*تحرير فلسطين مدنيا

الإثنين 25 نيسان 2011

* هذه سلسلة مقالات منبثقة عن بحث حول استراتيجية للمقاومة المدنية لتحرير الإنسان على كامل أرض فلسطين. ستعالج المقالات بالترتيب المواضيع التالية: ماهية المقاومة المدنية وفلسفتها، العسكرة والمقاومة المدنية في التاريخ الفلسطيني، هل حان وقت المقاومة المدنية؟ فعالية المقاومة المدنية، أسس المقاومة المدنية في فلسطين، تمكين المقاومة بالثورة الخضراء والمدن والقرى المستقلة ذاتيا من حيث الطاقة والمياه والغذاء.

—————————————————————–
بقلم بشار حميض/ باحث في مجال المقاومة المدنية والطاقة

بليغة هي الدروس التي قدمتها الثورات العربية منذ بداية 2011. لكن بعد انتصارها في تونس ومصر وصلنا إلى مفترق طرق مفاجئ. السهم الأول على هذا المفترق يشير إلى اليمن، التي كان الكثيرون يراهنون على وقوعها في الفوضى الأمنية لكنها لم تقع فيها واستمرت في طريق الثورة المدنية بنجاح كبير على المستوى الاجتماعي إلى الآن. السهم الثاني يشير إلى ليبيا، التي سمحت ثورتها وظروفها بمشاركة العسكر، فعلا صوت السلاح فوق كل صوت وأصبح الطريق فيها معبدا لعودة الاستعمار الاجنبي المباشر.

وننظر إلى فلسطين، فنرى أزمة سياسية عميقة، وتحركات بطيئة. لكن ليست هذه الحالة فريدة من نوعها وليست نهاية الطريق. فالحالة الفلسطينية منذ انتهاء الحرب على غزة عام 2009 تشبه الحالة التي سادت أواسط ثمانينيات القرن الماضي بعد انتهاء حرب لبنان عام 1982 وخروج المقاومة منه. فحينها بدا المشهد الفلسطيني منقسما والعمل المقاوم مستحيلا1. الحالتان متشابهتان ولكن الفرق هو أن المشهد السياسي اليوم أشد قتامة بكثير. فالأفق السياسي لحل تفاوضي مع إسرائيل يبدو مسدودا تماما هذه المرة، بعد أن فشلت معاهدة أوسلو (1993) وممثلوها الذين لا يبدو أي منهم مقتنعا فعلا بما تحقق، فضلا عن استبعاد قدوم طرف إسرائيلي يمكن أن يقدم أي تنازلات حقيقية. أما الحل العسكري فلا يبدو مقنعا أيضا، بعدما جرب عدة مرات ولم تعد هناك أي حركة فلسطينية أو قوة إقليمية تستطيع طرحه بجدية. كذلك القوى الفلسطينية منقسمة بصورة غير مسبوقة ليس على المستوى السياسي فحسب بل على المستوى الجغرافي من خلال وجود سلطتين فلسطينيتين إحداهما في غزة والأخرى في الضفة. أي أننا اليوم أمام أزمة شبيهة بأزمة الشعب الفلسطيني في ثمانينيات القرن العشرين ولكنها أكثر عمقا على كافة الصعد. لذا فإن الأمر يستدعي حلا جذريا على كل الصعد وطريقا لم يسلك بعد، وإلا فإن الوضع سيستمر على ما هو عليه أو سيزداد سوءا.

إن طريقا فلسطينيا جديدا آخذ بالتشكل. فالجهود التي تبذل للمقاومة المدنية، مثل مشروع العودة الجماعية للاجئين الفلسطينيين المقرر لها في 15 أيار/مايو 2011، جعلت الكيان يضغط بقوة على القائمين على إدارة فيسبوك لإغلاق إحدى الصفحات الداعية لذلك بعد أن بلغ عدد الإعضاء فيها نحو 350 ألف عضو، وهو ما يدل على أن الكيان الإسرائيلي قلق فعلا من مثل هذه الدعوات، حتى أننا نستشف من التصعيد الإسرائيلي محاولة لتنفيس الاحتقان بالطريقة العسكرية التي يرغب هذا الكيان بممارستها.

لكن دعوات التحرك المدني الحالية، على رغم أهميتها، لا تزال بحاجة إلى رؤية جامعة للفلسطينيين بشتى توجهاتهم وطوائفهم، وتحتاج لمنطلقات أكثر صلابة وديمومة. إن المنطلق الذي يقوم عليه مشروع المقاومة المدنية المطروح هنا هو أن فلسطين كل لا يتجزأ وهي في نفس الوقت أرض التنوع. فقد احتضنت منذ فجر التاريخ شعوبا وقبائل وأديانا تركت على أرضها مجتمعا متعدد الطوائف والأعراق. وعلى مر التاريخ لم تستطع أي من القوى التي سيطرت على هذه الأرض أن تمحو صفة التنوع هذه. ومع أن الحركة الصهيونية بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر بجهد دؤوب لتغيير واقع التنوع لإقامة دولة وطنية لليهود متجاهلة الوجود الفلسطيني، بمسيحيته وإسلامه وحتى يهوديته غير الصهيونية، إلا أن مقاومة الفلسطينيين بشتى طوائفهم وفصائلهم منعت تحقق الحلم الصهيوني بقبر الوجود الفلسطيني.

هذا هو ما يعطي الأمل بأن مقاومة الكيان الصهيوني مجدية وسيكتب لها النجاح خصوصا إذا اتخذت أشكالا مدنية جديدة أكثر فاعلية وطرحت رؤية إنسانية بديلة عن الرؤية الصهيونية الإثنو/طائفية، وهو ما سيطرح تباعا في هذه السلسلة من المقالات على مستوى الرؤية والتطبيق.


1 للإطلاع على فترة الأزمة الفلسطينية في الثمانينيات راجع: “الأزمة الراهنة للثورة الفلسطينية، جذورها وآفاق حلها”، عبد الهادي النشاش، دار النديم، دمشق، 1985.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية