فلنتحدث عن الإصلاح الجنسي

الإثنين 21 آذار 2011

بقلم بسمة عبدالله

Work by Basel Uraiqat - Acrylic on Board

منذ فترة بدأت أمارس الركض في المدينة الرياضية وذلك لأنني مللت من النوادي الرياضية الباهظة الثمن ولأنني أشتاق للهواء الطلق في مدينة أعشق طقسها الجميل وأحب أن أسمع أصوات الطبيعة والشارع والناس خاصة أنني ككثير من الأردنيين العاملين أمضي معظم وقتي في المكتب بعيداً عن الشارع والتفاعل اليومي مع الناس. وما أحبه في المدينة الرياضية هو المكان المخصص للركض والذي يجمع العديد من الأفراد والعائلات من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية لممارسة الرياضة بكل حضارية في منطقة صحية وخالية من الملوثات البيئية والاجتماعية. لكن الجمعة الماضية مررت بتجربة أثارت في غضباً كبيراً وحزناً عميقاً مما دفعني لأكتب هذا المقال لأناقش موضوعاً غاية في الأهمية ومرتبط بعمق بعملية اصلاح المجتمع، وهي الإساءة للمرأة جنسياً والمعاكسة في الشارع.

أنا متأكدة أن كل امرأة أردنية مرت بتجربة المعاكسة مهما كانت طبقتها الإجتماعية أو أسلوب حياتها أو حتى لباسها. والمعاكسة في الإردن أصبحت ظاهرة غالبة على معظم الأماكن العامة والشوارع وحتى الجامعات والمدارس والمرافق المهنية. لكن ما أستغربه هو أن المعاكسة بدأت تأتي من صبية لا يتجاوزون الإثني عشرة عاماً في العمر! فقد تعرضت للمعاكسة يوم الجمعة بشكل مسيء جداً ومن الصعب تصوره من قبل “أطفال” لا يمكن أن يكونوا أكبر من ذلك بدليل أحجامهم الصغيرة وأصواتهم الناعمة التي أصدرت ألفاظاً لا يمكن أن تصلح لمخاطبة أي شخص في العالم.

تتم مناقشة موضوع المعاكسة الجنسية كثيراً في المجتمع الأردني وتتراوح النظريات التي تحاول تفسير الظاهرة والتعرض لأسبابها. فالبعض يعزي ذلك إلى ضعف التدين وهو تعليل غريب كوننا نجد أن المعاكسة شبه غيرموجودة في المجتمعات غير الإسلامية مثل أمريكا وأوروبا. أو طبعاً دائماً السبب الرئيسي هو لباس المرأة المثير وهو تعليل أغرب كون حتى المنقبات يتعرضن للمعاكسة في الشارع الأردني وقد رأيت ذلك بعيني عدة مرات وقرأت بكثرة عن تعرضهن للإساءة الجنسية في الشارع، وأيضاً استغرب قناعة المجتمع بهذا التعليل كونه ضمنياً يصنف الرجل الأردني قائد المجتمع والأسرة بفاقد للإرادة ومنقاد وراء رغباته لدرجة يصعب عليه السيطرة على لسانه الذي يحمل الألفاظ البذيئة على طرفه منتظرة الخروج في وجه أيه انثى تقع تحت بصره. ومع محاولة النقاش عن كل هذه الأسباب وغيرها نجد أن الظاهرة في تزايد وانتشار مستمر حتى بين “الأطفال”. لكنني أرى أن هذه الظواهر مجرد أعراض لمشكلة أكبر يعاني منها المجتمع الأردني وهي أولا قلة الوعي الجنسي الصحيح وثانياُ النظرة الدونية للمرأة كأداة جنسية وإلى جسدها كمصدر إغراء وليس كجسد أنساني يحمل عقلاً مفكراً وروحاً تشعر بالكرامة. وأرى أن الحل يكمن في الطريق المعاكس تماماً لما هو متبع من دعوة للانغلاق والكبت، وهو في التوعية الجنسية.

فنحن مجتمع لم يعتد أبداً التحدث عن الجنس إلا بطريقة مبتذلة بين الأصدقاء والمراهقين. البيت يرفض التحدث عنه بصفته موضوعاً محرجاً للجميع أو للخوف من مواجهة الإمكانية أن الأبناء قد يمارسون الجنس في مرحلة من مراحل حياتهم. ولا يناقش في المدرسة بطبيعة الحال لأن المدرسة تحاول جهدها كبت هذا الموضوع لاعتقادها أنها إذا تحدثت عنه قد يكون تحريضاً للطلاب. فيبقى الأصدقاء الذين يحصلون على المعلومات عن الجنس من وسائل الإعلام التي تستغل الغرائز والجهل المجتمعي بالأمور الجنسية، وتروج لها بطريقة تجعل المرأة أداة جنسية لا أكثر والرجل كساعياً خلف الغرائز وفاقداً لإرادته الإنسانية. فلا ينفع أن نستمر بلوم الفضائيات بل يجب علينا أن نبدأ بتحصين أنفسنا لنكون جاهزين لمواجهة ما يقدمه لنا العالم بقوة وإدراك لقيمة الإنسان والإرادة. ولا يتم ذلك بالكبت الجنسي المستمر بل بالتوعية والتحدث العلمي والموضوعي عنه.

فأدعو لإدخال التربية الجنسية في المنهاج الدراسي من المدرسة الإبتدائية، بحيث يسبق النظام التعليمي الانتشار الجاهل للمارسات الجنسية المهينة والخاطئة، ويقوم بتوعية الطلاب بمفهوم علمي وإجتماعي وأخلاقي. فأنا أذكر طوال دراستي في المدرسة لم يأتي موضوع له علاقة بالجنس إلا مرة في درس التربية الدينية عن الطهارة في الصف السابع، وقررت المعلمة المحافظة أن يكون درس قراءة خاصة نفهم منه ما نريد أن نفهم، وذلك من خوفها من أسئلتنا المحرجة، ومرة أخرى في درس الأحياء عن الأعضاء التناسلية في الصف العاشر، ومع أن المعلمة حاولت جاهدة أن تظل موضوعية وعلمية، لكنها لم تستطع استكمال الدرس بسبب ردود فعل المراهقين الذين لم يعتادوا التحدث عن الجنس إلا بطريقة سرية ومبتذلة مرتبطة تماماً بالمجلات والفضائيات الإباحية . فبسبب التقصير العلمي والمجتمعي بالتوعية الجنسية، أصبحت المصادر التجارية واللاأخلاقية هي المصدر الأول والوحيد لها. ولن نستطيع مقاومة هذه التأثيرات إذا لم نقم بالتحدث عن الموضوع فيما بيننا لأن الجهل يولد أشخاصاً مكبوتين ومسلوبي الإرادة وغير قادرين على ممارسة حياة جنسية طبيعية حتى بعد الزواج.

ويجب أن يكون التعليم الجنسي متعلقاً بعدة أمور منها البيولوجية، الصحية، المجتمعية، الأخلاقية، الإجتماعية، العاطفية، والدينية كل حسب معتقده،. ويتم تدريجها حسب الفئة العمرية وذلك للوصول إلى توعية تدريجية تتناسب مع المستوى الإدراكي وأيضاً تسبق المصادر الفاسدة التي تدس المفاهيم الجنسية الخاطئة عند الشباب والشابات. فلا ينفع إنكار وجود الحياة الجنسية في مجتمع يتزوج وينجب كثيراً بدليل التزايد المستمر في عدد السكان واالنسبة الشبابية الكاسحة في التعداد السكاني.

ثم يأتي موضوع فرض العقوبات على المسيئين جنسياً، حيث يجب أن تفرض عقوبات واضحة ومحددة وعلنية على أي شخص يقوم بالمعاكسة والإساءة الجنسية لأي شخص آخر سواء ذكر أم أنثى. ويجب أن تحتوي العقوبة على نوع من التشهير مثل نشر صورة واسم المسيء في الإعلام المحلي لكي يشعر بالإهانة التي سببها للآخر، فمن يمارس المعاكسة والإساءة علناً يستحق العقوبة علناً، ويجب فرض عقوبات خاصة على الأفراد القاصرين وليس الغض عن تصرفاتهم بحجة كونهم “أطفالاُ” لأن الطفل القادر على الإساءة يستحق المعاقبة لكن بأسلوب توعية وتعليم وإعادة تأهيل تتناسب وعمره. فأنا أطالب بشدة بمراجعة القانون ضد الإساءة الجنسية سواء جسدية أو كلامية أو حتى عاطفية وتطبيقه بشكل صارم على الجميع بما فيهم عناصر الشرطة والأمن الذين أيضاً يقومون بالتعرض للفتيات في الشوارع بشكل ملحوظ. وأقترح تعيين شرطة أخلاقية خاصة لتراقب التحرش الجنسي وتعتقل كل من يقوم به وأن نتنتشر في كل الأماكن العامة وبشكل مكثف لحماية الفرد وضمان كرامته.

أخيراً أود التأكيد على ضرورة التوعية الجنسية في المدرسة والبيت والمجتمع بأكمله وذلك لأن الكبت يولد أفراداً غير مدركين لهوياتهم الجنسية وضعفاء أمام أي تأثير خارجي. ويجب علينا التوقف عن التظاهر بأن الجنس أمر محرج وأن الممارسات الخاطئة غير موجودة خوفاً من الإضطرار للتحدث عنها. وأيضاً أود التركيز على ضرورة فرض عقوبات على المعاكسة بأنواعها وأهم نقطة أريد التأكيد عليها هي أنه يجب التوقف عن لوم المرأة على انحراف الرجل لأن ذلك فيه إهانة للطرفين. فإذا أردنا الإصلاح فعلينا أن نبدأ بأنفسنا وبأعمق المستويات لحل معضلاتنا الداخلية لكي نكون أفراداَ متعاونين ومدركين لوجود الآخر كإنسان وقادرين على حمل مسؤولية الحرية والديمقراطية. فالإساءة الجنسية تنبع أساساً من هشاشة في الهوية الإنسانية وعقدة نقص نتيجة الكبت والجهل ومن يعاني من هذه الأعراض لا يصلح لأن يقيم ثورة إصلاح أو يطالب بالحرية الفكرية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية