دروس روحية من الحضارة العربية

الخميس 23 كانون الأول 2010

بقلم القس ريك شب*

ترجمة رنا بدر

تختلف الحضارة العربية في نواحي كثيرة عن الحضارة الأمريكية التي ترعرعت فيها. و الكثير من هذه الأولى ما زال يحتفظ بالقيم التي نراها في حضارة الكتاب المقدس في كلا العهدين القديم و الجديد. و بينما كنت أفكر مليا في الحضارة العربية و تجاربي الحالية تذكرت ثلاث طرق شجعتني فيها هذه الحضارة على علاقتي مع المسيح.

1. قبل أن ننتقل للعيش في الأردن كنا نعلم أهمية استضافة وزيارة الأصدقاء في الحضارة العربية. وفي البداية لم يكن لدينا العديد من العرب الذين يزوروننا لكن استمتعنا بأخذ الوقت لمعرفة جيراننا وأناس آخرين تواصلنا معهم في بيوتهم. و كنا عادةً نهديهم باقة ورود او شوكولاتة او هدية بسيطة للتعبير عن شكرنا لهم لضيافتهم. وأحياناً كنا نأخذ هدية مغلفة او هدية موضوعة في كيس جميل، ربما بعض الشموع او مناشف خاصة بالأطباق. و عندما أصبح لدى أولادنا أصدقاء من خلال المدرسة كانوا يتلقون دعوات لحضور حفلات أعياد الميلاد و كانوا يأخذون معهم هدية لصاحب او صاحبة عيد الميلاد بالطبع.

بدأنا نلاحظ ان هنالك نمط معين. اذا كنا في زيارة عائلة ما فإنهم يأخذون هديتنا و يضعوها جانباً. يشكروننا لكنهم لا يفتحون الهدية. ولا نسمع أي شيء عن الهدية طوال الجلسة لكن على الأغلب يشكروننا لاحقاً. و في أعياد الميلاد توضع كل الهدايا على الطاولة في الزاوية بدون فتحها. وحتى عندما يبدأ الضيوف بالمغادرة لا يتحرك أحد لفتح الهدايا و لا يبدو ان أحدهم يعترض.

عندما سألنا أصدقائنا عن هذا الموضوع تعلمنا انه من العيب في الحضارة العربية ان تُفتح الهدية أمام مانح الهدية وإذا فعلت ذلك يبدو وكأنك تثمِّن الهدية أكثر من مانحها. لذا توضع الهدية جانباً حتى يستطيع المضيفين ان يقدموا لضيوفهم اهتمامهم الكبير و الكامل.

لقد فكرت بهذا الأمر ملياً فيما يتعلق بالمسيح. قال يسوع في الموعظة على الجبل: “لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً” (متى 21:6).
أحياناً أجد نفسي أثمِّن الهدايا أكثر من الله الذي يقدمهم. و قال أيضاً “اطلبوا أولاً ملكوت الله و بره و هذه كلها (كل الأشياء التي نحتاجها) تزاد لكم” (متى 33:6). أريد ان أكون رجلاً كنزه يوجد في يسوع. أريد أن أكون مثل مريم التي ابتهجت بالجلوس عند أقدام يسوع و بالتواجد معه. و انا اعلم انه بطريقة ما اذا فعلت ذلك، سواء كان لدي عطايا ام لا، لن يكون أمرا مهماً. لكن ألن يكون أمرا محزنا لو ربحت كل الأشياء و خسرت الأمر الأكثر أهمية؟

2. عندما نزور الأصدقاء فإنهم وبشكل محتوم يقومون بتحضير ما يكفي من الطعام لإشباع جيش صغير. و الكمية أكثر بكثير مما نستطيع تناوله. حتى لو كانوا فقراء جداً لكن يتخطون كل المتوقع لتوفير وليمة تليق بملك.

و من الطبيعي فإننا نشكرهم بشدة و نخبرهم كم كان الطعام شهي و رائع (حتى لو لم يكن كذلك في بعض الحالات النادرة!). و في المقابل يكون ردهم: “بس ما في شي من الواجب” و الذي يعني جوهرياً: “نحن عملنا واجبنا”. و في البداية بدا الموضوع و كأنه مهين. و كأننا نقول نحن: “شكرا من اجل الوجبة الرائعة! كانت عظيمة!” و يكون ردهم: “نحن فقط فعلنا ما كان يجب فعله. ليس أمراً مهماً.” لكن بينما كنا نتعلم أكثر عن الحضارة العربية أدركنا أننا كنا نسمعهم من خلال المصافي الأمريكية الخاصة بنا… و الذي كانوا يحاولون قوله بالحقيقة هو “لقد تشرفنا بزيارتكم لنا و هذا أقل شيء يمكننا فعله. فرِحنا بتقديم هذا لكنكم تستحقون الأكثر!”

قال يسوع في لوقا 10:17: “كذلك أنتم أيضا، متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا.”هذا العدد ليس من الأعداد الشائعة جداً. لكن اعتقد انه يشير الى نفس الحقيقة التي يعيشونها أصدقائنا العرب عندما نزورهم، وأعني بذلك انه عندما يزورك شخص مستحق الاحترام فكل ما تفعله يكون أقل ما يمكن فعله. فمن المفروض ان يكون لنا كل البهجة والفرح عندما نقدم كل ما نملك وكل ما نستطيع لله… و أن لا نتعامل مع الموضوع و كأنه عمل شاق نقوم به. والجميل هنا أن الله ليس مراقب مهام قاسي، بل هو أب محب و سيباركنا من اجل طاعتنا.

3. تضع الحضارة العربية تركيزاً كبيراً على العلاقات، وتحتل العلاقات الجزء الأكبر في الواجبات في معظم الأحيان. وقد يكون هذا الأمر محبطاً للأمريكيين أحياناً. فنحن نجري اتصالاً هاتفيا مع أحدهم و نريد ان نتطرق للموضوع الأساسي مباشرة. بينما يتصل بنا أصدقائنا العرب ويريدون ان يستفسروا عن حال عائلتنا، الزوجة والأولاد و الأهل و الإخوة. يستفسرون عن عملي. و يستفسرون عن صحتي. و بالنهاية يتطرقون للموضوع الأساسي لمكالمتهم. و العلاقة هنا تكون هي المهمة كما الحال في موضوع الهدية و المُعطي. قد تبدو المكالمة لي و كأنها مضيعة هائلة للوقت لكن أبدو غير مهذب اذا لم أوجه هذه الأسئلة بالمقابل لهم.

لقد تعلمت أنني أكون غير مهذب عندما اجعل الموضوع أهم من العلاقة، على الأقل في هذه الحضارة. و علي أن أسال أكثر عن عائلتهم و صحتهم و عملهم. إن العلاقة هي الأكثر أهمية. فيمكنني أن أنتظر لأعرف المعلومة التي أحتاجها لكن يجب أن يعلم صديقي ان أمره يهمني. عندما لا اتصل بصديق بشكل دوري لأطمئن عليه او عندما عندما أرى احدهم في الجهة المقابلة في الشارع و لا أذهب إليه لمصافحته و إلقاء التحية او عندما استعير شيء من دون ان أجلس لبضع دقائق لاحتساء الشاي، كل هذه الامور و كأنها تقول ان علاقتي مع هذا الشخص غير مهمة.

هل آتي باتجاه القلب هذا في علاقتي مع الله؟ صلى يسوع في يوحنا 3:17 قائلاً: “وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك و يسوع الذي أرسلته.” لقد عرَّف الحياة الأبدية بأنها علاقة و بأنها معرفة الله الحقيقة و يسوع. كيف أتعامل مع هذه العلاقة؟ هل أجلس و أكون بالفعل “مع” يسوع؟ هل اجلس في محضره و اعمل ما يشابه هذا الأمر روحياً بأن اسأل عن عائلته و غيره؟ هل استمع؟ أم اقرأ بعض الآيات و أعطي بعض الأوامر (آه، أقصد الصلوات) و من ثم أُسرِع الى عمل الرب؟ هل حياتي تعكس بالفعل حقيقة أن يسوع هو أهم شيء بالنسبة لي؟ إنني احتاج بالطبع إلى تكريس وقت محدد للجلوس في محضره و التواصل من خلال الصلاة و ان استمع و اقرأ، الخ… لكنني ايضاً احتاج إلى أن اضبط قلبي ليسير معه خلال اليوم كله، و احتاج أن أجعله محور حياتي و أن يكون يسوع هو جوهر كل ما افعله و ما أكون عليه.

لا توجد حضارة كاملة. ففي كل حضارة هنالك أمور إيجابية و أخرى سلبية. انا ممتن من أجل الوقت الذي حصلت عليه هنا في الأردن و كيف ان طريقة الحياة هنا ساهمت في إحياء الكتاب المقدس في حياتي. و انا شاكر ايضاً للعديد من الأصدقاء الذين سمحوا لعائلتنا بأن تكون جزء من حياتهم و شاكرا من اجل كل الدروس التي تعلمناها و ما زلنا نتعلمها من خلالهم و من خلال حضارتهم.

* ريك شب من الولايات المتحدة، يسكن في عمان منذ ١٩٩٧ ويعمل قس في كنيسة عمان الدولية. يحضر حاليا لرسالة الماجستير في التكوين والقيادة الروحية من جامعة سبرنج آربور Spring Arbor.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية