المطلب الوحيد

الأربعاء 09 آذار 2011

الرقص حول الشجرة يعطي الانطباع الخاطئ بأن مطالب الاصلاح مشتتة وعبثية. المطلب واضح: “من يحكم يٌسأل”

من أبرز نتائج دعوات ومناظرات ونقاشات الاصلاح السياسي أنها أظهرت إلى السطح بديهية أن نظام الحكم في الاردن بشكل تطبيقه الحالي فعلياً هو نظام حكم ملكي شمولي (أتوقراطي) فيه صانع قرار وحيد، معفي من كل تبعة ومسؤولية. فهناك إجماع على أن الحكومات والبرلمان ليست أكثر من رقع تجميلية لتحسين شكل نظام الحكم دون أدنى تأثير على اليات الحكم ومضمونه، وحتى المؤسسات “الموازية” التي طالما ساد الإعتقاد بأنها مشارك رئيس في صنع القرار ليست سوى إمتداد لشخص الحاكم الأوحد، حيث أنها تتبع مباشرة لتعليماته مما يجعلها مجرد أدوات في منظومة الحكم الفردي؛ فرئيس الديوان وقائد الجيش ومدير المخابرات ليسوا أكثر من مجرد شخصيات خاضعة للإستبدال في أي لحظة مثلها مثل رؤساء الحكومات.

يظهر كذلك بوضوح أن هذا النوع من الحكم القائم على نوع من التذاكي على الطريقة القذافية (أنا الحاكم الفعلي لكن ليس لدي منصب) أصبح غير مقبول في هذا العصر وفي بلد مثل الاردن. إن الاطار العام لأي خطوات جدية للإصلاح السياسي في الاردن يبدأ بقاعدة بسيطة هي: من يحكم يٌسأل، مما يترك الحاكم أمام خيارين:

إما تراجع تدريجي بخطوات سريعة ومتتالية في دور الملك تجعله شخصية إعتبارية ذات أدوار محدودة في إيجاد توازنات معينة في المرحلة الاولى وصولاً إلى تحوله إلى شخصية رمزية وبروتوكولية بالكامل على الطريقة الاوروبية، أما الخيار الآخر (على فرض أن الاردن غير جاهز لمثل هذه الخطوة لأي سبب) فهو أن يحصل الملك بشكل رسمي على صلاحيات رئيس جمهورية بشرط  وضع قراراته أمام المُساءلة ومتابعتها ضمن قنوات دستورية (البرلمان كمثال بعد تعديل قوانين الإنتخاب وصلاحيات وأسس “إنتخاب” مجلس الاعيان طبعاً) وتجاوز فزاعة الحكومات الصورية.

معظم المطالبات الجدية بالإصلاح هي دعوات تطلب تطبيق هذه القاعدة خاصةً بشكلها الأول، ولكن هناك الكثير من المطالب التي تقع في خانة “معالجة أعراض المرض بدلاً من معالجة اسبابه”؛ فقوانين الانتخاب الجديدة ومكافحة الفساد وتطبيق الدستور وحتى تعديل القانون الداخلي لمجلس الامة (بشقيه) وغيرها لن تتحقق بدون وجود عامل أساسي: رغبة الحاكم بنقل جزء من صلاحياته المطلقة إلى الشعب.

إن بعض الأصوات السخيفة التي تدعي أن الشعب الاردني غير قادر على تحمل تبعات تحديد صلاحيات الحاكم ونقلها إلى الشعب هي أصوات تستخف بهذا الشعب وبوعيه وفيها نوع من الاهانة؛ وكأن الاردنيين بمؤسساتهم وثقافتهم وتعليمهم ومجتمعهم المدني وبمجرد أن يحصلوا على خيار الخروج من تحت الحكم الفردي إلى صورة أكثر عصرية سيركضون إلى مخازن الأسلحة للإقتتال وسحل بعضهم في الشوارع! إذا كانت اجراءات بمثل هذه البديهية ستحول البلد إلى الصومال أو حتى ليبيا فلماذا استثمرنا بالتعليم والشباب والمدنية ودولة المؤسسات؟ ماذا كنا نفعل خلال الستين سنة الماضية وأين هي هذه الدولة المدنية التي ندعي، إذا كان الاردنيون غير قادرين على تفعيل مؤسستهم الدستورية واخراجها من تحت العباءة وغير قادرين على إستعارة النموذج المصري أو التونسي في التعامل مع تغييرات جذرية بدون نسف الدولة من جذورها؟ إن الاستخفاف بالشعب الاردني  وتقديمه على أنه غير مؤهل للحاق بالقرن الواحد والعشرين سياسياً هي مجرد محاولة ترهيب تعيد الاستناد على “نظرية العكازتين” في تحشيد المجموعات الديمغرافية ضد بعضها البعض لتحييدها واللعب على مشاكل في المجتمع (منها مفتعل نشأ بجهود ورعاية النظام، ومنها حقيقي لا يخلو منها أي مجتمع) للإبقاء على وضع لم يعد مقبولاً لنسبة من الاردنيين (لتفادي التعميم) من شتى الاصول والمنابت.

حتى الآن لا توجد ضغوطات حقيقية لأخذ خطوات حتى لو متواضعة نحو الأخذ بتلك القاعدة الأساسية للإصلاح، لكن، باللجوء إلى إستعارة من الموروث: إذا كان من المستحيل التنبؤ بقيام الساعة، فالعبرة بمن يأخذ بعلاماتها، وإذا كان الاردن ما زال بعيداً كل البعد عن أي حراك شعبي ضخم ينتزع الإصلاحات المطلوبة، فالأسئلة في السر والعلن حول ثروات اقارب الاسرة الحاكمة ومستويات انفاقها مثلاً تدخل تحت تصنيف العلامات الصغرى على أقل تقدير.

ُ

16 responses to “المطلب الوحيد”

  1. Omar says:

    لكن السؤال الذي يقض المضاجع هو بكل بساطة: ماذا لو لم يفهم النظام هذا؟ بل ماذا لو فهم النظام هذا واصر وتعنت على ثمالة السلطة المطلقة، واستمر في لعبة تبديل الكراسي المقرفة والمكرمات والتشحيد؟

    مالذي سيحدث بالضبط عند الوصول الى نقطة الغليان التي اعتبر اننا ما زلنا بعيدين عنها في الاردن؟

    المشكلة الاساسية اليوم في حركات الاصلاح اننا ولسبب غامض نتصرف جميعا وكاننا في اللاوعي نؤمن بان الملك سيقوم بهذه الخطوات التحويلة ان اجلا او عاجلا عن طيب خاطر، متجاهلين بغرابة شديدة كل الاشارات الصارخة والتصريحات الواضحة كالشمس من كل الدمى التي يضعها ان هذا عشم ابليس في الجنة، وان لعبة شراء الوقت والتنازلات الغير جوهرية مستمرة

  2. اتقف معك تماما على ان “من يحكم يٌسأل” واي شي اخر سيكون استمرار للوضع القائم ولكن بقناع مختلف. بالمناسبة مصر تقريبا ابتداءاً من 2005 اصبحت نسبة الاحتجاجات فيه مقاربة لما في الاردن الان واستمر النظام المصري البائد في تجاهلها الى ان وصل الى نقطة الغليان. المصريين لم ييئسوا من المحاولة و اصروا على التغير. فهل في ذالك عبرة لمعتبر؟

  3. Zeid says:

    ممتاز-هل انت على تويتر؟؟

  4. Hamza Budeiri says:

    أختلف معك في آخر فقرة.. كل القوى المشاركة في الحراك في الاردن اتفقت تقريبا على ان هدف المرحلة هو الدستور وبمعنى آخر من يحكم يسأل.
    وأعرف ان الامور ستسير في هذا الاتجاه بشكل أوضح وتصعيدي في الاسابيع المقبلة.
    وعلى فكرة، انت رهيب..

  5. Dana_M says:

    مقال ممتاز موسى، احب صراحتك واسلوبك في الكتابة

  6. Hatem ALshouli says:

    راااااااااااااااااااااااااااااااااااائع
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    حاتم الشولي

  7. عادل says:

    ياسيدي لااوافقك الراي فيما كتبت …..الاردن بلد قائم على التعدديه قبل ان نفكر في تحديد الصلاحيات هل تستطيع الاجابه عن السؤال الذي يقول كم من الاردنيين يستطيع فهم الخطاب السياسي سواء للمنظمين حزبيا او غير المنظمين حزبيا …..تبعات الموقف اكبر من تصويرك للموضوع وهذا ببساطه ليس تقليلا من شان الاردنيين بقدر ماهو وعي وثقافة المجتمعات ….فانت لاتتحدث عن شعب اوروبي انت تتحدث عن شعب عربي مسلم …شرقي …لايمكن ان نطبق مايجري في الخارج في وطننا العربي انظر الى الحريه اللبنانيه دمار في دمار بلد يحاول النهوض منذ نهاية الحرب الاهليه ولن ينهض وذلك لعدم وجود بنيه سويه قادرة على تحيد المطالب …..بداية دعونا نعيش الثقافه الحزبيه وانضباط الفرد داخل المجموعه الحزبيه وتفعيل الايمان بحزبه ومن ثم نبداء العمل …..شكرا كثيرا لطرحك الموضوع ….اتقبل وجهة النظر

  8. عكرمة غرايبة says:

    اتفق معك تمام الاتفاق, ان المشكلة الاولى والاخيرة هي استئثار الملك بالسلطة, وان كل المشاكل هي اعراض جانبية لهذه المشكلة, وهي فكرة مؤسس لها في القرآن الكريم بشكل مفصلي , ففرعون الذي “ما اريكم الا ما ارى” وهو ايضا ما امتلك مصر وثرواتها واناسها” اليس لي ملك مصر” هو نظام يعبر عن الاله الفرد, وفي القرآن اعطاه الصفات بشكل من التفصيل الدقيق والذي قد يطول الكلام عنا” اذهب الى فرعون انه طغى”فالطغيان هي الصفة الجامعة لهذا النظام, والعلو والكبر والافساد والكيدية والتأله واللعب بمدركات الناس وحواسهم عن طريق مؤسسة السحرة, والتفكيك الاجتمعاعي” وجعل هلها شيعا”يمكن ان يكون النص القرآني اكبر رافعة لمواجهة هذا التأله والطغيان, اشكرك مرة اخرى على مقالك الاكثر من جميل

  9. Harethmeshaal says:

    كاتب المقال بعيد عن الوعي ومشكلته وغيره لا يرون في الاردن الا المسافه بين الحسيني وراس العين و يختزلون باقي الاردن بالدوله والحكومه وهم يبحثون عن حصه في الكعكه لااكثر

    • Jordaniacs says:

      و تظن ان ردك هذا يدل على انك اكثر وعيا؟ رووح ادبك احسنلك

  10. ست زبيدة says:

    النظام السياسي الطائفي هو الذي دمّر لبنان و هو برأيي الشخصي يغذّي من الطائفيّة في المجتمع اللبناني
    لو كانت لبنان دولة ديمقراطيّة تحترم -أو حتّى لا تأبه-
    بالتّعدّديّة لكانت لبنان في مكان أفضل بكثير …
    و اعتقد أنّ الكلام ينطبق على الأردن
    نوعاً ما

  11. ست زبيدة says:

    المهم كلام جميل يا موسى و تابع الكتابة لأنّك تذكّرنا بالبديهيّات التي نسّونا إياها

  12. M_1234 says:

    لك سيدي ابا الحسين كل الولاء و نحن معك …. من يحاول ان يعبث بأمن الوطن فليذهب الى الجحيم
    افضل الموت على ان ارى شرذمة امثالك قد اصبح مسؤولا عني … خسئتم

  13. Dana says:

    رائع!!!

  14. Rania E says:

    الألف في المصدر على وزن افتعال أو استفعال هي ألف زائدة، لا تُكتب عليها الهمزة. خطأ يتكرر في مقالاتك.
    عدا عن ذلك، شكرا لك ولكتابتك.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية