عندما يصبح الجحيم هو الآخرون

الإثنين 11 نيسان 2011

بقلم علاء طوالبة

الجحيم هو الآخرون، عبارة أنهى بها سارتر مسرحيته “ترجمت باسم الأبواب المغلقة”. اشتهرت هذه العبارة جدا وقلما فهمت ضمن سياق المسرحية والفلسفة الوجودية واستخدمت كثيرا لمهاجمه سارتر وفلسفته.

أنا لن أقوم باستخدامها ضمن سياقها مره اخرى. المهم، لست هنا لأتكلم عن سارتر مع أني أريد أن أتفلسف قليلا بخصوص موضوع الهوية و التغيير.

بداية أود أن اقتبس تعريف الهوية من ويكيبيديا:

الهـُويـَّة:
جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة: هو. الهوية هي مجمل السمات التي تميـّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كلّ منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.
الهوية الشخصية تعرّف شخصاً بشكله واسمه وصفاته وسلوكه وانتمائه وجنسه.
الهوية الجمعية (وطنية أو قومية) تدلّ على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميّزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كوّنتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. فما يجمع الشعب الهندي مثلاً هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضاً دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعباً هندياً متمايزاً رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى.
العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها.
عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيّرات تاريخية سرّعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى الهوية وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية.

بناءً على التعريف السابق ماذا يعني أن أكون عربيا وأردنيا هنا والآن، أردني “من كافة المنابت و الأصول” مع وجود هويات فرعيه متضمنة للهويه الجمعية لنا كأردنيين؟

تصوير روان دعاس

بالحديث عن الهويات الفرعية ذكر لي صديق حادثه حصلت معه  حيث كان مع شاب ايرلندي و أرادوا التعرف على شاب ايرلندي آخر. بعد القليل من عبارات المجاملة عرفا عن أنفسهما باستخدام اسم العائلة الذي تبين أنه سيقود مجرى الحديث، حيث أنه من اسم العائلة يعرف الشخص إن كان بروتستانت أو كاثوليك وهما هويتان فرعيتان للهويه الجمعية “ايرلندي”.

تنوع الهويات الفرعية داخل الهوية الجمعية حاله طبيعية ومهمة جداً حيث ان هذا التنوع يساهم  في إثراء واغناء الهوية الجمعية بالكثير من الثقافات و العادات المختلفة المكتسبة من الهويات الفرعية.

المشكلة هي عندما تتضخم الهويات الفرعية وينقسم المجتمع فيضيع تعريف الهوية الجمعية، و خاصه عندما تكون هذه الهويات الفرعية مصنعه وغير أصيله وجدت بسبب احداث سياسية ومغامرات ساذجة لقادة سياسيين لم يكونوا على قدر مسؤولية القيادة الاجتماعية لمجموعه من المواطنين. وأدت المغامرات الساذجة إلى نتائج كارثية قادت إلى الانقسام والصدام بين مكونات المجتمع وإيجاد هذه الهويات الزائفة. والأدهى من ذلك أن تكون هذه الهويات في حاله تناقض مع بعض كل منها يحاول الغاء وإقصاء الاخر من المجتمع والتقليل من تأثيره في بناء وتطور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، عندما ننقسم الى مجموعات من “نحن” و “هم”.

لا يهم كيف نكون “نحن” وما معنى “نحن”  المهم أننا لسنا “هم”  و “نحن” في حاله صراع دائمه مع “هم”.

عندما نقوم بتعريف “نحن”  كحاله مضادة ل “هم”  ويبدأ كل من “نحن” و”هم” بإعادة كتابه التاريخ لإيجاد و خلق كل الفروقات الممكنة بين “نحن ” و “هم” والغاء كافه  نقاط الالتقاء مع كثرتها، ويتم نسج كل الأساطير و القصص الموروثة  عبر الأجيال لإعطاء بعد تاريخي مزيف للصراع وتشكيله على أنه صراع وجود ومحاوله تأصيله في وعينا ليهيئ  لنا أنه منذ البداية كان هناك “نحن” و “هم”  متصارعان، متناقضان، محاولا كل منهما تهميش وجود الاخر.

ويوضع الجميع أمام الخيار أنت من “نحن” أو من “هم”. غالبا يكون الخيار محددا أمام الشخص بناء على معتقد موروث من الآباء، تصبح الحياة في المجتمع عبارة عن أفعال “نحن” ضد “هم” وتخويف كل طرف من الآخر وانعدام الثقة بين الأفراد والتخوف دائماً من وجود “أجندات ” مخفيه لمصلحه “نحن” ضد “هم” و تضيع الهوية الجمعية بين الأقدام أمام هذا الصراع، عندما يتغلل الخلاف والصراع بين “نحن” و “هم” إلى كل مناحي الحياة السياسة  الاقتصادية والاجتماعية في الحياة اليومية للأفراد، ويتحول أي نزاع أو اختلاف بسيط إلى مؤامرة يحوكها “هم” ضد “نحن”… عندها  يصبح الآخر هو الجحيم .

بما أننا الآن نطالب بالإصلاح والتغيير و وصلنا إلى مرحله نناقش فيها كل المواضيع المتعلقة بالحالة السياسية والاقتصاديه، لنلقي بعض الضوء على حالتنا الاجتماعية والأوضاع الحالية لنا كأفراد نحاول خلق هوية جديدة، لو نسينا ما قيل لنا وما لُـقـنّاه ونكرره بدون تفكير، لو توقفنا للحظه ونظرنا الى تاريخنا الشخصي بدون الأمراض الموروثة، لوجدنا أنه لا يوجد “نحن” أو “هم” فرعيه بهذا التضخم ، يوجد نحن كبيره واحدة كلنا ننتمي إليها.

لتتوقف قليلا ونفكر من “نحن” ومن “هم” وبماذا نتناقض ….

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية