مصر… إلى أين؟ 


السبت 05 شباط 2011

بقلم دانا أبو لبن

(AP Photo/Mohammed Abu Zaid)

شهد عام 1981 انتهاء ولاية الرئيس أنور السادات ليستلم مقاليد حكم جمهورية مصر نائبه الرئيس المصري الحالي حسني مبارك. وبعد ثلاثين عاما من حكم طال كثيرا و استبد حتى تحول إلى ديكتاتوري ظالم، انفجر غضب الشعب المصري وقرر أن يخبر العالم بأسره أنه قد نال كفايته وأن الكيل قد طفح وأن ساعة التغيير قد دقت و أن نظام مبارك الذي “عمر” طويلا آن له أن يتنحى و يعطي مكانه لمن يقرروا هم أنه أهل لهذا المنصب. قد تبدو هذه المطالب حقوقا بسيطة يجب أن تكون من نصيب أي شعب بالعالم منتمي لجمهورية: أي تسمح لجماهيرها بأن تقررمصيرها بنفسها وأن تختار الحاكم الذي ترتئيه مناسبا لها، إلا أن حسني مبارك يخالفنا الرأي تماما و لا يزال يعتقد على الرغم من الهجمة الشعبية غير المسبوقة عليه بأنه لا يزال الأصلح ليحكم الشعب المصري و أن ثلاثين عاما عانى خلالها الشعب المصري الأمرين من فقر و جوع و بطالة و فساد وغيرها لم تكن كافية ليترجل عن فرسه ويمنح الشعب حق اختيار خيال أجدر بقيادتها بعد أن تخبط هو فيها لأعوام و أعوام. في الحياة قلما نحصل على فرصة ثانية لنصحح أخطائنا مهما كانت بسيطة، فمابالنا بحاكم لأحد أكبر و أهم دول العالم العربي “مصر”!! كيف يمنح مبارك أو بالأصح يمنح نفسه فرصة و اثنتين ومليون ويطلب من الشعب الصمت والخنوع؟

بالعودة إلى التاريخ، مبارك يأتي في المرتبة الثالثة بعد محمد علي باشا والفرعون رمسيس الثاني من حيث طول فترة الحكم. لم يكتفي هو بعد أو ربما لم تكتف حليفتاه أمريكا واسرائيل منه حتى الآن. فأمريكا الداعم الأول لاسرائيل والدولة التي “صرعتنا” بمبادئ الحرية و الديموقراطية والعدل وحقوق المواطن ولطالما انتقدت أنظمتنا واتهمتها بالرجعية والتخلف تقف صامتة أمام ما يتعرض له الشعب المصري من قمع و ظلم من قبل نظام حسني مبارك. فهي بالطبع تبيع هذه المبادئ و تتاجر بها فقط عندما تخدم مصالحها. أما إذا كانت التجارة خاسرة فإنها تفضل أن تضع هذه البضاعة الخاسرة جانبا لحين يأتي موسمها. هكذا فعلت عندما أعطت نفسها حق الإطاحة بنظام صدام حسين ال”ديكتاتوري” وادعت بأنها حررت الشعب و منحته الحرية و الديموقراطية. طبعا، فهم أسياد العالم و من حقهم أن يفكروا نيابة عن الشعوب و يأخذوا عنهم القرار حين يطيب لهم ذلك. فعذرا مصر، أنتم لم يحن وقتكم بعد وأمريكا لا تزال بحاجة لحليفها الأول وأنتم بالتأكيد لن يناسبكم الإضرار بمصالحها. لتنسي يا أم الدنيا همومكي الكبيرة، الصغيرة أمام مصلحة أسياد العالم.

إلا أن الحقيقة التي يجب أن لا تغفل عن ذهن مبارك وحلفائه وأعوانه أن الشعب المصري الذي خرج إلى الشوارع في 25 يناير غير الشعب المصري الذي ذاق الذل والهوان ل 30 عاما. لقد برهنت المظاهرات أن الشعب المصري مل من الصمت. إن شيء ما في نفوس المصريين قد تغير. ربما أحسوا بقوتهم التي ولدها الذل والفقر والكبت الذي عانوه تحت النظام. إن قوة الشعب قوة جبارة لا مثيل لها، لأنه عندما يغضب يجرف كالسيل الذي لن يستطيع مبارك أو أحد من حلفائه رد ويله. لقد اشتعلت نيران الثورة بين ربوع مصر أم الدنيا و في صدور و عقول شبابها و لن يخمد لهيبها إلا بزواله.

من جهة أخرى لا نستطيع إنكار أن إسقاط نظام مبارك سيخلق بلبلة و فوضى وسيقيم الدنيا ولن يقعدها في مصر.إلا أن هذه هي النتيجة الطبيعية لسقوط أي نظام في العالم و الشروع في إحلال نظام بديل له. و يجب أن لا يقف الخوف من المستقبل عقبة في طريق البناء لحاضر جديد قد يكون مضيئا ربما لأجيال ستولد بعد عشرات السنين. بالإضافة إلى ذلك فإن الشعب المصري الذي يستبسل اليوم لإسقاط حكومته لا بد وأنه مستعد ليمشي المشوار ويتحمل العواقب و ينهض من جديد. ألا يستحق الشعب المصري هذه الفرصة الوحيدة بعد أن استنفذ مبارك فرصه و فرص غيره طوال فترة حكمه؟ أم أنه ليس جديرا بالديموقراطية و الحرية التي هي حقه المشروع و ليست هبة من الولايات المتحدة تمنحها لمن تشاء؟ على العكس تماما. ليس هناك من هو أحق من الشعب المصري اليوم في التغيير و صنع القرار. و يجب علينا أن ندرك أيضا بأن الخائفين لا يصنعون الحرية، و الضعفاء لا يخلقون الكرامة وأن المتردد لن تقوى أيديه المرتعشة على البناء. لم يكن الشعب المصري أكثر شجاعة و قوة و يقينا بما يرغبه أكثر من اليوم. فهو لم ينتظر من أمريكا أو غيرها أن ترد له حقوقه و خرج بنفسه لينتزع حقه من جيوب الغاصبين غير آبه بكل محاولات مبارك لقمعه من قطع الانترنت وإغلاق محطات القطارات و إرسال عناصر الشرطة بملابس مدنية لينهبوا البلد ويلصقوا التهمة بالثورة و الشعب. لم يعد لديه شيء يخسره بعد اليوم بل على العكس لديه الكثير و الكثير ليكسبه. فليفعل مبارك ما يشاء و ليلعب هو و حلفاؤه لعبتهم القذرة بالوقت بدل الضائع فلكل لعبة نهاية، و في نهاية كل لعبة رابح وخاسر ولنترك الأيام القليلة المقبلة تروي لنا ما تبقى من الحكاية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية