ضد العصبية والتشرذم: نحو هوية أردنية منفتحة، تعددية، منتجة

الإثنين 28 آذار 2011

بقلم أحمد حميض

الهوية الاردنية هي قصة متجددة، عاشها ويعيشها أهل هذا البلد كل يوم.

انها قصة من اجتمع على هذه الارض من الناس ليكوّنوا مجتمعا ودولة.

منهم من جاء من قبل، منهم من جاء من بعد. منهم من رحل ورجع ومنهم من بقي هنا. منهم من رُحّل من اوطان أُخرى ليجد الملاذ على هذه الارض، ومنهم من جاء باحثا عن فرصة لحياة جديدة.

انها قصة يختلط فيها العرب مع الشركس والاكراد والشيشان والارمن وغيرهم. وهي أيضا قصة الهلال الخصيب وبلاد الشام التي كانت في يوم من الايام مجالاً يتحرك الناس فيه بحرية. انها قصة بلد متوسّط، كان منذ الأزل بوتقة صهرت الشعوب والقبائل، وحلقة وصل ما بين بلاد الشام والصحراء.

الهوية الأردنية هي ايضا قصة التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين والدروز وغيرهم، في محيط فقد، وللأسف الشديد، الكثير من تنوعه الديني والثقافي.

الهوية الاردنية المستقبلية المنتجة والقابلة للحياة، هي بالضرورة هوية تعددية ومنفتحة. هي هوية ترتبط بالارض والمكان لا من خلال مجرّد التغنّي بامجاد غابرة أو بالدم والمعارك، بل بكيفية تنمية هذه الارض وإعمارها والتفاعل الإيجابي المنُتج مع المكان وموارده. فلا خير في التغني بالبوادي عندما نفقد تراث البادية الحي ونستبدله ببيوت تقلّد فلل عمّان الباذخة. ولا خير في التغني بالمدينة عندما لا يعرف الجار جاره أو عندما تضيع حياة البشر في أزمات وحوادث السير والتلوث. ولا خير في التغني بالريف عندما ننسى كيف نزرع ما نأكل.

إنها هوية أردنية لا تعتمد العصبيّة او التمسّك الأعمى برموز أو آثار ولا تعتمد سب الآخر وتحقيره ولاتفتخر بأصول إلا بما ينفعنا اليوم. بل هي هوية جمعيّة تعكس الإدراك المتجدد للقوة التي تعتمد على الاختلاف والتنوّع والتكيّف. هي هوية تحتفل بكل مكوناتها. فإن كانت عربية فانها عروبة منفتحة على غير العرب. وإن كانت اسلامية فانها تؤمن بحرية المعتقد وهكذا.. ولكنها هوية في أساسها مبنية على التنوع، والانفتاح على محيطنا وعلى العالم.

إنها باختصار هوية المواطنة الديمقراطية الحديثة التي تؤمن بالحرية والمساواة أمام القانون. وهي الهوية الجمعيّة التي تفتح جسور التواصل بين المدن والارياف والبوادي، وتكسر الحواجز المصطنعة ما بين مناطقتنا والتي ادت الى تفاوت في التنمية واهمال للموارد وقلة في التواصل البشري.

انها هوية لا تغمض أعينها عن التحديات الاقليمية او الدولية. ولكنها، بديمقراطيتها ووحدتها، تجعلنا نواجه التحديات معا لا كشراذم.

الهوية الاردنية التي انتمي إليها ليست اختراعا جديدا. بل هي انعكاس لقصة التنوع التي تجذّرت في هذا الوطن. وان كان فيها جديد، فهو في الدفع نحو مزيد من الانفتاح على بعضنا ومزيد من الديمقراطية ومزيد من الارتباط بموارد ارضنا وسمائنا واهلنا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية