انتماء

الثلاثاء 19 تشرين الأول 2010

بقلم يارا شعبان

لطالما أحسست بعروبتي أكثر من أردنيتي. أُرجِّح أن بعضاً من هذا الإثم يعود لمحبتي للغة العربية، ولطالما أيضاً كنت محط سخرية عائلتي وأصدقائي حين تتعثر كلمة أو أخرى عربية فصيحة في سياق محادثة عامية خالصة. فلا أعلم مثلاً كيف تغيب عني كلمة كبريت لأستبدلها بعود ثقاب، أو كيف تتقافز على لساني كلمة منضدة بدلاً من اسكملة أو طاولة. وحين أمعن في تداولات حياتي البسيطة، أرى كل شيء عربي، فأنا أستهلك موسيقى وكتب وأفلام وبقايا مصطلحات جغرافية كالهلال الخصيب أو بلاد الرافدين ومعتقدات عن الوطنية والتاريخ وجملة “في الاتحاد قوة” وخيباتي المتكررة، وهذه جميعها صنعت في “الوطن العربي”. وتتردد في مخيلتي كذلك ما “سمّعناه” في ردهات وصفوف ابتدائية ‪ من تعاليم فخري البارودي وابراهيم طوقان الذين استفاضوا بعواطفنا حين أنشدنا بلاد العرب أوطاني‬ وموطني.

حديثاً أصبحت أستكشف أردنيتي، خاصة عندمل بدأت بالتداول مع ضيوفنا من البلاد الغربية أو الشرقية، وفي معظم التداولات يتضح أن مجمل ما يعلمه الغير عن الأردن الحديث هو محبته للبتراء واحترامه للتاج الملكي الهاشمي، وبالمقابل فإن جميع ما أعلمه هو أنني أستطيع أن أصفف بعض الكلمات المنمقة عن عمان وأعممها بحديثي عن الأردن. ولكن عندما أخلو وصحبة نفسي أعلم أني من سكان “قرية عبدون” وإني مهما اختبرت وتداولت مع أردنيين من الفئة “المحلية” أو الفئة “الخاصة”، فأنا في لا وعيي ما زلت بعيدة عن أردنييتي وفي وعيي أُلصق عروبتي على جبهتي.

وفي مشكلة انتماء محلية جداً من نوع آخر، لطالما أيضاً تساءلت ما الصور التي ستساكن وسادتي بعد أن أطفىء عيني ليلاً بعيداً عن هذه الأرض وعن هذا الوطن. هل هو صوت محمد الوكيل صباحاً، شاشتنا المحلية، أم صحن اللبنة المدحبرة مع خبز عربي محمص. قد ذهبت وعدت، والآن أستطيع الإجهار بأن الذي أدركت أني فقدته و لم أعلم أني سأفتقده إلا عندما استعده هو رائحة الحلويات المخبوزة في فرن المنزل، ورائحة العطر الذي يضعه أبي للذهاب للعمل الساعة الثامنة صباحاً، ورائحة عطر أمي عندما تخرج ليلاً مع أبي الساعة الثامنة مساءً، ورائحة أول شتوة بعمان. أعلم أن الرائحة مرتبطة بالذكريات، وأعلم أن هذه الروائح لا تشعرني بالسعادة فقط بل بالدفء والمحبة. “إن السعادة تكمن في الرغبة بالتكرار” على قول كاتب غير عربي، وسعادتي تكمن إذاً في رائحة البدايات والتغيير، ولكن مهما تقلب الحال يبقى عطر أبي وأمي ثابت وفريد من نوعه، وأحفظه على ظهر قلب مهما زاد عدد “الشيبات” في شعري أو في شَعر من يغدقه علي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية