في مهب الوطن

الأربعاء 02 آذار 2011

عندما ترتبك الهوية
بقلم أسامة طلفاح

يبدو أن كلّ شيء لدينا قد تغيّر مع تغيّر الزمان، فمع ما نعيشه اليوم من تطور غير مسبوق تغيرت لدينا مفاهيم كثيرة اعتدنا عليها سابقاً، واتضحت لنا صور كثيرة لأمور كنا في غفلة عنها، وهذا بذاته شيء جميل كثيراً ما تسعى له الشعوب والأمم.

ومن المفروض مع ذلك التغيير الذي بات يعيش معنا في كلّ لحظة أن ننظر إلى الصورة الجميلة دوماً وأن نغيّر أنفسنا إلى الأفضل دون اللجوء إلى مبدأ التخوين و”طخ” الوطنيات والقوميات والمزايدة على الشعوب التي تسعى إلى حقها في الحياة، وتسعى إلى تطوير ذاتها ليستحق ذلك الشعب وطناً عشقه منذ اليوم الأول الذي انتزعته الحياة به من رحم أمه.

ومن ضمن المفاهيم التي تطورت بتطورنا كبشر وتطور حياتنا التي طغت المادية البشعة على صورتها المعنوية الجميلة، مفهوم الولاء والانتماء للأرض التي حملتك يوماً وعشقتها عن دون بقاع الدنيا، فأصبح ولاؤك وانتماؤك لوطنك لا يُحَـدَدُ إلا بتطبيلك و”تزميرك” لكلمات ليس لها مضمون يطلقها المذياع يومياً، يُطلًقُ عليها أغانٍ وطنية، لنعيش على إثرها حالةً من التخدير التام وحالة من حالات الانقطاع عن الروح والجسد في سبيل تلك الصورة التي نتعمّد أن يراها المسؤول منّا، كل ذلك على حساب الوطن- ذلك الوطن الذي نسعى إلى أن يكون أولاً بكلّ ما فيه دون اللجوء إلى مبدأ التخوين من جديد و”طخ” الوطنيات التي سندخل لا محال كتاب جينس للأرقام القياسية بسببها.

ولائي وانتمائي لوطني لا يحدده برنامج أو مُبرمج، ولا تحدده كثرة الشعارات ولا الأغاني “الطنّانة” التي هي أبعد ما يكون عن الوطنية، بل باتت لا تمثل إلا نفاقاً اجتماعياً وسياسياً وحالة من حالات الانحطاط الفكري للأسف.

وبهذا نمسي اليوم لنعيش حالة من حالات حوار الطرشان، حوارٍ يرتكز على مبادئ لا شأن لها بمفهوم عشقك وعملك من أجل وطنك الذي تسعى إلى رؤيته دوماً بمصاف الدرجة الأولى بشبابه – علمهم وعملهم، من أجل الرقي بأوطانهم، ومن أجل كسر الصورة النمطية التي عاشها الكثيرون والتي لم تأتِ للوطن إلا بما هو سيء.

نستيقظ كلّ صباح، لنقول لأنفسنا صباح الخير مع يوم جديد، يوم كله مشقة وعمل، ونعد قهوتنا الصباحية لنشربها بذات الفنجان اليومي وبذات الطعم الذي اعتدنا عليه ونشعل ما تبقى من عمر الخريف عبر سيجارة لم تتغير، ونذهب للعمل بذات الطريق التي سلكناها يوماً ونسلكها كل يوم، وفي المساء نعود من ذات الطريق ونطرق ذلك الباب أملاً بأن يفتح لنا أحدٌ ذلك الباب المؤدي للأمل.. لنكتشف بعد كلّ ذلك الطرق أن لا أحد في البيت سوانا.
ندخل ونعد العشاء بذات الطريقة التي اعتدنا عليها يومياً، ونشاهد الأخبار ونسمع ذات الأغاني، ونقرأ من كتاب الحياة شيئاً، ونطوي تلك الصفحة .. هي نفسها .. ذاتها من جديد، ونستعد لخوض غمار النوم على أمل يوم جديد.. و ما أن نبدأ بالنوم حتى ينقض علينا ذات الحلم الذي يراودنا منذ طفولتنا …

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية