طريق إلى التطرف؟

الثلاثاء 24 آب 2010

بقلم لينا شنك

بعد غض النظر عن الجماعة التي تقف وراء صاروخ العقبة، وبغض النظر عن الأهداف ودون الخوض فيما اذا كانت هذه الأعمال “مشروعة” أم أنها “ارهابية”، فإنني أتفق تماما مع ما قاله “مهند” عندما عقّب بالقول “هناك مفاهيم لن تتغير بين ليلة وضحاها ولكن علينا أن نبذل ما بوسعنا لنسيطر عليها”.


هناك بيئة موجودة ومفاهيم تنتجها ثقافتنا كثيرا ما تخدم التطرف وتجعلنا نعمل ضد مصالحنا بشكل عام بوعي أو بلاوعي. فالفقر وتدني مستوى التعليم قد يكونان من العوامل التي تدفع شباب محبط إلى التطرف ولكن ذلك لا يعني أن هذا هو السبب وراء التطرف، وقد فندت هذه النظرية قراءات عديدة لخبراء في دراسات الارهاب استنتجوا بعد النظر في السير الذاتية ل 400 عضو في القاعدة – على اعتبار أنها تجسد التطرف في نظر الكثيرين- أن الفقر لم يكن دافعهم كون نسب كبيرة من المجندين هم من الطبقى الوسطى وحتى الغنية ويحملون شهادات تعليمية متقدمة، أي أنهم يندفعون لأسباب أخرى.


لتغيير هذه المفاهيم وغيرها مما قد يدفع للتطرف والعمل مع أطراف معادية وقد تكون متناقضة مثل القاعدة ويقابلها اسرائيل مثلا، يجدر بنا ايجاد ثقافة تقبل وتستطيع أن تتعامل مع نماذج مختلفة ومتعددة لا تجد متسع لها في بيئتنا الحالية.


من هذه النماذج شخص عادي جدا، لا يملك أي مواقف مسبقة، يدرس في احدى الجامعات الأردنية. في احدى المحاضرات دار حديث يتكرر بشكل طبيعي جدا وشبه يومي عن القضية الفلسطينية وطرح هذا الطالب أسئلة أربكت المحاضر وأدهشت جميع الحاضرين.


باختصار، الطالب يفهم قدسية القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية ولكنه لديه تساؤلات تدور حول جوهر القضية، من قبيل لماذا نعارض وجود شعب آخر اذا كانت حضارات عديدة قامت على أنقاض شعوب أخرى؟ لماذا نعارض هجرة غير العرب بينما لم نعارض هجراتنا السابقة والحالية؟ أسئلة كثيرة تبحث في جوهر القضية، هي أسئلة بدت مستهجنة من جميع الحاضرين وتعالت أصواتهم وهم يحاولون اسكاته، والمحاضر لم يقدم أية أجوبة شافية واكتفى بالابتسامة ثم قال ” اوعك هلا بطخوك برا وما بشفعلك انك قرابتي”.


بعد انتهاء المحاضرة، عاد الطالب للحديث مع الآخرين وقال بأنه يعلم أنه طرح أفكار خاطئة ولكنه يريد أن يقدم له أي شخص أجوبة شافية، قال بأنه يريد أن يسمع تفسيرا أقوى حتى يتخلص من “الوسواس” ولكنه يخاف أن يشارك هذه الأفكار في العلن خصوصا وأن تجربته الأولى لم تكن موفقة وبحسب قوله “ندمت اللي حكيت”.


هذا الطالب أصبح يُنظر اليه على أنه معتوه، وأصبح الجميع يتذمر عندما يرى اصبعه يرتفع وهو يطلب اذن للحديث. فلنصنفه كما شئنا، ولكن الجميع أخطأ بعدم الاكتراث لأن هذا الطالب ان لم يجد الجواب سوف يكون هدفا سهلا لمن يعملون على غسل الأدمغة من قبل من نصنفهم أنهم أعداءنا وقد يكون أول من يعمل ضد مصالحنا. نتناسى بأننا ان اسكتنا صوته لن نخدم القضية، فاذا كان الطالب ذاته في أي مكان عادي في العالم وواجهه شخص بهذه الأفكار، لن يجد ما يرد به لأننا لا نقبل الأسئلة على اعتبار أن التساؤل يدخل في باب الخيانة.

في المقابل، فإننا أمام نماذج أخرى، منها شاب أيضا لا يميزه شيء، هو شخص عادي أيضا، يملك احساس جارف تجاه القضية الفلسطينية، وقضية العراق، ويشعر بالضيق جراء ما يحدث في البلاد من فساد، وغلاء أسعار وتدني مستوى الحريات. عائلته عائلة تقليدية جدا ويضطر من جراء مفاهيم عائلته أن ينشط في السياسة سرا، فجميع المظاهرات التي خرج بها عدا واحدة كانت بالخفية عن أهله.

الأمن الجامعي خلال مظاهرة - أرشيفية


هذا الشاب مندفع للعمل من أجل “غد أفضل”، ولكن أوضاع الحريات لا تساعده، لا يستطيع أن يوزع منشورات للتذكير بحصار غزة الا بإذن، لذا فهو مضطر لابتكار وسائل جديدة لتوزيعها بالخفية أيضا ليس عن أهله فقط بل عن ادارة الجامعة. يسبب له نشاطه السياسي المسالم الكثير من المتاعب ويتلقى تهديدات مستمرة بأن قرار فصله من الجامعة التي يدرس بها سوف يتخذ في اللحظة المناسبة فور أن تهدأ الضجة الاعلامية التي صاحبت الانتخابات الطلابية والتي كان يحتج عليها من الألف إلى الياء.


وسط حماسه لإحداث التغيير، وُضعت في هذه الانتخابات شروط كانت بالنسبة له دليل واضح على انها صُممت خصيصا لاستبعاد الطلبة الناشطين سياسيا، ولم يتمكن من مشاركة أفكاره من خلال برنامج انتخابي لأي من المرشحين لأن البطاقات الانتخابية كان من المفترض أن تحمل اسم المرشح فقط ومُنع المرشح من وضع أي شعار يدلل على اتجاه أو فكر سياسي.


المظاهرة الوحيدة التي خرج بها وعلم أهله بها كانت السبب في حرمانه من مادة دراسية على الرغم من انه لم يتجاوز ساعات الغياب المسموح بها وكان في تلك الأثناء يعتصم سلميا أمام احدى المؤسسات الرسمية احتجاجا على الممارسات “القمعية”.

لا يزال يُصر على أن ممارسة النشاط السياسيى حقه الطبيعي، ما دام “القلم الذي يكتب به في المحاضرة مستورد بقرار سياسي وما دام الملك عبدالله الثاني وهو رأس الدولة يلتقي بطلاب الجامعات في كل البلاد التي يزورها ويؤكد دوما على حق الطلاب بممارسة النشاط السياسي”، مما يعني بالنسبة له أن ادارة الجامعة لا تملك الحق بمنع طلابها من ابداء رأي.


أنا لا أدعي أن الأول هو “مشروع عميل” والثاني “مشروع متطرف”، ولكنني فقط أعني أنهم أشخاص عاديون تماما كما وُصف الكثيرون غيرهم قبل أن يصبحوا من المشاهير ويظهروا في الصفحات الأولى، تماما كما كان غيرهم قبل أن يتسابق الصحافيون لنبش سيرهم الذاتية ومقابلة ذويهم لمعرفة تفاصيل شخصياتهم والخروج باقتباسات مثل ” لم يُعرف عنه التشدد الديني وكان يحب الموسيقى”.


شخص مؤمن بعدالة قضايا أمته، يسعى لأن يكون طرفا مؤثرا ويخدم أمته، فتستنفد طاقته في مواجهة ضغوط الحريات وثقافة الخوف، وآخر لديه تساؤلات تؤرقه ويخاف من أن يخوّن فتبقى نقطة ضعف يمكن استغلالها في أي لحظة ممن لا يتفق مع مصالحنا، بعد خمس أو عشر سنوات، أين سيكون هؤلاء؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية