في نقد الإصلاح للإصلاح – حركة ٢٤ آذار وغيرها

الثلاثاء 29 آذار 2011

د.ساندي سالم أبو سيف

لا أعتقد أنّ شيئاً ما يجب أن يردع حركات الإصلاح أو دعاته عن مواقفهم، وأنّ مزيداً من التّدقيق والوعي في الخطوات التّالية هو الضّروري الآن لتجاوز الأيّام السّوداء الدّامية التي وقعت، وإذا ما أردتُ أن أركّز تحديداً على حركات الإصلاح فإنني أروم أن أمرّ سريعاً وأن أعالج ما أعتقد أنّه بعض المزالق التي وقعت فيها تلك الحركات في مشوارها الإصلاحيّ، وسأركّز على حركة 24 آذار تحديداً، على أن أعرّج على غيرها في سياق حديثي. وسأجعل حديثي دائراً حول أهمّ ما أغفلته تلك الحركات وعلى رأسها 24 آذار:

1- حينما تحضّر لاعتصام حاشد تقول فيه إنّك لن تغادر إلاّ إذا استجيبت مطالبك فعليك أن تكون متأكداً بأنّك مستند إلى قاعدة شعبيّة عريضة وواسعة ستدعمك وتقف إلى جانبك فيما لو ساءت الأمور، إلا أنّ شباب 24 آذار ظنّوا أنّ 11 ألف داعم على صفحتهم على الإنترنت هم من سيدعمهم على الأرض، وهذا ما لم يحصل. فنحن في الأردنّ، ولنكن صادقين، ليس عندنا قاعدة شعبيّة واحدة متآلفة يمكن أن تتوافق تحت رؤية واحدة لتدعم توجه ما؛ فالقاعدة منقسمة، مفتتة، تفتقر إلى التّوافق الذّي يعدّ من أحد أهمّ أساسيّات النّجاح في الاعتصامات أو الاحتجاجات التي تأخذ طابعاً شعبويّاً، أو على الأقلّ المراد لها ذلك، والذّي يظهر لي أنّ منظمّي الاعتصام كانوا يعوّلون على الاستقطاب؛ بمعنى: أن أنزل إلى الشّارع ومن ثمّ ستتوسع دائرة المنضمين كالذي حدث في اليمن مثلاً. ولكننا كلّنا نعلم أنّ الوضع في الأردنّ مختلف، الأمر الذي أدّى إلى فشل المنظّمّين في إحداث الاستقطاب الشّعبيّ العام، أو على الأقل في حشد النّاس وإقناعهم بضرورة الاعتصام المفتوح ، أي لم يشكّلوا قاعدة متينة يستندوا إليها، وأعزو ذلك إلى أمرين أساسين:

– الزّمان: 

جاء الاعتصام بعد يوم واحد فقط من صدور قرار الموافقة على تأسيس نقابة المعلمين، وهو المطلب الملحّ والذي كان من أوائل المطالب الإصلاحيّة وقبل كلّ الهبّات الاجتماعيّة في العالم العربيّ. المعلمون في الأردنّ يتظاهرون منذ سنتين تقريباً ، تلبية هذا المطلب في هذا الوقت فوّت الفرصة على المعتصمين في انضمام شريحة أو قطاع واسع من الأردنيين إليهم، وبالتّالي يسجّل للحكومة أنّها نجحت في الالتفاف على الاعتصام ومنع زيادة أعداد المشاركين فيه، وذلك بتحقيق مطالب المعلمين الذّين لو انضمّوا للاعتصام فإنّني أعتقد أنّ قواعد الّلعبة ستتغيّر.

– المكان: 

كيف يمكن لاعتصام يرغب في استقطاب القواعد الشّعبيّة إليه وهو قد اختار مكاناً كـدوّار الدّاخليّة وتحت الجسر تحديداً لإقامته؟ كيف يمكن لك أن تقنع الأردنيّ العادي الذّي له مطالب هو الآخر بالانضمام لاعتصام يؤثّر ويعطّل مصالحه، أن تختار مكاناً حيوياً ليس فيه أي فسحة سوى الشّارع لتقيم اعتصاماً شعبيّاً يهتمّ باستقطاب النّاس فأنت كمن يكتب على نفسه الفشل. وهنا لا بدّ من إعادة التّدقيق في النّوايا فهل تريد أنتَ استقطاب النّاس واستقطاب اهتمامهم ودعمهم لك؟ أم أنّك تريد أنْ تضعظ على الحكومة دون أن تعبأ باستقطاب النّاس؟

في الحقيقية المعتصمون نجحوا في تأزيم الموقف مع الحكومة ولكنهم لم ينجحوا في حشد دعم النّاس لهم حتّى بعد فضّ الاعتصام، وذلك لأنّ النّاس البسطاء أو العاديين في نهاية المطاف أو في نهاية اليوم يهتمون بتسيير مصالحهم اليوميّة على حساب أي مصالح أو مكاسب مفترضة أو مستقبليّة بالنسبة إليهم ؛ أي أنّ عقليّة رجل الشّارع تسير وفق هذا المنطق وهو أن يقنع بحياته كما هي على حساب أي توقعّات بإصلاحات قد تضرّ بمصالحه اليومية او المعيشيّة. هذه هي العقلية السّائدة والعامّة، وهذا ما أتاح فرصة واسعة للحكومة في أن تؤلّب النّاس على المعتصمين حتى بعد فضّ الاعتصام، وأن تستقطب رجل الشّارع العادي أو حتى تلك الفئات المحايدة لصالحها حين تعزف على أوتار عديدة ومن ضمنها وتر (الأرزاق) وهنا لا بدّ أن نكون واقعيين فإنّ الأردنيّ العادي غير المسكون بهمّ الإصلاح، وأعتقد أنّها الفئة الكبرى في الوطن، لن يعبأ سوى بتوفير ما يسدّ به رمقه ورمق أولاده، أي أنّه يفضّل مكسباً قليلاً واضحاً على مكاسب مفترضة أو محتملة غير أكيد تماماً من تحقّقها.

2- طوال الفترة الماضيّة، ومنذ بداية التّحركات الشّعبيّة، بدا جليّاً عدم وضوح مطالب الإصلاحيين من ناحية، وعموميتها من ناحية أخرى وهنا فإنّ الحكومة قد نجحت في حشد قواعد واسعة من الأردنيين إلى جانبها، ولنعترف أنّ العديد من الأردنيين يساوون بين ( الملك ) وبين ( البلد ) ؛ أي أنّ الملك = الأردنّ ، فكيف إذا ظهرت دعوات من قبيل: الشّعب يريد اسقاط النّظام ! وقد ظهرت بالفعل، أو الشّعب يريد الملكيّة الدّستوريّة؟ كيف يمكن أن تفهم تلك القواعد الشّعبيّة التي تساوي بين الأردنّ وبين الملك مثل هذه الدّعوات إلا في سياق أنّها تخريبيّة تريد النّيل من الأردنّ؟ كيف يمكن للقواعد الشّعبيّة والتي من الواجب أن يعوّل عليها دعاة الإصلاح أن تفهم أنّ الملكيّة الدّستوريّة هي في صالح الشّعب؟ والسّؤال الأهمّ هل الملكيّة الدّستوريّة حقاً هي الحل الذّي يريده الأردنيّون؟ أم أنّه الحلّ الذي يفترضه الإصلاحيون؟

ومن هنا أعتقد أنّ عدم وضوح المطالب في البداية وانقسامها بين اليساريين والإسلاميين والإصلاحيين بصورة عامّة هو الذّي أدّى إلى انقسام الشّارع الأردنيّ وميله إلى الجانب الحكوميّ؛ فتارة تظهر دعوات من مثل إغلاق السّفارة الإسرائيليّة، وتارّة أخرى إسقاط وادي عربة. والسّؤال ماذا يهمّ الأردنيّ الذي يسكن المخيم، مثلاً، الذي يعاني من الفقر ومن تأزّم الحال إنْ أغلقت السّفارة الإسرائيليّة الآن وبقي هو يرزح تحت وطأة نظام اقتصاديّ وسياسيّ ساعد في تردّي أحواله؟ أليس من الأولى أن تكون الدّعوات أو توحيد الجبهات على الجبهة الدّاخليّة وحدها وإصلاحها قبل الالتفات إلى الجبهات الأخرى؟

وأرى أنّ هذا من أهمّ الأخطاء التي وقعت فيها دعوات الإصلاح وهي أنّها فشلت في توحيد مطالبها، وانقسمت وتعدّدت وتشتت تشتتاً لا يمكن معه أن تكون توافقيّة وحدويّة، وليس هذا على مستوى الشّعارات فحسب، بل حتّى على مستوى الاعتصامات؛ فمثلاً في 25 آذار كان هناك : اعتصام في دوّار الدّاخليّة لحكة 24 آذار، فيما اعتصام آخر كان في الرّابية قاده حزبيون ونقابيون لإغلاق السّفارة الإسرائيليّة، واعتصام ثالث كان في مسجد الجامعة الأردنيّة لتحقيق مطالب حزب التّحرير ( !! ) وأنا هنا أتحدث حصراً عن الدّعوات المعارضة للحكومة. 

فعدم وضوح مطالب الإصلاحيين بصورة عامّة وانقسامهم بين مطالب الحزب ومطالب البلد وظهور بعض المطالب الاستعدائيّة والتي لا يفهمها رجل الشّارع العاديّ من مثل (الملكيّة الدّستوريّة ) هو الذي فسح المجال للحكومة في حشد قواعدها، أو فلنقل في سهولة حشد قواعدها أولئك الذين يساوون بين الأردنّ والملك، وأولئك الذين يفضّلون الاستقرار على أي مطالب غامضة أو على الأقل غير واضحة والتي قد تنال من منظورهم للأردنّ، نعم هذا ما فهمته شريحة واسعة من الأردنيين، وهي التي آثرت الاستقرار على الدّخول في نفق مظلم غير محدّد المعالم، وقد يكون مردّ هذا إلى فشل الإصلاحيين أو دعاة الإصلاح في التّمهيد الضّروري اللازم لدعواتهم، و إخفاقهم في مخاطبة رجل الشّارع العادي بمطالب وإصلاحات تمسّه وتهمّه، الامر الذي قاد إلى أن ازداد النّاس الآن في الأردنّ تخوفاً وخشيّة من أي دعوات قادمة، وتفضيلهم على أن يبقَ الحال على ما هو عليه مقابل أي تأزّم لا يقود إلى مسار واضح، أو على الأقل غير محمّل برؤية واضحة وشاملة وكليّة. في الحالات المجاورة كانت الشّعوب تقود ثورات على أنظمتها، ثورات شاملة تريد الانقضاض على كلّ تبعات النّظام وتبعاته، نحن في الأردنّ من المفترض أنّنا نقود تحركات شعبيّة تروم الصّالح العام لكافة قطاعات الشّعب، تروم إصلاحات، في هذه الحالة من الضّروري بل من الّلازم أن تشيع ثقافة إصلاحيّة عامّة بين النّاس، أن تكون حركات الإصلاح ذات نفس طويل ، تقترب من نبض الشّارع وتتحسّس هموم المواطن العادي وتنطلق منها، فأي حركة إصلاحيّة تبتغي أن تحدث فرقاً أو أن تنجح في مساعيها عليها أن تكون شعبيّة بمعنى أن تجعل الشّارع / الجمهور / النّاس … أوّل همّها وآخر همّها أيضاً، وإلا ففي أي سياق ستُفهم أي دعوة إصلاحيّة؟

في النّهاية أرى أنّ دم خيري – رحمه الله – سيظلّ شاهداً على بلد ضائع حقّاً، منقسم بين فئات عديدة: الحكومة التي سمحت للزّعران أن يتغوّلوا على النّاس، الزّعران الذّين يظنون أنّ البلد بلدهم وحدهم وأنّ غيرهم خائن، الأحزاب والقيادات الفكريّة التي ما توافقت على أن تجعل الجبهة الدّاخليّة الأردنيّة هي المستهدفة في الإصلاح وراحت تشرّق حيناً وتغرّب حيناً أخرى ولم تـُجدِ محاولاتها في التّوافق على رفع العلم الأردنيّ بدلاً من رفع أعلام الأحزاب شيئاً، وذلك لأنّ النّاس أي القاعدة الشّعبيّة الواسعة ، أو القطاع الأكبر، والتي من المفترض أن تلتفّ وراء هذه المطالب غير مقتنعة أصلاً بمطالب ودعوات 24 آذار أو غيرها من الحركات الإصلاحيّة ، لأنّها ببساطة لا تفهمها!

حينما تريد قيادة عملية إصلاحيّة شاملة من وزن ما ينوي الشّباب أو الأحزاب او الحركات التي ظهرت في الأردنّ اليوم على اختلاف مسميّاتها أن تفعل، فعليك أن تنطلق من أرضيّة واحدة مشتركة توافقيّة، ومن مطالب عامّة داخليّة غير فضائيّة، أن تكون الأقرب إلى الحسّ العامّ للشّارع الأردنيّ، وأن تلتفت إلى أنّنا بالفعل نعاني شئنا أم أبينا من ( أزمة هويّة ) تؤدي إلى الانقسام وتؤثّر بالضّرورة على أي دعوات إصلاحيّة فعلينا أن نكون حذرين فيما نطرح من مطالب وأن نقرأ حال الواقع وأن ندقّق في تركيبة المجتمع الأردنيّ أكثر، فضلاً عن أنني أعتقد أنّ مسار حركات الإصلاح في الأردنّ على مجموعها لا يزال نخبويّاً وأسيراً لحوارات فكريّة تحيّد الشّارع الأردني أو تخفق في التقاط نبضه الحقيقيّ، أو على الأقل لا تجعله في مرمى أهدافها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية