أسباب لرفض موازنة ٢٠١١

السبت 02 نيسان 2011

كلمة العين/ الدكتور صلاح الدين البشير في مناقشة مجلس الأعيان لموازنة 2011

بسم الله الرحمن الرحيم
رب اجعل هذا البلد أمنا
صدق الله العظيم

دولة الرئيس
أصحاب الدولة و المعالي و السعادة الزميلات و الزملاء الأكارم

يشكل عام 2011 تحديا كبيرا للأردن سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا. ولكي يتمكن الأردن من تجاوزها بثقة واقتدار لا بد أن تعكس سياساته الشفافية والمسؤولية و الاستقرار والاعتماد على الذات. كما يتطلب ذلك الحكمة في إدارة الملف الاقتصادي و السياسي لأن اجتماع أزماتهما وتعميقهما سيعصف بإنجازات الأردن واستقراره.

دولة الرئيس
الزميلات و الزملاء الأكارم

يعتري قانون الموازنة مثالب كبيرة و خطيرة وتبرز أرقامه وفرضياته تنكرا للمرتكزات التي أوردتها الحكومة الموقرة في خطابي الموازنة و للواقع وتبتعد كل البعد عن قناعات منظور قطاع الأعمال والاقتصاديين وهواجسهم على الأمد القصير والطويل. وفيما يلي ملاحظاتي و بإيجاز:

• لا يعزز مشروع قانون الموازنة الاستقرار المالي ويهدد الاستقرار النقدي للمملكة لأنه ومع عدم قناعتي برقم الإيرادات المحلية كما سأبحث لاحقا، نجد أن مشروع القانون يغطي الإنفاق الجاري بكامل مبلغ المنح الخارجية وبالاقتراض. والمتمعن لهذه الرسالة الواضحة للمنهج الاقتصادي للحكومة المتمثل بالاقتراض لتغطية الإنفاق الجاري بعد استنفاذ كافة مبالغ المنح أن مبدأ الاعتماد على الذات الوارد في المرتكزات قد عصف به وكان أولى لو لم يتم إيراده.
• لا يتمتع هذا المشروع بالشفافية اللازمة المطلوبة لاتخاذ مجلس الأمة قراره بالرقابة المالية وإقرار هذا المشروع لعدم وضوح الأرقام ومعانيها، كما أنه من شأن غياب الشفافية هذه أن تعصف بثقة قلقة وغير مستقرة للسوق والقطاع الخاص.

ويتمثل غياب الشفافية هذه بابتعاد الفرضيات عن الواقع و بغياب المبررات أو الأسباب في السياسيات الاقتصادية التي ينبغي أن يعكسها قانون الموازنة لدعم الفرضيات المتفائلة منها، وسريعا أيضا فيما يلي الفرضيات التي تثير مخاوفي:
• فرضية سعر النفط بين 90-95 دولارا وبينما هو اليوم 118 دولار وتتنبأ كافة التحليلات بأن الأزمة السياسية في المنطقة ستدفعه للارتفاع.
• فرضية النمو الحقيقي 3.5-4% لعام 2011 في الوقت الذي تظهر يتبين أن نسبة النمو للعام الماضي لن تتجاوز في احسن تقدير 3% وفي نفس الوقت أبقت الموازنة على رقم النفقات الرأسمالية مماثلا لما انفق العام الماضي بعد تخفيض 220 مليون دينار. كما يتضح من أرقام الاستثمار الخاص و تنزيل درجة الأردن في مؤشرات الائتمان و ارتفاع نسب الفائدة أن الاستثمار الخاص لن يكون قريبا أبدأ من أرقام العام الماضي، فهل للجنة الموقرة أن تفيدنا من أين سيأتي النمو الذي سيتجاوز نمو العام الماضي بدون استثمار؟
• أما فرضية نسبة التضخم 5-5.5% فقد دعتني للتوقف كثيرا. فنسبة التضخم لشهر شباط تجاوزت 4.5% في الوقت الذي ثبتت فيه الحكومة الأسعار للطاقة والكهرباء والماء والنقل بل وسعر بعض المواد التموينية. إذن فرضية التضخم ممكنة لتوفر الدعم، ولكن هذه الفرضية لا يمكن أن يصاحبها أن عجز الموازنة لن يتجاوز 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي. إما نسبة تضخم حقيقية وإما عجز موازنة حقيقي.

وتشكو تقديرات الأرقام من العيب نفسه سواء تلك المتعلقة بالإيرادات أو بالإنفاق وبالتالي العجز و ميزانية التمويل. وأقول:
إن تقدير أن رقم الواردات الضريبية سيزيد بنسبة 9% ليس حصيفا لا من حيث نسب النمو في العام الماضي ولا من حيث توقع زيادة الطلب مما ينعكس على المعاملات المحلية. فهل للجنة الموقرة أن تفيدنا من أين ستأتي الزيادة في الطلب وبالذات المحلي منه حيث أن أرقام إعادة التقدير للعام الماضي توضح انخفاضه بنسبة 10%؟ أم أن الفرضية أن الإيرادات ستنمو بنسبة التضخم الحقيقية يبرر ذلك؟ حيث أن ضريبة المبيعات على السلع المستوردة ستنمو بنسبة 12%

وفي باب النفقات يثير الثبات النسبي لرقم فوائد الدين العام على الرغم من نمو المديونية و اتجاه الفائدة إلى الصعود تساؤلات عديده وقلقا كبيرا. وأضيف بأن سعر الفائدة قد صعد نقطة واحدة على الأقل في الفترة الأخيرة.

أما في موضع النفقات الجارية فقد زادت النفقات الجارية للعام 2011 عن العام الماضي بمبلغ 459 مليون دينار. كلفة الإجراءات الأخيرة كما أفاد معالي وزير المالية الأكرم في خطابة الثاني من حيث الإنفاق 340 مليون دينار، مما يجعل الفرق بين نفقات السنة الماضية وهذه السنة 119 مليون دينار لتغطي الزيادة الطبيعية في الإنفاق أقل من 2%. ويثور السؤال من أين ستمول الحكومة ال 21000 وظيفة التي وعد بها دولة رئيس الوزراء في جلسات الثقة والتي تبلغ كلفتها التقريبية 50 مليون دينار. دولة الرئيس قال أن هذه التعيينات ستتم دون أعباء إضافية على الموازنة بحيث سيتم استخدام مخصصات الوظائف الشاغرة والإجازات و غيرها. فهل تخفي موازنتنا الجارية 50 مليون دينار سنستخدمها الآن؟

وفي مجال دعم المواد التموينية والمحروقات الرقم في تقديري متواضع و لا يعكس ما يجري من ارتفاع دائم في الأسعار وإشكالية توريد الغاز.

دولة الرئيس

تثير موازنة التمويل قلقا أكبر من حيث عدم معالجتها لأرقام العجز الحقيقي المتوقع ولعدم إظهارها لمديونية شركة الكهرباء الوطنية التي ستتضخم هذا العام بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة و تثبيت الأسعار وكذلك عدم إظهار مديونية صندوق القوات المسلحة التي استحقت وعلى الدولة تسديدها لا من حيث الإنفاق ولا من حيث التمويل. وينبني على كل ذلك أن رقم العجز و القروض الأخرى التي ستتحملها أو تحملتها الحكومة ستؤدي إلى زيادة الدين العام عن النسب الآمنة مما يهدد استقرارنا النقدي.

مرة أخرى دولة الرئيس إن هذه الموازنة لا تتضمن وضوحا في وصف التحديات التي تواجه الأردن ومن باب أولى أسلوب معالجتها. الأمر الذي من شأنه إرسال رسالة سلبية خطيرة للنشاط الاقتصادي في الأردن وللقطاع الخاص المعول عليه في هذا العام مما يؤزم الأوضاع أكثر في ظل الأوضاع السياسية الراهنة. نريد من الحكومة الوضوح والشفافية ليس في تلطيف الصورة بل في إبرازها لأن غياب المعلومة و المنهج وما يبثه من خوف أخطر بكثير من الأرقام الحقيقية لوضع اقتصادي صعب، نريد من الحكومة أن تبث الثقة في الاقتصاد ليس قولا بل عملا ووضوحا و مسؤولية و تعزيزا للاستقرار المالي و النقدي واعتمادا على الذات، وعليه أرجو اللجنة المالية الموقرة و الحكومة إعادة النظر في فرضيات هذه الموازنة و أرقامها وضغط الإنفاق الجاري لأقصى حد ممكن وبالذات إذا كانت هناك شواغر يمكن إلغاؤها وعكس الرقم الحقيقي للتضخم و للعجز وأثر ذلك على الدين العام. إن إبقاء الموازنة على هذه الصورة يجعلنا جميعا كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ولا أملك إلا أن أصوت لرفضها.

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العين
الدكتور صلاح الدين البشير

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية