بيقولو صغير بلدي

الخميس 03 آذار 2011

بقلم ليلى الزعبي

تصوير سعد دروزة

“الشعب يريد إصلاح النظام” مطلب ذو وتر هادئ ورقيق و”إيجابي” مقارنة بالمطلب الثوري السريع “الشعب يريد إسقاط النظام”. إلا أنه وبعد قراءتي لكل ما وقع عليه نظري حول الإصلاح فإن مهمتنا كشباب لإيجاد تغيير حقيقي دون هدم “أعمدة” حياتنا الاجتماعية هي المهمة الأصعب والأخطر.

حيث أنه أولا تتعدد المعاني لما هو النظام الذي يجب إصلاحه، فليس لدينا حزب حاكم يفسر قرارته وتعييناته وفق سياسات معينة كي نطالب باصلاحها أو اسقاطها. كل شخص يعني بالنظام مجموعة الممارسات أو السياسات التي يرفض دون مرجعية دقيقة تصف ماهية النظام والمسؤولين عنه. النقاشات حول الإصلاح تدور بين أشخاص لديهم تعريفات مختلفة جدا للنظام، البعض يعتبر النظام سياسات الدولة الرئيسية وأصحاب القرار فيها بأجنحتهم المختلفة من سياسية وعسكرية وغيرهم يعرف النظام بأنه الحال القائم من منفذي سياسات من درجة أولى مثل الوزراء ويناقشون التطبيقات بعيدا عن أسسها، وهناك من يعرف النظام بأنه منظومة الحياة الاجتماعية التي أوجدت فساد وخلل.

والمهمة أيضاً صعبة لأنها تجر الجميع إلى ضرورة التغلب على ضبابية المفهوم وأيضا مجابهة من يتفقون على تعريف النظام ولكن يريدون تحوير مسار التغيير الحقيقي إلى تلطيف تجميلي لقضايا هامشية أو لاحقة ويبعدونا عما يجب تغييره وهو جوهر ما أوصلنا لهذا الوضع الذي يتفق الجميع على حتمية تغييره.

ولأكون مباشرة عكس من أنتقد فإن ما يجب البدء به من أجل التغيير هو هدم الأوهام المؤسسة لسياسات الحكم في عشرات السنين الأخيرة التي استخدمت محليا كحجج لتبرير سياسات رفضها الشعب أو لإلقاء اللوم عليها للتخلص من مسؤولية واجبة، وهي:

• الأردن بلد صغير معدوم الموارد. مما عنى بالضرورة استحالة استمرارية وجودنا دون تبعية اقتصادية غير مشروطة لسياسات الدول العظمى الليبرالية بطبيعة الحال، واتجاهنا للمشاريع الاستثمارية والخدماتية لا الصناعية أو الزراعية أو مجالات البحث العلمي. وسعينا وراء المساعدات المالية المشروطة أيضا سياسة تلقائية لا يمكن نقاشها.

• موقع الاردن الجغرافي يفرض علينا علاقات خارجية سياسية محددة وإلا انجرفنا نحو العنف وانعدام الأمن كجيراننا. خطاب نسمعه دائما لتبرير تحالفنا الغير مبرر مع الولايات المتحدة وعلاقتنا المرفوضة شعبيا ومنطقيا مع دولة الاحتلال تحت مبرارات “الوصول للحل السلمي في المنطقة” والحفاظ على الأمن والاستقرار …. إلخ، وداخليا بما يتعلق بقمع الحريات من قوانين احزاب وتجمعات كي لا تنزلق الدولة وراء هموم عربية وغير محلية نفقد بها زمام السيطرة على الأمور، لأن البديل دائماً أسود وهو بالمناسبة أجمل ما أثبتت ثورات تونس و مصر بطلانه.

• تركيبة نسيج المجتمع الأردني من شتى الأصول والمنابت تحتم بقاء سياسات اقتصادية وسياسية تضمن هذا التوازن الحساس. مما يبرر القوانين الانتخابية ودوائرها، سياسات المكرمات مختلفة، العطايا والمزايا، القبول بالخروج عن سدة القوانين لإحترام خصوصيات هذه الفئة أو تلك. وحتى مجاملة القوانين لظواهر اجتماعية ترسخ مفاهيم مثل الواسطة والتعدي على القانون واللامساواة بين المواطنين.

خضت نقاشات عديدة على مر السنين مع من لم يتوقفوا عن تأييد السياسات الحكومية وكان تبريرهم لرفض تغيير قوانين ومواقف مرتبطا بالنقاط أعلاه واحدة أو أكثر، وعندما تفقد الحجج أعلاه صلبها يلجأون إلى “عدم كفاءة البديل” إن كان مجتمع أو أحزاب أو دول عربية مجاورة – وهو خطاب منظم مؤسس كارثي لعدة أسباب أهمها أنه:

• خطاب مموه ينطلق تماما من حضن ايدولوجي ليبرالي، ويختبئ خلف عدة “وقائع” و”حقائق” مغلوطة وغير حقيقية ويقدم بصيغة غير مباشرة تصعب على رافضيه مباشرة معالجته لتموهه وتشابك مغالطته.

• خطاب ينطلق من كوننا ضعاف مكسوري الجناح، غريبين في وسط جغرافي عنيف ودموي لا ننتمي له أو يعنينا وداخليا قليلي الحيلة والموارد نعاني الأمرين لنحافظ على توازن بين وهم شعب من مختلف المرجعيات والأعراق.

من الغير الممكن الوصول إلى تغيير جذري من دون نسف الخطاب الذي أوصلنا إلى هذه الحالة المزرية من الاعتمادية الوجودية على مساعدات أجنبية، وحالة الهشاشة القصوى التي فصلتنا عن جذورنا الطبيعية في وطننا العربي مما خفضنا أكثر لتبعية سياسية تضرنا ولا نحتاجها وأوجد حالة انقسام داخلي وعصبوية يغذيها نظام متمرس يهدف لبقاءه لا غير.

وإنه من أجل أن ننهض كدولة مواطنين قادرة على التصرف وتنمية مواردها الأساسية مثل البوتاس والفوسفات والصخر الزيتي دون خصخصتها بجانب ثروات الدولة التي يملكها الشعب لا الحكومة يجب أن يتم ذلك من قبل حكومة ترى وجودنا في ظل منطقتنا مصدر قوة لا ضعف. وترى أن المساعدات الاجنبية ديون وقيود لا ميزات تطور لمشاريع وهمية تفيد أصحاب رأس المال لا الأردن.

ومن دون أن ننهي محاولات الحكومة لجر الحديث عن “المنابت والأصول” بين مواطنين يجمعهم الهم والفقر ذاته ولا يفرق الفساد والسلطة الناهبة بين جيم وقاف وهمزة أي من المقهورين لن نستطيع الوصول إلى مساوة سياسية وحرية ضرورية للتغيير في دولة مواطنين لشعب واحد بالأساس.

القائمة لا تنتهي، حل أي مشكلة نواجهها: البطالة، الفساد، غلاء المعيشة، الخصخصة، مشروع “تجديد” وسط البلد، الواسطة، العنف الجامعي، تزوير الانتخابات، المناطق المؤهلة، انتقاص معاهدة وادي عربة من سيادة الأردن وحتى ارتقائنا لدولة ديمقراطية بحكومة منتخبة لن يتم دون تغيير مقاربتنا الحازمة والرافضة لنظام لا يرانا شعب واحد متساو يمتلك ثروات وقدرات عظيمة للنهوض بانتماءه لقضتيه وعروبته وعدالة الانسانية الاجتماعية، أو يرى دوره الوحيد الذي يجب أن يعمل لأجله: خدمة هذا الشعب.

هذه القناعات التي ترفض هذه الأسس الوهمية هي المحرك الأساسي لشباب واعي ومتحرر من القيود التي فرضتها وزرعتها الحكومة، ينتقد واقعه وينتقد قواه السياسية المتهالكة وينتقد واقع النظام الحالي المسير للأمور والذي لم يخرج بعد من عناصر فزاعاته السياسية المعهودة.

في نهاية كل نقاش يحدد التغيير والنمو السياسي ويتباكى على انعدام الموارد والخصوصية الاردنية ويتحجج بعدم امتلاكنا لقرارنا بواقع الحال من عدو شرس (نرتبط معه بسلام مخزي) وقوى عظمى لا ترحم (تقيدنا بمساعدات نركض لطلبها) ومجتمع غير مستعد للديمقراطية بعد، تتردد علي دائما فيروز وهي تقول
بيقولو صغير بلدي،
وبالغضب مسور بـلـدي
الكرامة غضب
والمحبة غضب
والغضب الأحلى بـلـدي

تحاكي هذه الجمل حلمي بأن نتحرك كشباب ضد هذا المنظومة التي لا ترى فينا القدرة على التغلب على كل المعوقات باتساق يضمن لنا دور قوي داخلي وخارجي دون تبعية اقتصادية وسياسية للشر المطلق الذي يقود العالم والذي نعلم جيداً أنه لن يسمح لنا بهذا التحرر ضده دون إرادة قوية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية