان.

ولم يتوقف الأمر على التوسع الاستيطاني غير المسبوق مقابل المطالب الفلسطينية للتفاوض، بل تعداه الأمر لاشتراطات سياسية إسرائيلية منها ضرورة اعتراف السلطة الوطنية الفلسطينية بيهودية الدولة العبرية قبيل أية مفاوضات، وهذا الموقف تبلور في آخر أيام حكومة “لفني – براك” قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

ما بين المطالب الفلسطينية المحقة، وتجاوزات وعدم جدية حكومة الاحتلال الإسرائيلي تجاه عملية سلام حقيقية ظهرت الإدارة الأمريكية ورئيسها “باراك أوباما” بمظهر العاجز أمام المجتمع الدولي ولم يعد قادر على تحقيق أي من وعوده إبان حملته الانتخابية والتي كان أبسطها إغلاق سجن :غوانتنامو” ، فكيف سيحقق سلام بين طرفي صراع تجاوز عمره المائة عام دون وجود مواقف متوازنة تجاه هذا الصراع، ورغبة حقيقية في تحقيق السلام. .

من هنا سيحاول “أوباما” استغلال الاجتماع العام لهيئة الأمم المتحدة لعقد قمة فلسطينية – إسرائيلية تحت رعايته لتحقيق أهداف ثلاثة أولها إعطاء الانطباع بأن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الصحيح وتحقق نجاحات فيما يتعلق بتحقيق السلام في المنطقة العربية التي يعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جوهرة.

وثاني الأهداف التي يسعى “أوباما” لتحقيقها من هذه القمة جعلها بمثابة السلم التي ستنزل بواسطته السلطة الوطنية الفلسطينية عن شجرة مطالبها التي طرحتها كشرط لأي تفاوض إن هي وافقت على حضور مثل هذه القمة دون قيد أو شرط.

أما الهدف الثالث فهو محاولة الحصول على قرار يمكن وصفه سلفاً بالمسخ من “نتنياهو” حول وقف أو تجميد الاستيطان لفترة زمنية محددة يتم اعتبارها فترة اختبار لما يمكن تحقيقيه في هذه المفاوضات، ومقابل ذلك سيكون مطلوب من العرب إثبات حسن نواياهم تجاه دولة الاحتلال بمزيد من التطبيع الرسمي والعلني معها.

ويبقى الامتحان الأكبر أمام السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها برئاسة الدكتور فياض لرفض أية ضغوطات أميركية أو دولية لمثل هذه القمة الثلاثية المقترح عقدها في نيويورك بمناسبة الدورة 64 للأمم المتحدة، وعليهم الثبات على مطالبهم المعلنة قبيل أية عملية تفاوض مضافاً لهذه المطالب قضية إطلاق سراح الأسرى كشرط مسبق للمفاوضات خاصة من هم في الاعتقال الإسرائيلي قبل توقيع اتفاقيات أوسلو.

لكن حال عقدت القمة الثلاثية في نيويورك دون قيد أو شرط من الجانب الفلسطيني قد يدفع بالاعتقاد أن للأمر علاقة بوثيقة “إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة” التي أعلنها الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور فياض، والتي تصلح أساس لتحقيق “السلام الاقتصادي” لا السلام الذي يشكل مقدمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية