أماكن مهملة، أماكن ثالثة وأماكن ملهمة

الأحد 20 آذار 2011

بقلم ريما الصيفي، تصوير نجيب أكتوف

لا شيء يفوق ذاك الإحساس الذي غمرنا بعد توقف هطول المطر والتماع أوراق الشجر لتعكس اشعة الشمس العصر عندما انطلقنا من مكان بجبل اللويبدة حيث كان لقاء حبر لاكتشاف اماكن عمّان الثالثة واماكنها المهملة.

السينما
كنت كلما مررت من هذه البناية في طريق المؤدي من جبل اللويبدة الى شارع وادي صقرة أنظر اليها وإلى تصميمها المميز واشعر بالحزن لما اّلت إليه حالها مع انني لم أعي تاريخها ولم أحضر فيها أي فيلم. فهي الآن مهجورة وذات رائحة قذرة فقد تراكمت المهلات على ابوابها المغلقة وعلتها بيوت العناكب واصبحت كما يقول سكان الحي “مزبلة”.

فكانت هي مقصدنا أنا وزملائي الحبريين نجيب ونبيلة للبحث عن أماكن مهملة وقد ارتأينا أن نسأل احد المارة من سكان المنطقة ليخبرنا أكثر عنها. فإذ به يرشدنا الى صالون الأردن ويقول “ابو محمد الحلاق هو خير من يحكي تاريخ الحي.”

الصالون “صالون الأردن”

لم يرغب في النزول الى دكان الحلاقة اليوم، لولا رنين ذلك الهاتف. إنه صديقه الدكتور يود أن يلتقي الصحبة ليتباحثوا في الثورة المصرية فقد مل تحليل الجزيرة و تعتيم الإعلام المصري. يطفىء التلفاز، يرتدي ثيابه، يودع زوجته و يتوجه لفتح المحل وهو مدرك أنه سيكون يوما بطيئا على اكثر تقدير.

هناك صداقة تجمع بين الرجلين، يتكلمان عن كل شيء: الوضع، الأخبار، السياسة، الناس، الفن والثقافة. يغلق الدكتور باب بيته على هموم وقصص زوجته وأصوات التلفاز وضجيج الأبناء مع حبه لهم إلا أنه يدرك أين السلام الذي ينشده الاّن . يركب سيارته عبر ضوضاء الطريق ليصل إلى حيه القديم وصديقه الحلاق و شلة العمر.

استأذنا ان نسال بعض الأسئلة عن السينما والحي، فإذا بالجالسين يخبرونا أن خير من نسأل هوصاحب المحل “يوسف قدري شلباية” أبو محمد الذي دعانا وصديقه الى الجلوس مرحبين. مع انني لست من اهل المنطقة وبالتاكيد لست من رواد الصالون إلا أن الألفة التي شعرت بها فيه غلبت على التردد في السؤال. هناك ود بين رواده، مع مشيب رؤوسهم فإن الحيوية بادية على وجوههم وهناك مواضيع و قصص كثيرة تجمعهم عدا الشاب الجالس على كرسي الحلاقة “مسلم راسه” فقد بدا انه جديد على الحي، لكن كان من الواضح أن ابو محمد قد أشعره بالارتياح.

جلست أنا و نبيلة على مقاعد الانتظار السوداء الجلدية قرب الدكتور محمد مصطفى عليان العطيات صديق أبو محمد الذي ارتأى أن يترك حيه القديم بعدما غادره معظم سكانه القدامى لكنه يعود للصالون كل يوم ليلتقي مع الأصدقاء. واستأذن بعض الرجال ربما لنأخذ راحتنا في الحديث.

سينما الخيَّام:
يخبرنا الرجلان ان السينما قد اسسها عبد الرزاق الفيومي 1950 و اسمها الفيومي وكان شريك العطيات. ثم اصبحت تعرف بسينما الخيّام في الخمسينات نسبة إلى اسم الشارع (عمر الخيّام) الذي كان منطقة حيوية فيه العديد من محلات الخياطة و بضعة مطاعم ومقاهي ومحامص ثم اشتراها الكردي وتم توسيعها وتجديدها في بداية الستينيات. كان الرومانسيون والسياسيون يذهبون الى سينما”الخيام” بينما “الشعبيون”كانوا يفضلون دور السينما الأقل سعرا مثل”الكواكب” و”دنيا” و” الحمرا” و”سينما عمّان” . وفي السبعينات ارتادوها مع العائلة و كان “أبي فوق الشجرة” و”العراب ” من الأفلام التي حضروها في السينما التي كانت تعرض افلام مصرية و انجليزية و هندية حتى الثمانينات، حيث قل روادها من العائلات آنذاك و أصبحت الفلام التي تعرض أكثرها من افلام الأكشن . ثم اشتراها ابو قورة وبقيت تعمل الى عام 2004 عندما أغلقت واشتراها الحنيطي.

يمكن التعرف أكثر على دور السينما القديمة(الدستور ـ طلعت شناعة)

أصبحت الأن مهملة و قذرة. و عند سؤالهم هل يودون ان يعاد افتتاحها أجاب الدكتور انهم يودون لو اصبحت مركزا ثقافيا. وعند سؤالهم عن السبب قال أن نوعية الحي تتسم بالهدوء وان المثقفين يكملون هذا الطابع، فهم كما يقول الدكتور”يضيفون طابع المرجعية الفكرية للمكان، يقوون معنويته، فيبقى هناك روح وهدوء وراحة بال وقلة همل كما في المجمعات التجارية”. “زمان كان الاختلاط مؤدب عائلي غير عن هلا لما زادت المادية في كل اشي”

شاهد صور من سينما الخيام الآن

الصالون مكان ثالث:


صب ابو محمد الشاي وسأل نجيب إن كان يود أن يشذب لحيته وتسريحته. اعتذر نجيب لضيق الوقت. أخبرنا أبو محمد بأن الحظ قد حالفنا فهو لم يكن ليأتي لو أن الدكتور لم يتصل به. و نسأل عن تاريخ المكان فيقول أنه ابقى على اسمه منذ ان استاجره في 1-1-1970، “صالون الأردن”، ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل في الحي وهو والدكتور اصدقاء.

نسأل الدكتور إذا ما كان هذا هو مكانه الثالث ودون ان يسألنا عن معنى السؤال يجيبنا أنه المكان . إنه بالنسبة له افضل من المقهى. إنه مكان فكري يجمع بين كل الطبقات ويتغير الزوار. أصحاب الصالونات القديمة كما يقول لهم تذوق فني رائع فقد عاصروا الفن القديم أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم. و بدأ يخبرنا عن الثقافة، المدنية والحضارة. شربنا الشاي و تناقشنا وشكرناهم.

وفي الطريق بدات المقارنة بين محلات الحلاقة الرجالية القديمة والحديثة . فالحديثة الرجالية كما يقول نجيب لا تحمل نفس الحميمية فالتلفاز والمباراة تطغى على الجو.

أما بالنسبة لنا نحن النساء ربما يكون الأمر مختلف. فمع وجود التلفاز و الراديو في الصالون فإن الكوافيرة ما زالت تسألك عن حالك تبتسم و تخبرك عن أحوالها تقراي المجلات و تشربي قهوتك. فالصالون كما تقول مديرة صالون الحي في عمّان الغربية هو “وين مابتروح تغير جو و ترفه عن حالها، و دورنا نحنا نطّلعها مزهزهة ومش نكد عليها”.

شاهد مزيدا من الصور من صالون الأردن:

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية