أيها الأردني تمهل

الثلاثاء 29 آذار 2011

تصوير روان دعاس

بقلم جابر جابر

عزيزي الأردني تمهل. أوقف آراءك كلها. ضع مواقفك المسبقة على الرف، واستمع إلي. أعلم انني  لستُ نانسي عجرم ولا حتى عمر العبداللات حتى تسمعني، لكنني شقيقك في الوطن والمصير، قد تكون انت ايها القارئ قد وقفت في الباص لتُمَكِن أبي من الجلوس، وقد أكون أنا وأنت رقصنا وطربنا حتى الهزيع الاخير من الليل على تأهل منتخبنا الوطني الى كأس آسيا. كل هذا جائز، ولذا بحق الاخوة التي تجمعنا من غير أن تجمعنا الارحام، بحق الزيت زالزعتر، بحق خطبة الجمعة التي قد نكون سمعناها سوية، بحق السلام الملكي الذي أنشدناه أطفالا سويا، بحق الزي المدرسي الذي رفضنا ارتدائه ونحن في الثانوية، بحق ذكريات لا نذكرها، ادعوك أن تتوقف للحظة وتترك كل ما تعرفه عما حدث يومي الخميس والجمعة في صندوق وتقفله الى ان انتهي من كلامي، ولك بعدها ان تقرر ما تريد.

لن اسألك هل أنت مع أو ضد شباب الرابع والعشرين من آذار فهذا وعلى ضوء ما حدث ليس مهما على الاطلاق، لأن اربعة وعشرين اذار مجرد شباب اردنيين – ولو راى البعض انهم غير اردنيين – فهموا أن بإمكانهم خدمة بلدهم ووطنهم من خلال الاعتصام على دوار الداخلية. هل كانوا مخطئين ام مصيبين؟ ليس هذا مهما ابدا، بل ان رفاقي واخوتي في 24 اذار انفسهم ليسوا بذوي أهمية مقارنة بما سأحدثك عنه بعد قليل
لكن قبل اي شيء ادعوك للتفكير المعمق بهذه الاسئلة التي ساطرحها عليك : هل أنت مع اردن ديمقراطي ام مع أردن كاتم للصوت؟ هل أنت مع حرية التعبير ام مع حرية القمع؟ هل أنت مع أردن لكل مواطنيه أم مع أردن للأغنياء فقط، أو لأبناء الذوات فقط؟ هل أنت مع أن “تكفل الدولة حرية الرأي ولكل اردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون” ام أنك مع شطب هذه المادة من الدستور الاردني؟ هل أنت مع أن “الاردنيين امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات” ام أنك ترغب بشطب هذه المادة من دستورنا وتحويل الاردن إلى بلد فاشي مضطهد للأقليات؟؟

إن كانت إجابتك كلها في الشق الثاني من كل سؤال فاعتذر لك عن الازعاج الذي سببته لك وأخبرك أنه لا داعي لتكمل المقال، وأنصحك نصيحة الاخ المشفق أن تراجع أردنيتك حالا وفورا، لأنك تنتمي الى “أردن” لا ينتمي اليه معظم الأردنيين.

أما إن كانت إجابتك مع الشق الاول من الاسئلة فهنيئا لك هذا.
لأنك مع حرية التعبير التي كفلها الدستور، و لأنك مع أردن ديمقراطي يتساوى فيه الاردنيون كافة أمام سلطة القانون الذي ارتضيناه، فمبارك عليك وعلى الأردن.

وهذا الإيمان بالأردن الذي به اؤمن يحملنا مسؤوليات، علينا جميعا كأفراد وكمجتمع أن ننهض بها وإلا صار كلامنا عن الاردن الديمقراطي مجرد كلام هو أقرب للكذب، وكما للأردني حقوق فعليه واجبات، وواجبات عظيمة أيضا. ومن أهم هذه الواجبات كما أرى حماية الأردن، وحماية الاردن لا تكون من أعداء الخارج فقط بل وحمايته من أعداء الداخل أيضا وربما تكون هذه المهمة أصعب وأخطر، وأهم أيضا، لأن عدو الحارج يدمر الجسد اما عدو الداخل فيقتل الروح ويزرع بذور الشر في المجتمع.

علينا كأردنيين ان نحمي المبادئ التي تجعلنا وطنا  لكل افراده، ولذا علينا ان نحمي حق الأفراد، كل الافراد، بالتعبير السلمي عن أنفسهم وذواتهم وعما يعتلج في صدورهم حتى – وهذه هي النقطة الاهم – حتى لو كنا نحتلف معهم.

فمثلا شباب الرابع والعشرين من آذار أحترمهم وأجلهم لكنني كذلك انتقدهم “انتقاد المحب المشفق لا العدو الحاقد”. انتقد استعجالهم بالنزول الى الشارع، انتقد اختيارهم لمكان الاعتصام، انتقد سماحهم لاهدافهم ان تُفهَمَ بشكل خاطىء، لكنني ايضا كأردني غيور على بلدي مستعد للموت في سبيل تمكين هؤلاء الشباب من التعبير عن ارائهم بحرية، وهذا هو جوهر الموضوع.

اختلف مع من شئت من أبناء الوطن فالاختلاف رحمة، والاختلاف لا الخلاف كثيرا ما يوصل الى الحلول الوسط التي غالبا ما تكون الافضل والأمثل، واحتلف كما شئت مع شباب 24 اذار لكن عليك كأردني ان تساند حقهم في التعبير السلمي عن افكارهم، لزام عليك كأردني أن تحميهم من السلوك الدخيل على مجتمعنا الا وهو “البلطجة”.

إن كانوا مجرمين قالقانون هو من يحاسبهم لا حجارة “المعتدين” ولا هراوات الدرك.
إن كانوا متهمين فالمحاكم هي مكان الاتهام لا الفضائيات ولا الشتائم المنتهكة للأعراض.
وإن كانوا مفسدين “عن علم او عن جهل” فالمحاكم هي الخيار لا المشانق الشعبية.
أما عبارات التهليل للمعتدين والتمجيد للجريمة فهذا هو الجنون بعينه، وتلك هي الجريمة التي تكاد تدمر النسيج الوطني و تقود البلد – كل البلد – إلى ما لا تحمد عقباه، بل انها تفوق الجريمة الاولى اذىً وخطورة.

أعتذر عن الاطالة واختم بسؤال وحكمة
علينا جميعا وبعد ان نستيقظ من هول الفاجعة للبعض ومن غمرة السعادة “للبعض الاخر” ان نسائل انفسنا: ما هو الاردن الذي نريده لأبنائنا؟ ما هو الاردن الذي نتمناه ؟

اما الحكمة فهي للشاعر الفرنسي فولتير
قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك.

I may not agree with what you have to say, but I’ll defend to death your right to say it.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية